مصرفيون يطالبون بتوحيد لجان الفتوى لتجنّب الشكوك حول شرعية المنـــــــتجات
غياب هيئة عليا للرقابة على الـمصارف الإسلامية مخالف للقانون
دعا مصرفيون إلى تفعيل المادة (5) من القانون الاتحادي بشأن المصارف الإسلامية، التي تقضي بوجود هيئة عليا للرقابة الشرعية على المصارف الإسلامية، معتبرين أن عدم وجود هذه اللجنة يعد مخالفاً للقانون.
وطالبوا بتوحيد لجان الفتوى الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، ضمن لجنة عليا في الدولة، معتبرين أن عدم وجود هذه اللجنة، يثير شكوكاً حول شرعية المنتجات المصرفية التي تقدمها تلك المصارف.
في الوقت نفسه، انتقد كبير المفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، الدكتور أحمد الحداد، ما اعتبره «معاملات صورية في المصارف الإسلامية»، مطالباً بإيجاد مصرفية حقيقية متميزة في هيكليتها وتطبيقها بقواعد الشرع.
المادة (5)
التورّقنفى رئيس لجنة الفتوى الشرعية في بنك نور الإسلامي، أمجد نصر، أن «تكون عقود التورّق شكلاً صورياً لمعاملات بيع وشراء لا تختلف في جوهرها عما تقدمه البنوك التجارية من تمويلات»، مؤكداً أنه «زار بنفسه سوقين للتورّق، أحدهما في لندن والآخر في ماليزيا تباع فيهما السلع والمعادن والحبوب، لكن الإشكالية تكون في اختلاف وجهات النظر الشرعية، إذا انقسم الفقهاء إلى ثلاثة مذاهب، أولها لا يجيز التورّق ولا يفضل أن تتعامل البنوك به، وهو رأي مجمع الفقه، والثاني وهم هيئات المحاسبة والمراجعة الإسلامية داخل البنوك التي تجيزه، لكن وفق ضوابط محددة وفي أضيق الحدود، والثالث لا يرى في تطبيقه أي إشكالية»، مدللاً على ذلك «بأن هناك مصارف إسلامية في الدولة لا تقر التوّرق مطلقاً، مثل (بنك دبي الإسلامي) و(مصرف الشارقة الإسلامي)، وأخرى تجيزه فقط لسداد مديونيات متعامليها لدى البنوك التجارية، مثل مصرفي (أبوظبي الإسلامي) و(الهلال)، وثالثة تجيزه كلياً وعلى نطاق واسع، مثل (بنك نور الإسلامي) و(مصرف دبي) و(إتش إس بي سي أمانة)». وأشار إلى أن «التورّق مطبق بشكل واسع في كل من السعودية والبحرين». وأوضح أن «التورّق عقد يتملك البنك بموجبه سلعة ما، ويعيد بيعها للمتعامل الذي يقوم بدوره ببيعها لطرف ثالث مختلف، وغالباً ما يكون محدداً من قبل البنك، ويحصل في مقابلها على تمويل طويل الأجل»، لافتاً إلى أن «جميع الهيئات الشرعية مازالت تطمح إلى إيجاد منتج إسلامي بديل للتورّق، بسبب كثرة الخلاف عليه». |
وتفصيلاً، تقضي المادة (5) من القانون رقم (6) لسنة 1985 بشأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية، بأنه «تشكل بقرار من مجلس الوزراء هيئة عليا شرعية تضم عناصر شرعية وقانونية ومصرفية، تتولى الرقابة العليا على المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية، للتحقق من مشروعية معاملاتها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، كذلك إبداء الرأي في ما يعرض على هذه الجهات من مسائل أثناء ممارستها نشاطها، ويكون رأي الهيئة العليا ملزماً للجهات المذكورة، وتلحق هذه الهيئة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف».
وحصلت «الإمارات اليوم» على صورة من اجتماعات «مؤتمر المصارف الإسلامية بين الواقع والمأمول»، الذي نظمته دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي عام ،2009 التي طالبت بتفعيل المادة (5) من القانون.
وأوصى المؤتمر بإيجاد هيئة عليا تمثل مرجعية تنطوي تحتها جميع هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، تتولى الإشراف والتوجيه وتوحيد الآراء وحسم الخلافات الفقهية في المسائل الشرعية، والمشاركة في تعيين أعضاء هيئات الفتوى والرقابة الشرعية، ممن تتوافر فيهم الشروط المطلوبة لشغل هذه الوظائف، ووضع المعايير ومراقبة تطبيقها.
أخطاء
من جانبه، قال كبير المفتين، الدكتور أحمد الحداد، إنه «لاتزال المصارف الإسلامية تمارس بعض الأخطاء ــ التي كان من الممكن قبولها في السابق لضرورة المرحلة الابتدائية لإنشاء المصارف ــ المتمثلة في بعض شكليات المعاملات الصورية والنمطية في المرابحة أو التورّق أو السلم أو التسهيلات في المديونيات والائتمانات».
وأضاف أن «الخطأ في التطبيق أو الهيكلة وليس في المنتج عموماً، وهذه الأمور يكاد يجمع علماء المصارف اليوم على أنها لم تعد نافعة ولا مقبولة، ويتعين إيجاد مصرفية حقيقية متميزة في هيكليتها وتطبيقها بقواعد الشرع، الذي أصل لهذه المعاملات بما فيه الكفاية، للاستغناء عن المعاملات الربوية والباطلة».
وتابع أن «بعض الآراء ترى أن الإسلام لم يأتِ بهذه المعاملات، وأنها أحكام اجتهادية، أو أن الاقتصاد الإسلامي فشل في أول أيامه، وهذا كلام من لا يعرف الاقتصاد الإسلامي أو الوضعي، معتمداً على بعض الكتابات غير الدقيقة أو المتخصصة».
وأوضح الحداد «الاقتصاد الإسلامي مبني على أصول كثيرة شهيرة في الكتاب والسنّة واجتهاد علماء الأمة المنوط بهم بيان الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات»، مضيفاً أن «المعاملات المصرفية في شكلها الآن ليس فيها جديد عما كان في السابق، إلا في التطبيق والتنظيم، أو ما اقتضاه التطور الاقتصادي الذي وصلت إليه البشرية الآن، وإلا فإن البيع اليوم بشروطه وأركانه هو البيع في السابق، والمشاركة هي المشاركة، والوكالة هي الوكالة، والحوالة هي الحوالة، والدّين هو الدّين ، والرّبا هو الرّبا والغش هو الغش، وهذه هي أسس الاقتصاد التي جاء الإسلام يبين ما هو حلال منها مما هو حرام».
مخالفة القانون
من جانبه، قال رئيس إدارة الرقابة الشرعية في شركة أبوظبي للتمويل الإسلامي، الدكتور غسان طاهر طلفاح، إن «مجالس إدارات البنوك والشركات الاستثمارية الإسلامية هي التي تتولى تعيين أعضاء هيئات الرقابة الشرعية، بعد الحصول على موافقة الجمعيات العمومية، ما يخالف المادة (6) من القانون، التي تقضي بضرورة عرض أسماء هيئات الرقابة الشرعية على الهيئة العليا المنصوص عليها في المادة (5) من القانون نفسه»، معتبراً أن «مثل هذا الأمر يؤكد عدم وجود لجنة عليا تتولى الرقابة الشرعية على المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية للتحقق من مشروعية معاملاتها».
وأضاف أن «وجود اللجنة العليا، سواء كانت تابعة للمصرف المركزي أو لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، هو أمر ضروري»، لكنه أشار إلى أنه «يرفض الادعاء بأن اختلاف المنتجات التي تطرحها مصارف إسلامية يعد دليلاً على وجود خلاف شرعي حول هذه المنتجات، إذ يجب أن تكون الفتوى الشرعية صادرة عن جهة تضم علماء في الشريعة والصيرفة الإسلامية، وليس مجرد متخصصين في الشؤون الإسلامية»، لافتاً إلى أن «الاختلاف ربما يأتي من خلاف حول آراء شرعية بناء على معطيات مختلفة، وليس على فتوى شرعية مؤكدة».
وأوضح طلفاح أن «اختلاف منتجات المصارف الإسلامية يعد ظاهرة صحية جداً، تؤكد أن هناك مصارف اجتهدت في إصدار منتجات حديثة تختلف عن المنتجات الإسلامية التقليدية في قطاع الصيرفة الإسلامية»، مشيراً إلى أن «عدم إصدار مصارف إسلامية لمنتجات طرحتها مصارف أخرى يرجع إلى عوامل تختلف عن التوافق على شرعية تلك المنتجات، منها عدم جاهزية المصرف تقنياً وفنياً لإصدار المنتج الجديد، أو لترقب نجاحه وثبوت جدواه الاقتصادية في السوق المصرفية قبل إصداره، أو لأن المصرف يحتاج إلى مزيد من الوقت لدراسة المنتج الجديد والتأكد من مناسبته للبيئة التي يعمل فيها المصرف من ناحية احتياج المتعاملين له».
وأوضح أن «اللجنة العليا يمكن أن تكون في البداية بنكاً للمعلومات تجمع وتوحد القرارات الخاصة بشرعية العمل المصرفي، ثم توحد في مرحلة تالية عقود الاتفاقات والمنتجات المصرفية الإسلامية، وصولاً إلى اعتماد تلك المنتجات المصرفية بشكل نهائي قبل إقرارها، حتى وإن أقرتها لجان الفتوى الشرعية في الهيئات المختلفة»، مؤكداً أن «وضع تنظيم لمهنة إصدار الفتاوى الشرعية في قطاع الصيرفة الإسلامية أمر ضروري، مثل تنظيم أي صناعة أخرى».
توحيد اللجان
من جهته، أقر مدير الشريعة في شركة «موارد للتمويل»، مفتي عزيز الرحمن، بأنه في الوقت الحالي لا توجد لجنة عليا شرعية، وإنما توجد لجان أو هيئات للفتوى الشرعية في المصارف والمؤسسات الإسلامية.
وقال إن «توحيد لجان الفتوى الشرعية في المصارف الإسلامية ضمن لجنة عليا، هو أمر مطبق بالفعل في عدد من الدول الإسلامية، مثل باكستان، ماليزيا، السودان، البحرين وغيرها»، مقترحاً أن «يتولى المصرف المركزي اختيار وتعيين أعضاء اللجنة العليا الموحدة، وبشرط أن تكون لجنة مستقلة، قرارتها ملزمة بحسب ما جاء في المادة (5) من القانون».
وحدد عزيز الرحمن مهام اللجنة الموحدة في إصدار التوصيات العامة، والتنسيق بين لجان الهيئات الرقابية الشرعية الخاصة بكل مصرف، فضلاً عن عمل الدورات والندوات والبحوث المساندة، ومعاونة المصرف المركزي في إصدار التوجيهات المتعلقة بالمصارف الإسلامية، خصوصاً الأمور المتعلقة بالأحكام الشرعية والفتاوى الفقهية.
وأكد أن «الآراء التي ترى في اختلاف المنتجات المصرفية التي تطرحها المصارف الإسلامية نوعاً من الخلاف بين لجان الفتوى حول شرعية هذه المنتجات هي آراء تنقصها الدقة»، مسوغاً ذلك بأنه «لا يوجد خلاف أو اختلاف في المبادئ الشرعية، لأن كل المذاهب الإسلامية والعلماء وجهات الفتوى متفقة على تلك المبادئ، لكن الخلاف يأتي من اختلاف وجهات النظر في بعض المسائل الفرعية، وهو أمر مشروع في الفقه الإسلامي لمرونته وتشجيعه على البحث والاجتهاد».
التطبيق
من ناحيته، أكد رئيس لجنة الفتوى الشرعية في بنك نور الإسلامي، أمجد نصر، أن وصف المعاملات الإسلامية بـ«الصورية»، وأنها لا تختلف عن نظيرتها التقليدية بعيد عن الدقة والموضوعية كثيراً، موضحاً أن «البنوك الإسلامية مؤسسات تجارية يقوم عملها على إيجاد صيغ للمعاملات المصرفية تتوافق مع أحكام الشريعة، وتترجم ذلك في صورة عقود خاصة بها، مثل المرابحة والمشاركة والإجارة والتورق وغيرها»، لافتاً إلى أن «أي إخلال بالتطبيق يعد عيباً في البنك وإدارته، وليس في المنتج الإسلامي نفسه». وأشار إلى أن «هناك خلطاً بين أمرين، أولهما الأساس الذي تقوم عليه المعاملات الإسلامية، وهو الشريعة، والذي بدوره لا يقبل خطأ، وبين الأفراد القائمين على التطبيق، وهؤلاء من الوارد جداً أن يُخطئوا».
وقال نصر إن «المصارف الإسلامية طورت كثيراً من منتجاتها، ولديها عقودها الخاصة المتوافقة مع الشريعة، ولا تقدم منتجات تقليدية مع تغيير المسميات».
وأضاف أن «البنوك الإسلامية كيانات تجارية وليست خيرية، فهناك مساهمون وحملة أسهم، فهي تمارس عملاً استثمارياً، لكن وفق مبادئ الشريعة الإسلامية».
وأكد «أهمية وجود هيئة شرعية عليا تابعة للمصرف المركزي بأعضاء مستقلين من ذوي الخبرة، وليسوا أعضاء في البنوك، على غرار المعمول به في ماليزيا، تكون مهمتها توحيد الفتاوى الشرعية على مستوى المصارف الإسلامية، بحيث لا يعرض أي منتج في أي مصرف إسلامي إلا بعد موافقتها»، لافتاً إلى أن «ذلك من شأنه تقليل الاختلافات بين البنوك الإسلامية».
يشار إلى أن المصرف المركزي شكل لجنة تابعة له مهمتها رقابية فقط، ولا تتدخل في الفتوى، إذ مازال لكل بنك هيئة شرعية للفتوى خاصة به، إلا أن مصدراً بالمصرف المركزي قال لـ«الإمارات اليوم»، في وقت سابق، إن هناك توجهاً لتشكيل مرجعية شرعية واحدة للمصارف الإسلامية تكون مهمتها توحيد الفتاوى الشرعية وتتبع المصرف المركزي مباشرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news