مواقع التواصل الاجتماعي.. «انكشاف طوعي» على الحكومات وشركات التسويق (2 ــ 2)
متخصصون: محتوى المنصّـــات يؤثر في حياة المستخدمين.. ويُعتدّ به فــــي المحاكم
• 8 حالات «إنكشاف طوعي» أثرت في حياة المستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعي
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل ورسوم الإحصاءات البيانية وحالات إنكشاف طوعي، يرجى الضغط على هذا الرابط.
أكّد متخصصون في مجالات التقنية والإعلام والقانون والأمن، أن مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تشكل مساحة للتعايش والتواصل، وتكشف وتوفر معلومات عن الجميع للجميع، كما تسهم في تنويع وتجديد شكل ونمط التواصل والحياة الاجتماعية.
وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن المستخدم لتلك المواقع لا يحوّل حياته إلى «كتاب مفتوح» عن قصد، بل يمارس التواصل مع الآخرين يومياً باعتباره «طقساً» لا يمكن الاستغناء عنه، وتلك كلفة طبيعية لابد منها، مشيرين إلى أن التعرف إلى توجه شخص ما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أصبح في متناول الجميع تقريباً، فما بالك بالمتخصصين والخبراء ممن لديهم وصول ميسّر إلى أدوات التحليل المتقدمة؟
وأوضحوا أنه يمكن للمعلومات التي ينشرها المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي أن تؤثر في مسيرة حياته في التوظيف مثلاً، أو منحه تأشيرة دخول لدولة ما، أو حياته المهنية والاجتماعية، محذرين من أنه لا يجوز اعتبار مواقع التواصل بمثابة حكم قاطع على الفرد، وهذا ما يجب أن تأخذه الحكومات والشركات بعين الاعتبار.
وأكدوا أنه أصبح يُعتدّ حالياً بما يُنشر على منصات التواصل الاجتماعي، أمام المحاكم، لكن الأخطر من الأحكام القضائية، هو الأحكام الاجتماعية التي يفرضها المجتمع على أولئك المستخدمين.
ورأوا أن تلك المواقع سهّلت على المحققين الذين كانوا يلجأون إلى أساليب تقليدية في التحقيق للحصول على المعلومات.
كلفة طبيعية
سخاء معلوماتي أكد مصدر أمني، طلب عدم نشر اسمه، أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أدوات يمكن الاستعانة بها عبر تحليل بيانات المستخدمين، لاتخاذ اجراءات وصفها «االوقائية»، مؤكداً أنها سهلت على أجهزة الأمن في العالم رصد ومراقبة الأشخاص، خصوصاً الحالات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية والابتزاز أو التحايل على الآخرين. |
وتفصيلاً، قال مدير مكتب صحيفة «القدس العربي» في العاصمة الأردنية عمان، بسام بدارين، إن مواقع التواصل تكشف وتوفر معلومات عن الجميع للجميع، وتسهم في تنويع وتجديد شكل ونمط التواصل والحياة الاجتماعية.
وأكد بدارين لـ«الإمارات اليوم» أنه يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب أمنية وتسويقية، قائلاً إن تلك حقيقة لا يمكن نكرانها، لكنها تعتبر كلفة طبيعية لتعميم مثل هذا النمط التواصلي.
وأضاف أنه على الرغم من هذه الكلفة، فإنه لا يمكن الاستغناء عنها حالياً، نظراً لأن أجهزة الأمن والمجموعات المتعددة تستثمر في تلك الوسائط، كما أن شركات التقنية والتسويق تفعل ذلك، وبالتالي فهي وظيفة متبادلة.
ونبّه مدير مكتب «القدس العربي» إلى أن المستخدم لا يحوّل حياته إلى «كتاب مفتوح» قصداً، بل يمارس التواصل مع الآخرين يومياً باعتباره «طقساً» لا يمكن الاستغناء عنه، مشيراً إلى أن المستخدم يضع كتاب حياته وتفاصيل يومه بين أيدي من يرغب، وتلك كلفة لابد منها، معرباً عن اعتقاده الشخصي بأنها كلفة يمكن احتمالها مقابل الامتيازات البشرية التي تتيحها وسائل التواصل السريع الحديث.
بيانات مثيرة
وتابع بدارين: «يمكن تحليل مضمون جميع أصناف التعليقات والمشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبناء استخلاصات واستنتاجات، وأزعم أن ذلك ما تفعله أجهزة الأمن والحكومات حالياً وهي تراقب الشبكات».
ورأى بدارين أن التعليقات على الأحداث، خصوصاً الإرهابية والعنيفة منها، توفر قاعدة بيانات مثيرة تساعد المترصد في تحليل المضمون، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتعليقات تبرر العنف والإرهاب، أو تجد له مسوغاً.
تأثير مباشر
ورداً على سؤال في ما إذا كان يمكن للمعلومات التي ينشرها المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي أن تؤثر في مسيرة حياته في التوظيف مثلاً، أو منحه تأشيرة دخول لدولة ما حالياً، قال بدارين: «للأسف فإن ذلك قد يحدث دوماً، إذ إن العديد من الحكومات بدأت تحاسب وتحاكم المعلقين والنشطاء على آراء أدلوا بها عبر الشبكة، ومن المرجح أن الشركات وأجهزة الأمن الغربية تجمع حصيلة المعلومات والتعليقات، وتستطيع، من دون إعلان، الاعتماد عليها في رفض طلب توظيف، أو منح تأشيرة أو حتى مقعد جامعي، وهذا يحصل طوال الوقت، لاسيما في الدول العربية حالياً».
وحول رأيه الصحافي في أهمية أن يكون الشباب على حذر في ما ينشرونه أو يضعونه من صور، أكد بدارين تأييده حرية الإنسان في كل مكان للمشاركة والتواصل، والإدلاء برأيه، مشدداً على أنه مع محاسبة ما سمّاه الاستعمال الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي في عمليات غير أخلاقية أو غير قانونية، أو تروج للعنف والكراهية.
تعايش وتواصل
بدوره، أكد المؤسس والرئيس التنفيذي في «البوابة العربية للأخبار التقنية»، أحمد عبدالقادر، أن مواقع التواصل تشكل، بطبيعتها الاجتماعية، مساحة للتعايش والتواصل بين الأفراد الذين يعبرون عن آرائهم.
وتابع: «في معظم الأحيان يكشف الأفراد تفاصيل حياتهم اليومية، وميولهم، وتوجهاتهم السياسية والدينية والأخلاقية وحتى الجنسية منها، وبالتالي، فإن التعرف إلى توجه شخص ما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أصبح في متناول الجميع تقريباً، فما بالك بالمتخصصين والخبراء ممن لديهم وصول ميسّر إلى أدوات التحليل المتقدمة؟».
وفي ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تحولت من دون قصد إلى «موظف» لدى الحكومات وأجهزة الأمن وشركات التسويق التجاري، لتقدم معلومات مفصلة عن المستخدمين وعاداتهم التسويقية وميولهم السياسية ومعتقداتهم الدينية، رأى عبدالقادر أن أجهزة الأمن في شتى بقاع الأرض لها مقاربة «متقدمة» أخرى، إن صح التعبير، لمحاولة الحصول على بيانات شخص ما، ناهيك عن الإجراءات المفروضة من قبل إدارات منصات التواصل الاجتماعي المعيارية في ما يتعلق بهذا الأمر.
منجم معلومات
ولفت إلى أن شركات التسويق التجاري باتت تعتمد اعتماداً كبيراً على هذه المنصات للوصول إلى المتعاملين المستهدفين، بفضل إمكانية الوصول إلى كل صغيرة وكبيرة حول المستخدم، بما في ذلك موقعه الجغرافي، وميوله، وتحركاته اليومية، وتفضيلاته، وحتى آخر نشاطاته الشرائية.
وأوضح أن شركات التسويق تجد في منصات التواصل الاجتماعي منجماً من المعلومات التي ترتكز عليه في الوصول إلى الشخص المستهدف، وهذا كله طوعاً، مشيراً إلى أن المستخدم يقدم معلومات شبه يومية، وأحياناً لحظية عن تحركاته وتفضيلاته وما يقوم به، أو يحبه، وهذا بالتأكيد ناتج عن الطبيعة الاجتماعية لتلك المنصات التي تتيح إمكانية التواصل مع أفراد المجتمع الآخرين، واطلاعهم على ما يفكر ويقوم به الفرد.
تحديد المتطرف
وحول المعلومات التي يمكن أن ينشرها المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي وتصنفه ضمن دائرة العنف أو الإرهاب، أو اعتباره «مشروع متطرف» ديني أو سياسي، قال عبدالقادر إن الأمر متوقف على تعريف العنف والتطرف أو الإرهاب، إذ إنه يختلف من بلد إلى آخر، إلا أن المتطرف عموماً، هو من يجنح بأفكاره إلى الحد الأقصى، مشكلاً عبئاً معنوياً وفكرياً ومادياً وسياسياً وأخلاقياً على من حوله.
وقال: «ببساطة، يمكنك تحديد شخص متطرف من خلال ما ينشره من صور وآراء وأفكار، وبالتالي يمكن تحديده بسهولة».
الحياة الاجتماعية
ولفت عبدالقادر إلى أنه يمكن للمعلومات التي ينشرها المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي أن تؤثر في مسيرة حياته في التوظيف مثلاً، أو منحه تأشيرة دخول لدولة ما حالياً أو حياته المهنية والاجتماعية، قائلاً: «بكل تأكيد، هنالك مئات الأمثلة التي تحدث يومياً في هذا الشأن، ففي ظل وجود أدوات التحليل والمتابعة المتقدمة التي تعمل على جمع وتحليل البيانات، فإن من السهل جداً التحري عن دقة معلومة معينة، فضلاً عن تحديد ميول الشخص وتفاصيله الأخرى».
وتابع: «كثيرة جداً هي الحالات اليومية، إن صح التعبير، بدءاً من التوظيف، مروراً باستصدار تأشيرات، وانتهاءً حتى بالزواج، فالعديد من العائلات أصبحت تعتمد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي لتحديد سلوك العريس، فما بالك بالجهات الحكومية أو السفارات أو الشركات التجارية؟».
مرآة للشخص
ورداً على سؤال حول أهمية أن يكون الشباب العربي حذراً جداً في ما ينشره من تغريدات أو صور أو وضع «إعجاب» على مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل عبدالقادر: لماذا الحذر طالما أنه شخص سوي وسليم؟ وما المانع من أن يطلع جميع العالم على ما أفكر أو أعتقد طالما أنني أسير في المسار السليم؟!، منبهاً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت مرآة للشخص تعكس هويته وتفاصيل حياته، ومن المفترض أن يحرص على تقديم نفسه بأفضل حال وصورة، ويختار ما ينشر وما لا ينشر.
إرادة حرة
قانونياً، قال الرئيس التنفيذي لـ«دار القانون» في عمان، المحامي هاني زاهدة، إن «مواقع التواصل نجحت إلى حد كبير في الكشف عن هويات مستخدميها، فضلاً عن نجاحها مع المستخدمين أنفسهم في اكتشاف جزء من هوياتهم التي لم يكونوا يعرفونها عن أنفسهم».
ورأى زاهدة في تصريح لـ«الإمارات اليوم» أن هذا يعتبر «انكشافاً طوعياً» من الفرد، وبإرادته الحرة التي تشبه إرادته الحرة في التدخين للمرة الأولى مثلاً، لافتاً إلى أن المستخدم بعد ذلك، يكاد يفقد إرادته، باعتباره يقف وحيداً أمام نظام ضخم من المعلومات والبرمجيات والدراسات، التي لا يمكن له مقاومتها أو أن يتعامل معها بغير «الخضوع».
وتابع زاهدة: «يقدم الفرد المعلومات عن نفسه، ويسهّل عمل الحكومات ومختلف أجهزتها، فضلاً عن الشركات والمعلنين، لكن السؤال الذي أفكر به، هو ما إذا كان هذا الانكشاف سيئاً أم لا؟»، مستدركاً أنه لا يمكن الإجابة عن هذا التساؤل بـ«نعم» أو «لا»، نظراً لأنها تعتمد على الطريقة التي ينجر فيها المستخدم للتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.
سلوكيات متناقضة
ونبّه زاهدة إلى مسألة غاية في الأهمية، تتعلق بقدرات الأفراد على التعبير عن ذواتهم، قائلاً إن «المتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي يجد أن بعض المستخدمين لا يتقنون التعبير عن أنفسهم، وتراهم في كثير من الأحيان يظهرون على خلاف حقيقتهم، إذ قد نجد شخصاً فظاً في سلوكياته على أرض الواقع، لكنه لطيف على مواقع التواصل الاجتماعي، والعكس صحيح، ولذلك، لا يجوز اعتبار مواقع التواصل بمثابة حكم قاطع على الفرد،
وهذا ما يجب أن تاخذه الحكومات والشركات بعين الاعتبار».
ورداً على سؤال في ما إذا يمكن الاعتداد بما ينشره المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي في أروقة القضاء والمحاكم، قال زاهدة: «بالتأكيد، إذ إنه وخلال السنتين الأخيرتين أصبح البحث في الأحكام القضائية عن كلمة (فيس بوك)، يظهر لنا عشرات الأحكام القضائية المتعلقة بذلك»، مؤكداً أنه يُعتد بما ينشر سواء على منصات التواصل الاجتماعي ومنها، «فيس بوك»، أو عبر تطبيق «واتس آب» للمحادثة الفورية، أو عبر موقع التدوين المصغر «تويتر».
واختتم زاهدة حديثه بالقول: «إن الأخطر من الأحكام القضائية التي قد تترتب على ما ينشره الشخص، هو الأحكام الاجتماعية التي يفرضها المجتمع على المستخدمين».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news