تدور أحداثها بين نيويورك وباريس وروما

«الشخص الثالث».. حكايات تبحث عن الثقة

الفيلم يشارك في بطولته ليام نيسون وأوليفيا وايلد وجيمس فرانكو وميلا كونيس. الإمارات اليوم

المقارنة حاضرة بقوة بين فيلم «كراش»، الذي أنتج عام 2005، والفيلم الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية «الشخص الثالث»؛ فكلاهما للمخرج بول هاغيس الذي أراد على ما يبدو أن يعيد لجمهوره حكاياته المركبة التي تنتمي لشخصيات مختلفة ومدن مختلفة، لتصب في النهاية بخانة واحدة، تماماً كما حدث مع «كراش» الذي منح هاغيس الأوسكار.

«الشخص الثالث»، الذي يشارك في بطولته ليام نيسون، وأوليفيا وايلد، وجيمس فرانكو، وميلا كونيس، وغيرهم، يظل المشاهد طوال أحداثه يبحث عنه، عبر ثلاث حكايات تدور أحداثها بين نيويورك وباريس، وروما، ويبدأ بمشهد يضم (مايكل) وهو يجلس أمام حاسوبه ويكتب، ليقطع هاجسه صوت طفل يقول له «شاهدني». والقصص الثلاث هي مشروع رواية الكاتب المقبلة، وهو الفائز بجائزة عريقة عن روايته الأولى، وبعد ذلك يبدأ الفيلم بالدخول أكثر في التفاصيل، التي يجب أن يكون المشاهد في قمة تركيزه كي لا يضيع خيطٌ يربط حدثاً بآخر.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجي الضغط علي هذا الرابط,

ثلاث حكايات تربط بينها عناصر محددة، منها وجود طفل سواء أكان على قيد الحياة أم لا، وعلاقة رجل وامرأة، سواء أكانت زوجية أم خيانة، والشخص الثالث، الذي قد يكون كل هؤلاء، أو بالأحرى وأنت تتبع المشاهد تشعر بأنه ليس بالضرورة أن يكون شخصاً من لحم ودم، فمن الممكن أن يكون حالة، لأن الحكايات الثلاث قائمة على لحظة لم تتعدَّ الثواني لكنها كانت كفيلة بخسارة كل فرد في الدائرة شيئاً عزيزاً، والسؤال الكبير الذي يوجهه الضحايا أو الأكثر تضرراً «عندما وقعت الحادثة وأنت مشغول بشيء ما، هل نجحت في ذلك الشيء؟».

مايكل الكاتب المرموق وعشيقته آنّا الصحافية التي تطمح أن تصبح كاتبة، وجوليا المتهمة بمحاولة قتل ابنها، وطليقها الفنان التشكيلي المشهور ريك وصديقته، وشون التاجر الذي يسرق التصاميم العالمية ويقوم بتقليدها، والعلاقة التي تربطه بمحض المصادفة مع مونيكا التي تدعي أنها متورطة مع عصابة إيطالية لتعيد لها ابنتها ذات الثمانية أعوام، هي أسماء الشخصيات الرئيسة في الفيلم، والتي يحمل كل اسم تقاطعه مع اسم آخر، يحاول من خلالهم المخرج هاغيس أن يجعل المشاهد يترقب لحل لغز الشخص الثالث في حياة كل واحد منهم.

الكاتب الأميركي مايكل الذي اختار باريس ليبتعد بعد انفصاله عن زوجته في نيويورك، تلحقه عشيقته الصحافية الشابة والجميلة، بينهما علاقة عمرها عامان، فيها الكثير من التحدي، فهي تشعر بالقوة كلما أهانها أو استخف بها أو رفضها مهما قدمت له من مغريات، وهو في الحقيقة انفصل عن زوجته لحبه الشديد لها، لكنه يتقن اللعبة معها وعلى هواها، هذه الصحافية آنّا تحب كبار السن، وتحتفظ بساعة رجالية قديمة، ستكون على الأغلب لها علاقة بالشخص الثالث في حياتها، ومع أن الموضوع ليس مباشراً، لكن الإيحاء يجعل ارتباط الساعة بأبيها شيئاً محتملاً، وعلاقة هذا الأب مع ابنته بالضرورة لم تكن سوية، لذلك تراها تبحث عن المسنين؛ وكان مايكل هو التحدي الأكبر لها، وحينما بدأت بالشعور بحبه لها، خصوصاً بعد أن أخبرها عن انفصاله، هربت منه، وقالت: «هل تعلم لماذا أختار الرجال المتزوجين، وكبار السن؟ ببساطة لأنني أستطيع تركهم دون شعور بالندم». وتذهب إلى رجل آخر، لكنها سرعان ما تعود إلى مايكل الذي ملأ غرفتها باللون الأبيض، كأنه يخبرها أنه يعي سرها، ويقول: «الأبيض لون الثقة». كانت الصحافية تبحث عن الثقة، لكن علاقة مايكل معها من جانبه ليست كما وضحت في البداية، هي كشفته مرة عندما قالت له: «أنت كاتب وتحتاج نساء بحياتك لإثراء مخيلتك»، وهذا صحيح، فبعد روايته الأولى التي نالت جائزة كبيرة، وحسب مدير المطبعة التي يتعامل معه، بدأ نجمه يخفت: «روايتك ضعيفة، ليست بسبب كلماتها المنمقة؛ بل لأنها صعبة على المتلقي الحديث، اصنع رواية نستطيع ترويجها»؛ هو التحول إذاً من كاتب إلى تاجر، فاستغل علاقته مع آنّا وكتب قصته معها، لنكتشف في النهاية أنها الشخص الثالث، وأن كل الحب في روايته الجديدة هو عن زوجته، التي تحملت فقدان ابنها بسبب مكالمة بين مايكل وعشيقته لم ينتبه فيها أن ابنه يغرق، وبعد أن قرأت الزوجة الرواية قررت الاقتراب من المسبح الذي شهد وفاة ابنها والسباحة فيه، لتتخلص من كل الخوف كأنها تتنفس الحياة مرة أخرى، فالرواية الجديدة لزوجها هي الشخص الثالث في حياتها.

ومن قصة مايكل وآنّا، نستطيع الخوض في تفاصيل العلاقة التي تجمع جوليا وريك الفنان التشكيلي المرموق الذي تحول هو الآخر إلى تاجر، والذي يحاول إبعاد ابنه عن طليقته جوليا المتهمة بمحاولة قتله، وتؤكد أنها كانت تفعل ذلك لحمايته، هي عاملة نظافة في فندق، كانت تنتظر طوال الوقت جلسة قضائية تجعلها ترى ابنها، ولو مرة في الأسبوع، ولأنها خسرت كل شيء تقريباً أصبحت غير مبالية بالعمل ولا بأي شيء، وفي يوم كتب مايكل رقم هاتف زوجته الجديد على ورقة سرقتها آنّا، ووضعتها في غرفتها، وقبل ذلك وبحكم عمل جوليا عاملة نظافة في الفندق كانت قد كتبت عنوان المكتب القضائي على الورقة نفسها، لكنها نسيتها، ونسيت مكان المكتب ولا تحمل النقود الكافية للاتصال بمحاميتها، فخسرت معركتها الأخيرة، والورقة هي التي تمثل الشخص الثالث في حياة جوليا، الذي أضاعته بسبب عدم تركيزها. في الجانب نفسه، شخصية الفنان التشكيلي في الفيلم وهو زوجها، يتمتع الفنان بصيت كبير ومستوى اقتصادي مميز، ردة فعله مع صغيره حينما حاول إجباره على الرسم مثله، ولم يستمع لعدم تقبل الطفل الفكرة التي تجعله يمرمغ يديه الصغيرتين في الألوان ويرسم، ترى الأب لم يعجبه الأمر، ونسي بالفعل الفنان في داخله الذي تحول إلى تاجر يريد توريث ابنه المهنة رغماً عنه، هنا يلفت الانتباه الحوار بين جوليا وريك عندما قررا الذهاب إلى بيته دون إذن مسبق على أمل رؤية ابنها، بعد أن سألها أن تحكي الحقيقة كاملة عن الحادثة التي كادت أن تقتل ابنهما، ووعدها بأنه سيجعلها تراه: «أنت وبوجودك بيننا لم تكن مهتماً إلا برسوماتك وأعمالك وجني النقود، وابنك حينها كان يلعب بأكياس الهواء، ولتأديبه كنت أريد أن أوصل له خطر هذه الأكياس من خلال خنقه بها لبرهة، لكن الهدف كان تأديبياً». فينتفض ريك من مكانه ويجرها من شعرها خارج المنزل، ويراهما الابن ويلحق بوالدته، ويظل معها في المصعد مع محاولة الأب اللحاق بهما، لكنها تترك الولد ومعه هديتها ووصية بأن يعتني بوالده، وترحل، في الوقت الذي يستوعب فيه ريك أن الشخص الثالث هو الحنو الذي يفتقده ورآه في عيني ابنه وهو يهتم به، ويقرر الاتصال بجوليا دون رد، خصوصاً أنها حصلت على الورقة أخيراً التي دونت فيها العنوان، في غرفة آنّا، ومن شدة غضبها وشعورها بخسارتها كل شيء قامت بتكسير كل آنيات الورد الأبيض التي ملأ مايكل بها غرفة آنّا، وقررت الرحيل وهذا المشهد تحديداً تتداخل فيه الأماكن والأزمنة.

أما القصة الثالثة التي تجمع بين شون ومونيكا فأحداثها تقع في روما، بين تاجر يقوم بسرقة التصاميم العالمية من خلال موظفين تابعين للمصممين، وتقليدها وجني الأموال، علاقته مع هاتفه النقال مرتبطة بسماع رسائل ابنته التي تعبر فيها عن شوقها، لنكتشف بعد ذلك أن ابنته ماتت غرقاً أيضاً، وهو يعقد صفقة جديدة عبر الهاتف، تعلقه بابنته جعله يتعلق بمونيكا التي يلتقيها مصادفة في إحدى الحانات في روما، يعرف من خلالها أن لديها ابنة تنتظر مجيئها من خلال وسطاء، يتورط شون بإرادته معها، لاسيما بعد أن تنسى حقيبتها، وتؤكد أن فيها 5000 يورو، ليدرك شون أن هذا المبلغ مقابل عودة ابنتها، وتصبح القضية كأنها تخصه أو أنه يريد فعل شيء لإنقاذ طفلة، فيدفع لها، وبعد لقاء الوسيط يكتشف أنه وقع مع عصابة تتاجر بالبشر، فيزيدون المبلغ حتى يصل إلى 100 ألف يورو، ويوافق، في النهاية يكتشف أن مونيكا ما هي إلا فرد في العصابة لكنها مجبرة، فيخيرها: «تأخذين المبلغ وتذهبين إلى رئيس العصابة، أو تأتين معي إلى أي مكان أذهب إليه». تأخذ مونيكا المبلغ، لكنها تعود إليه، وتشترط عدم سؤاله أي شيء عن الماضي، فيطلب منها مشاهدة ابنتها فتقول: «هل صدقت أن لدي طفلة» لكن نهاية المشهد الذي يجمعهما في السيارة وهم يرحلون يوحي بوجود طفلة ما في المقعد الخلفي، وهي الشخص الثالث في حياتهما.

ينتهي الفيلم مع مايكل الذي يلاحق آنّا التي اكتشفت أنها مجرد عابرة في حياته ربما لإكمال روايته عن الحب الكبير الذي يكنه لزوجته، وتكتشف أيضاً أن الاتصال بينهما هو السبب في فقدانه ابنه، تهرب، ويلحقها، لكن صورة آنّا تتبدل إلى جوليا ومونيكا، الجميع قرر الهرب أو الرحيل، فيجد مايكل نفسه أمام طفل، لا نعرف إذا كان حقيقياً أو صورة عن ابنه الذي توفي، لينتهي الفيلم بالكلمة التي بدأ بها «شاهدني».

الشخص الثالث هو اللحظة التي قد يفقد فيها كل إنسان عزيزاً، ليس بالضرورة أن يكون شيئاً ملموساً بل معنوي أيضاً، لذلك كلمة «شاهدني» لها علاقة بالوقت الذي يفصل بين قيمة أمامك وتعني لك الكثير وبين فقدانها لأجل المادة، وبالقصص الثلاث تمثلت بالمال والعلاقات العابرة والمصلحة، الشخص الثالث هو اللون الأبيض الذي تحدث عنه مايكل، الذي يعني الثقة، فالقصص الثلاث كانت بأمس الحاجة إلى الثقة.

تويتر