«الجمال العظيم» ضمن «عروض الفيلم الأوروبي»

سينما كاملة.. ومشاهدون يفـــترشون الممرّات

الفيلم أدى دور البطولة فيه: توني سيرفيلو وسابرينا فيريللي. الإمارات اليوم

تعدّ عروض الفيلم الأوروبي، التي انطلقت، أخيراً، في أبوظبي ودبي، فرصة ثمينة لمن لم تتح له مشاهدة أفلام عالمية تعرض غالباً في كبرى المهرجانات السينمائية، إذ إن مجموعة من هذه النوعية من الأفلام حاضرة في دور السينما المحلية، التي تعتمد عادة على الأفلام التجارية التي تتنافس على شباك التذاكر.

اعتمدت العروض التي تنظمها السفارة الإيطالية، وبعثة الاتحاد الأوروبي، في الفترة من 18 وحتى 25 الجاري، على انتقاء أفلام عرضت في المهرجانات السينمائية، وفاز بعضها بجائزة الأوسكار كفيلم افتتاح هذه العروض الإيطالي «الجمال العظيم» للمخرج بولو سورينتينو.

ومعظم مشاهدي «الجمال العظيم» كانوا من الجالية الإيطالية في الدولة، الذين امتلأت بهم قاعة السينما قبيل عرض الفيلم، حتى إن بعض المشاهدين لم يجدوا أمامهم إلا أن يفترشوا الممرات التي تفصل بين المقاعد.

الفيلم الذي أدى دور البطولة فيه كل من توني سيرفيلو، وسابرينا فيريللي، يحكي قصة صحافي كتب رواية عمرها 40 عاماً، ولم يستطع كتابة غيرها، وبسببها استطاع أن يصل إلى مراتب اجتماعية عالية، أهلته أن يكون مشهوراً في كل مكان يتواجد فيه.

يأخذ الفيلم المشاهد، ويجعله يغوص في روما، عبر مشاهد خلابة للطبيعة، وأخرى نفسية لأبطال الحكاية التي يأمل (جيب) أن يلهموه في روايته الجديدة التي قرر كتابتها.

منذ المشهد الأول يدرك المشاهد أنه أمام عالم صاخب بالغناء والرقص، وأشخاص في مكان واحد للاحتفال بعيد ميلاد الكاتب الشهير(جيب)، الذي عندما يظهر تبدأ الحكاية معه، تتابعه نظرات نساء على الرغم من تقدم عمره، وتُختصر شخصيته بمقطع أغنية غناها الأصدقاء له: «روما هي جيب وجيب هو روما»، وينتهي المشهد الأول معه وكأن الزمان والمكان توقفا مع وقفته ونظرته المباشرة للفراغ، هذا الفراغ الذي اكتشف أنه يعيش أسيراً له طوال حياته، وقرر أن يبحث عن الجمال العظيم، هو كأي فنان يحتاج إلى إلهام يثير قريحته، وكل مشهد بعد ذلك تعتقد كمشاهد أن (جيب) وصل فيه إلى الجمال العظيم، لكن وبكلمة أو عبارة تكتشف القبح أكثر.

ما يراه المشاهد في فيلم «الجمال العظيم» سينما ترتقي لأن يتابعها كثيرون، وهذا ما تحافظ عليه السينما الأوربية على عكس نظيرتها الأميركية، ففي فيلم «الجمال العظيم» تتوافر كل عناصر الفن السينمائي الحقيقي: أداء الممثلين وحركة الكادرات والصوت والصورة السينمائية الكاملة.

رشاقة، صفة تطلق على «الجمال العظيم» فأنت تشاهد كمية صور تتنوع بين بشر ولوحات فنية ومنحوتات، ونماذج مجتمعية عدة: برجوازيون وكادحون ومتدينون وغيرهم.

يتابع المشاهد سلطة المال تارة، ومحاولة التخلص منها تارة أخرى، التي تمثلت بمشهدين رئيسين، أولهما طفلة كانت تلعب مع أصدقائها، يأتيها والدها الذي يقيم حفلة صاخبة ويرغمها على الخروج لضيوفه ورسم لوحة، تخرج وهي تصرخ، ترسم لوحتها وهي تصرخ، تخلط الألوان وهي تصرخ، في هذا الحين ينتقل المشهد مع (جيب) الذي يرافق فتاة ليل هذه المرة تقول له: «لكنها تبكي: أين الفن في الموضوع؟»، يجيبها: «لا تقلقي.. الذي تفعله سيكسبها مالاً وفيراً».

أما المشهد الثاني المتعلق بمحاولة التخلص من السلطة فيتمثل بصديق جيب رومانو، الذي قرر أن يعود إلى قريته الصغيرة، في محاولة أخيرة لأن يعود إلى نفسه التي ضاعت في العاصمة روما.

رومانو مخرج مسرحي، كفاحه أن يتحدى كل هذا الصخب والحياة الراقصة بشكل يومي من أجل الثقافة، ويأتي الانهيار الداخلي لديه عندما يقرر أن (تاليا) وهي فنانة تعبيرية، هي النموذج الذي سينجح فكرته، ولكن يفشل في إجراء حوار معها، ويكتشف أنه وصل إلى الهاوية.

التخبط كبير وعميق في الفيلم لكاتب تحركه الأحداث من حوله، يريد اقتناص كل شيء يمر أمامه على أمل وجود «الجمال العظيم» الذي يطمح إليه، وفي مشهد شديد الخصوصية، يظهر (جيب) وهو يسير في مكان أقرب إلى معبد ديني، يسمع صوت امرأة وكأنها تبحث عن طفلتها، وفي ما يشبه حفرة عميقة، يطل منها، فيخرج صوت الطفلة وتقول له: «أنت لا شيء»، يتأثر (جيب) كثيراً، ويظل يفكر فعلاً في أنه لا شي، على الرغم من كل هذا الصخب من حوله. ولأن (جيب) قرر أن يكون صادقاً مع روايته التي ينوي كتابتها، يعرفنا بشكل مباشر على الشخصيات التي تحيط به، ومن ضمنها، الروائية التي تخطت الخمسين من العمر (ستافينا)، هذا النموذج ومع أنه مجحف بحق المرأة، إلا أنه يرصد الزيف الثقافي، إذ يؤكد لها خلال جلسة كانت صريحة جداً: «فضائحك هي التي أسهمت بشهرتك وبيع رواياتك» لتخرج من الجلسة وكأن صفعة نزلت على وجهها.

لا يمكن رصد جميع تفاصيل الفيلم، لكن اختيار النماذج كان ضرورياً، فهو يحاول فعلاً البحث عن الجمال العظيم، حتى لو كان عبر راهبة قديسة تخطى عمرها الـ100 عام، التي يقترب الفيلم من نهايته معها، وهي تحاول صعود السلالم إلى القمة، هنا يكمن التحدي في روح (جيب) الذي اكتشف الجمال العظيم أخيراً، مع مشهد يعود بالذاكرة إلى أيام شبابه، عندما أحب فتاة جميلة، أراد أن يقبلها ورفضت، لكنها وعدته بإظهار شيء حسب تعبيرها لن ينساه أبداً، ولم يطله أيضاً، أرته جسدها من بعيد، هذا كان الجمال العظيم لجيب، مشهد رآه من بعيد، لكنه لم يلمسه ولم يتشبع برائحته.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر