أداء مميّز لأحمد الفيشاوي.. ونضج واضح لأحمد عز في متاهة «العشوائيات»

«ولاد رزق».. وجه آخر للحياة اليــــومية

إستطاع أحمد الفيشاوي بالدورالمميز والمعقد الذي قدمه في فيلم «ولاد رزق» للمخرج طارق العريان، أن يغطي أي شائبة قد تكون موجودة فيه، خصوصاً أن هذا الفيلم يقوم على بطولة جماعية قدمها كلا من أحمد عز و عمرو يوسف، كريم قاسم و احمد داوود وغيرهم، واستطاعوا بالفعل أن يشكلوا فريقا من الصعب أن لا ينال الإعجاب، بالرغم من أنهم مجموعة من اللصوص يعيشون في إحدى عشوائيات القاهرة.

وبما أننا جئنا بموضوع العشوائيات، فلا تتوقع من الفيلم أن يقدم نصا لا يتناسب مع لغة من يعيش في هذه العشوائيات، فالألفاظ قد تكون جريئة وفيها الكثير من الإحراج للبعض إلا أنها جاءت متسقة تماما مع طبيعة حياة سكان تلك العشوائيات التي تشكل في الوقت الجاري هما اساسيا في مرحلة التغيير في مصر.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الفيلم الذي يدور في قالب من «الأكشن» والكوميديا، جاء ليؤكد على طريقة العريان الخاصة في صناعة غالبية أفلامه مثل « الامبراطور، تيتو» لكن الجديد في «ولاد رزق» أنك ستعجب به، بل وتقدره، لوجود ذلك المزيج الذي ينساب بين أداء ممثلين تفاوتت درجة حضورهم مع نص من الممكن أن يكون أفضل وادارة مخرج كانت قادرة على لملمة كل هذا في قالب تكنيكي مسيرته خجولة في صناعة أفلام «الأكشن».

واذا ما قلنا أن البطل الرئيسي في الفيلم وهو أحمد عز الذي يلعب دور الشقيق الأكبر لثلاثة أخوة، جاء ليؤكد على مرحلة نضوج لعز انتقل فيها من اطار الشاب الوسيم الراقي المتعلم إلى اطار أراد أن يعطيه فسحة لتقديم المختلف، الا أن حضور أحمد الفيشاوي هو الذي صنع التوازن المطلوب لكل الحكاية التي تأخذك إلى مشاعر مختلفة وغريبة، حيث أنك لوهلة تريد لهؤلاء اللصوص الصغار أن ينجحوا في كل مهمة ليس لشيئ بل لأن روح تماسك العائلة بينهم كانت اقوى من التفصيلات اللا اخلاقية الأخرى، ولأن هؤلاء اللصوص الصغار يكشفون كمية اللصوص الكبار والفاسدين الموجودين في بلادهم.

نعم.هم مجموعة من اللصوص صدف أن يكونوا أخوة يحملون لقب عنوان الفيلم ،«ولاد رزق»، يعيشون في حارة من العشوائيات، يهابونهم سكان الحارة ويحبونهم في نفس الوقت، تبدأ الحكاية معهم مع وصول دورية للشرطة إلى مقر سكنهم، يحاول جارهم (عاطف) المختل عقليا أن يلهيهم، ويؤكد لهم أنه على معلومات كاملة عنهم، فيصحبه الضابط «حمزاوي» ليعرف كل المعلومات، وهذا الحوار ما بينهم هي عودة بتقنية (الفلاش باك) عن حياة ولاد رزق الأربعة، اليتامى والذي يدر شقيقهم الأكبر رضا ورشة والده، لكنه يرفض استغلال الناس ليتمه وأخوته، فيقرر أن يمشي في طريق السرقة التي تكفي قوت يومهم على الأقل.

محمد ممدوح الذي يؤدي دور الضابط، استطاع بسرعة منذ أدواره في الدراما التي يظهر فيها كل عام خصوصاً في شهر رمضان أن يقول للجمهور أنه بالفعل فنان استثنائي، والمشاهد التي جمعته مع (عاطف) الذي أدى دورها أحمد الفيشاوي، كانت من اقوى المشاهد حضورا وتمثيلا ووقعا، الذكاء في الحبكة كانت في اشراك المتلقي في تفاصيل أكبر عملية يقوم بها الأخوة ضد هذا الضابط الذي يظهر بالنهاية أنه ضابط فاسد، والقصة ليست بطولية، تقدم نفسها بشكل صريح وواضح، فاللصوص مهما كان حجمهم هم بالنهاية لصوص، ولن يشفع لهم وضعهم في درجات، لكن الذكاء كان فعلا بقدرة النص على استجداء عاطفة ولو كانت لحظية تجاه هؤلاء الأخوة، دون الأخذ بالاعتبار ظروف حياتهم بعد يتمهم، هي مسألة القسم والوعد الذي أخذه رضا على أخوتهم وهم صغار « لما حقول نبطل يعني حنبطل»، من الممكن أن وقع هذا الوعد هو الذي أعطى مجالا للتعاطف ولو كان لحظيا.

تمر المشاهد في هذا الفيلم الذي عرض في دور سينما محلية بطريقة تقربك من عقل من يعيش في طبقة اجتماعية لم يفكر كثيرين في زيارتها يوما لارتباطها دائما في مخيلة المتلقي أنها تحوي الجريمة والمخدرات وغيرها، وهذا ما روجته السينما في غالبية الأفلام العربية التي تناولت العشوائيات، على الرغم أن فكرة وجود تلك العشوائيات كانت فكرة نبيلة، عندما قرر الراحل جمال عبدالناصر بناء وحدات سكنية لغير المقتدرين ماديا.

هؤلاء يعيشون من القلة حسب الوصف المتعارف عليه، يعرف سكان الحارة بعضها البعض، العلاقات بين الجيران تكاد تكون مفتوحة بشكل علني، حتى علاقات الحب والعشق، التي جعلت من رضا عندما تجرأ أحد الشباب بالتقدم لخطبة حبيبته، أن يضرب الشاب ويقدم اعلانا للحارة كلها مفاده أن حنان تخصه وممنوع الاقتراب منها، لكن حنان وعدت نفسها أن لا تتزوج به الا اذا ابتعد عن سكة الحرام، وهنا تبدأ الحكاية بالانقلاب تدريجيا.

كل هذه القصص يرويها عاطف للضابط حمزاوي، في حضرة مشاهد كثيرة ومتعاقبة للأخوة، تدخل تارة في طريقة تعاطيهم مع نساء الليل تارة، وتدخلك في طريقة تخطيطهم لسرقة بنك ما تارة ثانية، والأهم أنك تبدأ بالفعل بالشعور أن الوعد في ترك هذه المهمة سيقف حائلا فيها ربيع الذي أدى دوره عمرو يوسف، هم ينتظرون عملية كبيرة جدا، يكتفون وراءها بنقود كثيرة توافر عليهم المهمات «الطيارة» حسب تعبيرهم، لكن تلك العملية التي تنفذ في (كباريه) لديه طابق سفلي لا يدخله سوى الأغنياء، كانت الغلطة التي أوقعت الشاطر، وكادت أن تفقدهم شقيقهم الأصغر رمضان، وهذا الشعور بقروب الفقدان جعل رضا يقرر تبطيل «سكة الحرام» لكن شقيقه ربيع ورجب الذي أدى دوره أحمد داوود والأصغر رمضان الذي أدى دوره كريم قاسم يقفون ضده ويقررون المضي في طريقهم لوحدهم ، ويغادر رضا المنزل ويعيش في منزل جديد وقد اصبحت حنان زوجته وتحمل طفله.

الغريب في هذا الفيلم أن السيناريو الدائر بين الأخوة م جهة وبين باقي الشخصيات مع الأخوة من جهة أخرى ،قد لا يلفت انتباهك وقد لا يعلق بذاكرتك، لأن المشاهد الأدائية فيه وطريقة تعابير الوجه ولغة الجسد كانت اقوى وأعمق، ولكن الأهم أنك لا تتوقع أن تسمع الحكم من لصوص يعيشون بالعشوائيات، وهذا يعتبر ذكاء في النص، واستطاع بالفعل أن يوصل الحدث ككل وليس بطريقة تفصيلية، فعادة قد تعلق بذهنك كمتلقي عبارة ما، لكن الذي حدث في هذا الفيلم أن المشهد نفسه هو الذي تذكره، حتى في حضور الفنان سيد رجب صاحب الخاصية الأدائية التي لا يشبهه فيها أحد، ويؤدي دور تاجر مخدرات اسمه صقر، لم يقدم سوى نظرة تاجر المخدرات نفسها حول مثلا الثورة المصرية عندما قال ان سببها في أن «الناس صحيت لأن المخدرات قلت»، اذا أنت أمام أناس يعيشون بيننا وهم هكذا فعلا ولا تتوقع منهم أن يتحفوك بعبارات رنانة وجمل عميقة، بساطتهم وبساطة مفرداتهم بحد ذاتها كانت جزء من بطولة الفيلم.

يتورط ربيع وأخوته مع تاجر المخدرات صقر، ويقوم صقر بحجز شقيقهم الصغر رمضان كي يعيدوا له ماله، هنا يلجأ ربيع إلى شقيقه رضا التائب، وتكون النهاية فعلا مع عملية العمر، التي تتضح من خلالها معنى كلمة الفساد، فساد البشر، فساد التجار، فساد السلطة وهي الأقبح، ذكاء رضا استطاع أن يوقع كل الفاسدين ببعضهم، ويرقي البعض منهم كما حدث مع الضابط، وينتقم لرمضان الذي فقد اصبعه بسبب رجال صقر، بأن يزجه بالسجن، وأن يضحك على الشرطة بتقديم شقيقه رجب على أنه عاطف كي يتقن فن الحبكة، ومع أنه أقسم مرة أخرة هو واشقائه على التبطيل، الا أن نشوة الانتصار جعلتهم ينسون وضع أياديهم على المصحف، وهذه بحد ذاتها رسالة مبطنة.

الفيلم الذي كتبه صلاح الجهيني قد لا يروق لكثيرين، لكنه بلا شك خطوة خصوصاً اقدم بها العريان ليقول ما لم تقله العديد من الأفلام المصرية في الآونة الأخيرة، هو وضع يده على فئة من الناس أراد تقديمها بحكاية سينمائية جديرة بالذكر، من جهة أخرى دور النساء فيه كان عاديا وغير مؤثرا خصوصاً في دور حنان الذي قدمته نسرين أمين و شخصية رباب التي قدمتها ندى موسى، لكن ادارة المخرج استطاعت أن تخرج المختلف في كل اسم تم ذكره في التتر حتى لو يكن مؤثرا ، مثل الدور البسيط للفنان محمد لطفي مدير الكباريه، استطاع بمشهد واحد أن يترك أثره.

تويتر