يُعرض في الإمارات وتدور أحداثه في أروقة المطبخ

«محترق».. الحب أقل من رشّـــة ملح

صورة

في فيلم «محترق» أسماء لنجوم قدّموا أدواراً استثنائية في شخصيات سابقة عدة، كل نجم من بلد، فبين الأميركي باردلي كوبر، والبريطانية سينا ميلر، والفرنسي عمر سي، والألماني دانيال برول، مع حضور طفيف لكنه مميز للبريطانية إيما طومبسون، حكاية تجمعهم في أروقة المطبخ بين البهارات، الخضراوات، اللحوم، وغيرها، وسكاكين وغاز ومشروبات، تنذر كل تفصيلة في ذلك المطبخ بكارثة قد تحدث، خصوصاً مع شخصية مثل آدم جونز، التي أدى دورها كوبر، وهو الطباخ المتعجرف الذي يعتقد أن لا مثيل له، هو الأميركي الذي استطاع أن يصنع اسماً في فرنسا المعروفة بذائقتها الاستثنائية، لكنك لن تعتقد أبداً أن هذا المطبخ فيه من المؤامرات والدسائس التي من شأنها تدمير كل شيء، وعلى رأسها قبعة الشيف آدمز جونز الذي يسعى للحصول على نجمة ثالثة في تاريخه المهني، بعد إخفاقه الكبير في فرنسا، وإدمانه المخدرات والنساء والكحول وأذى رفاق مهنته وزملائه، وعقوبة امتدت لثلاث سنوات قضاها بتقشير حبات المحار، التي وصل عددها الى مليون حبة، انطلق بعدها الى لندن ليجرب حظه في إعادة هيبته مرة أخرى دون التخلي عن عجرفته التي سيتضح سببها في التفاصيل الكثيرة في الفيلم الذي أخرجه جون ويلز.

الشخصيات الرئيسة التي تلعب دوراً أساسياً في حياة الشيف آدم، هي هيلين، ميشيل، ريس، وجميعهم طهاة، اضافة إلى الطبيبة روهيلد، ومالك الفندق طوني، ولكل اسم في تلك المجموعة حكاية قديمة ومتجددة مع آدم، والغريب أن غالبيتهم يمقتونه لسبب ما.

في هذا الفيلم، المصور بطريقة تكنيكية خلابة، تدخل تفاصيل عالم صناعة الطعام، طوال وقت العرض لن تعرف القصة وراء عقوبة آدم، فلن تكون لديك مشاعر تجاهه، لكنك ستدرك كمشاهد أنه كان شخصية متعجرفة، مدمن على الكحول والنساء، أراد أن يغير حياته فعلياً، ولكنه يبحث عن فرصة ثانية يريد التمسك بها قدر قوته، لذلك يقرر بعد قضاء عقوبته، لملمة الأصدقاء الأعداء القدامى، مستغلاً حب طوني المثلي له وصاحب الفندق المعروف في لندن، ويبحث عن وجوه جديدة لمطبخه، وتكون هيلين الطباخة الماهرة، وبالرغم من المشهد الأول الذي جمع بين آدم وميشيل الطباخ الفرنسي في الفيلم، حيث تستشعر الغضب من ميشيل وهروب آدم منه، وتعرف أن القصة لها علاقة بتخريب سمعة مطعم ميشيل في فرنسا عندما أبلغ آدم الصحة بوجود فئران هو أطلقها، لكن ومع ذلك يستعين به آدم في مطعمه الجديد.

نحن بالفعل أمام شخصية سيئة الأخلاق، ديكتاتورية في التعامل، منطوٍ، متعجرف، لكن ثمة ما يظهر دائماً في هذه الشخصية، خصوصاً بوجوده مع طبيبته النفسية التي لها علاقة بماضٍ قاسٍ كان يعيشه.

السيناريو الذي كتبه ستيفن نايت أراد أن يختصر العالم وما يحدث فيه من جماليات وتشوهات ومؤامرات داخل أروقة مطبخ، يحوي كل الأنواع من الألوان والمواد والبشر، هنا تنتقل كمتفرج لتحاول بالفعل تفصيل كل شخصية في الفيلم، لتجد أنها قد تشبه سياسيين أو اقتصاديين أو بشر عاديين، فالحاكم هنا آدم العصبي والحاد المزاج، الديكتاتور الذي لا يقبل رأياً غير رأيه، المستغل لحاجات زملائه ويقولبها حسب مصلحته، من الصعب جداً أن تحب هذه الشخصية، لكن الأداء المميز والمجهود فيها كان مترجماً بشكل حرفي من قبل برادلي كوبر، وليس من الصعب التكهن باحتمالية ترشحه للأوسكار عن هذا الدور المعقد والمختلف على الأقل سينمائياً عن ما قدمه سابقاً، وليس تلفزيونياً لأنه قدم شخصية الطباخ سابقاً.

يستطيع بالفعل آدم أن يجمع الطهاة على مزاجه، ويستعد لافتتاح مطعمه الذي حمل اسم عودته، لكن زميله السابق ريس استطاع أن يسرب خبراً للصحافة عن تاريخ آدم المملوء بالسواد، لأن ريس لديه مطعمه الخاص، وهو يدرك تماماً أن آدم متفوق عليه، وبسبب هذا الخبر لن يكون الافتتاح على قدر التوقعات، فيجن جنونه ويكسر ويحطم ويقترب الى حافة الانهيار، لكنه يستعيد توازنه ويقرر فتح مطعمه لمدة أسبوع لتقديم الوجبات مجاناً، وبهذا ينجح في أولى خطواته لتحقيق نجمته الثالثة.

إذاً أنت أمام عالم مملوء بالأذى، والحب فيه أقل من رشة الملح والفلفل على أي طبق، تلك الأطباق المزينة بشكل يسحر العين لا تشبه صانعها، هو يقدمها كجمالية وبدعة لا تشبه روحه المملوءة بأذى الغير. الفيلم استطاع أن يوضح معنى الغدر أو الانتقام في مشهد واحد، يجمع بين ميشيل وبين آدم، الذي اعتقد أنه سامحه، لكن الحقيقة أن ميشيل كان ينتظر النقاد الذين سيمنحون آدم نجمته الثالثة، ولهؤلاء النقاد صفات محددة، يجتمع مدير الفندق مع موظفيه لإملائها عليهم، تتلخص بطريقة جلستهم، ووضع شوكة تحت المقعد كي يختبروا نظافة المكان، وغيرها، وبالفعل تتحقق هذه الشروط بأحد زبائن المطعم، ويضرب ميشيل آدم الضربة القاضية، بزيادة الفلفل الحار على طعامهم، وعودة الطعام كما هو.

بعد هذه الحادثة، تدرك أن آدم لن يستعيد قوته، وحسب طبيبته فإن الانتحار بالنسبة لشخصية نرجسية مثله لا تعرف معنى الفشل وارد، لكنه لم ينتحر، بل وجد طريقة أخرى بعيدة كل البعد عن نزقه، وهي ضرورة الاندماج مع الآخرين، فالنجاح والثقة لا يمكن تحقيقهما بالانطواء والتشبث بالرأي، هذا الذي يخلق الأعداء، ومن البديهيات أنه سينجح، ومن البديهيات أن هؤلاء النقاد لم يكونوا نقاداً، وسيحظى آدم بفرصته الحقيقية فعلاً، وهنا كان الضعف في الفيلم أن التوقعات كانت سهلة، والنهاية كانت ضعيفة جداً.

لكن هذا لا يعني أنك لن تعيش حياة كاملة في ذلك المطبخ الكبير، المملوء بالحياة، الاضاءة المتمثلة بشعلات الغاز، واللمبات الكبيرة، الألوان المتمثلة بخضراوات وفواكه ولحوم وأسماك، حركة الصحون، وأصوات الملاعق، سن السكاكين، الأيادي التي تستلم الأطباق، وصوت خبطات الأقدام، تذوق المكونات، شمها، كل تفصيل في ذلك المطبخ هو بحد ذاته حياة لا تستحق من الذين يعيشون فيها أن لا يكونوا على قدرها، يريد هذا المطبخ الكثير، فمصطلح «الطبخة» من المصطلحات الدارجة المتعلقة بالخوف دائماً من فسادها اذا كثر طباخوها، لكن الذي حدث العكس تماماً، فباللحظة التي قرر بها الطباخ الديكتاتور آدم أن يتناول طعامه مع زملائه، هي اللحظة التي استطاع بالفعل أن يستحق فرصته الثانية ليقف على قدميه ويكسب الثقة مرة أخرى، ويقترب من لمس نجمته الثالثة التي لم يعد وقع الحصول عليها كالسابق.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر