منذ الجزائري «وقائع سنوات الجمر» 1975 إلى المصري «اشتباك» 2016

«بيشمركة» في «كان» مــاذا عن السينما العربية

مشهد من فيلم «اشتباك» الذي ينافس على السعفة في مهرجان كان السينمائي. من المصدر

على مدى الأيام الماضية تصدّر خبر مشاركة فيلم «بيشمركة» للمخرج هنري ليفي في عروض مهرجان كان السينمائي، على الرغم من انه لم يكن مدرجاً سابقاً في المهرجان. وفوجئ العديد من صناع السينما من مختلف الجنسيات الموجودين حالياً في الدورة الـ69 من مهرجان كان السينمائي برسالة رسمية من قبل إدارة المهرجان تعلن عن ضم فيلم «بيشمركة» للمخرج هنري ليفي إلى قوائم الأفلام المعروضة في المهرجان، الأمر الذي خلق قاعدة من التساؤلات ليس من قبل العرب فحسب، بل من غالبية المشاركين، بسبب التلاعب في قانون وشروط المهرجان في قبول فيلم بعد اقتراب الدورة من نهايتها. وعاد السينمائيون العرب للتأكيد على قوة «اللوبي الصهيوني» في التدخل، خصوصاً أن مخرج العمل ليفي يعتبر من أشهر داعمي الصهيونية، وأنه متخصص في الوقت الحالي في صناعة أفلام عن منطقة الشرق العربي تحديداً، كما حدث في عام 2012 عندما قدم فيلماً عن ليبيا. ويتحدث فيلمه حسب وصف مهرجان كان له عن مقاتلي البيشمركة الأكراد، الذين جعلوا ليفي يسافر لأجلهم لتصوير حالات الحرب التي يعيشونها بطول الحدود العراقية من الجنوب إلى الشمال.


هذا الخبر الذي أثار استياءً واضحاً بين سينمائيين عرب وأجانب، يجعلنا نعود إلى الوراء، لمحاكاة نوعية الأفلام العربية التي تم عرضها في مهرجانات عالمية ودخلت في مسابقاتها الرسمية، ونالت الجوائز، خصوصاً أن كل فيلم عربي في الغرب يخلق الفضول للمشاهد الغربي في حضوره، وغالبية الأفلام العربية التي عرضت في أهم المهرجانات السينمائية، مثل كان وبرلين وفينيسيا وتورنتو وغيرها، كانت القاعات فيها كاملة الحضور، وبعض النماذج هي، على سبيل المثال لا الحصر، محاولة للاقتراب من دور السينما العربية في تحدٍّ لتدخل اللوبي الصهيوني.

حضور وجوائز

ومما لا شك فيه أن غالبية المخرجين العرب باتوا يدركون أن لغتهم في تقديم حكاياتهم يجب أن تتناسب مع الغرب، فنظرة الغرب الى الأفلام العربية مختلفة، وطريقة ايصال الرسالة لهم تحتاج الى فكرة تداعب مشاعرهم وتحافظ على قيمة الفكرة وتصل بسلاسة، لذلك من الممكن أن نقول إن السينما الفلسطينية وهي المعنية بشكل رئيس بدحض الروايات الصهيونية من خلال الأفلام وعت الى ذلك المفهوم منذ 10 سنوات تقريباً، وخير مثال على ذلك فيلم هاني أبوأسعد «الجنة الآن» الذي وصل إلى المنافسة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2006، بعد جولة كبيرة في المهرجانات العالمية، وحصل على جائزة «جولودن جلوب»، هذا الفيلم فتح الكثير من القضايا المتعلقة بمعاناة صناعة الفيلم الفلسطيني، حيث واجه أبوأسعد وفريقه تدخل ما يسمى بـ«اسرائيل» على ضرورة نسب الفيلم لها، لأن صانع العمل من الفلسطينيين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر، تلك الأراضي التي تسمى بـ«إسرائيل»، وفقاً للقوانين الدولية، لكن اصرار أبوأسعد على موقفه، جعل العديد يفهم طبيعة الفلسطينيين في 48 الذين يريدون ايصال قضيتهم للعالم، وفاز هاني أبوأسعد بتحديه، وتم وسم الفيلم بالفلسطيني.

«الجنة الآن» الذي افتتح الدورة الثانية من مهرجان دبي السينمائي عام 2005، لعب دور البطولة فيه علي سليمان وقصي ناشف، حاول أن يوصل فكرة الاستشهادي، بطريقة لم تمر على بال الغرب، واختاره محباً للحياة، غير متديّن، ولديه حبيبة.

لا شك أن هذا الفيلم خلق تساؤلات في الوسط الغربي عن محاولات الصهاينة ايصاله فكرة محددة ونمطية عن الاستشهاديين، الذين تنوعت ألقابهم مثل الفدائيين والانتحاريين، والتي دائماً تحاول أن تصفهم بالإرهابيين المنتمين لمنظمات اسلامية متطرفة.

هذا المخرج الذي أعاد ألق وصول الفيلم العربي الى الأوسكار، بعد تفاوتات في مشاركة الأفلام العربية، قدم ايضاً فيلم «عمر» الذي نافس ايضاً قبل أعوام قليلة على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، بعد نيله جائزة أفضل فيلم في مهرجان دبي السينمائي، والعديد من الجوائز الأخرى في مهرجانات مختلفة.

وقبل العودة الى المهرجانات والأفلام العربية المنافسة فيها، لابد من التذكير أن فيلمين عربيين نافسا هذا العام على جوائز الأوسكار، الفيلم الأردني «ذيب» الذي نال «جولدن جلوب»، وهو للمخرج ناجي أبونوار، وتحدثنا عنه مفصلا في الأعداد الفائتة، والفيلم الفلسطيني القصير «السلام عليك يا مريم» للمخرج باسل خليل، وكلا الفيلمين تم عرضهما في أهم المهرجانات العالمية والعربية، وحصدا العديد من الجوائز.

منتصف العام

اقتربنا من منتصف العام، الذي شهد فعاليات لأهم المهرجانات العالمية، هما برلين السينمائي، وكان السينمائي الذي سيغلق دورته الـ69 بعد أيام، وللحديث عن كان السينمائي وعن المشاركة العربية فيه خصوصاً في قسم المسابقات الرسمية، لابد من ذكر الفيلم العربي الوحيد الى اللحظة الذي نال السعفة الذهبية، وهو للمخرج الجزائري محمد لخضر حامينا «وقائع سنوات الجمر» الذي قدمه في عام 1975، وقدم صورة ملحمية عن الثورة الجزائرية في شخصية أحمد، والتطورات السياسية التي حدثت معه ومع عائلته في مراحل نشوء الجزائر كبلد، وجميع الويلات التي حدثت فيها. استطاع حامينا أن يقدم نموذجاً لفيلم عربي يحكي الواقع الذي عاشته الجزائر، والظلم التي تعرضت له من قبل الاستعمار الفرنسي بشكل عميق ومدروس ومفاجئ، واستطاع أن يحصل على سعفته التي مازالت تذكر الى اللحظة لأنها لم تتكرر بعد مع أي فيلم عربي يشارك في مهرجان كان، مع العلم أن أول فيلم عربي تم عرضه في مهرجان كان السينمائي هو الفيلم المصري «دنيا» للمخرج محمد كريم عام 1947 أي في دورته الأولى.

وحالياً تم عرض الفيلم المصري «اشتباك» للمخرج محمد دياب، وبطولة نيللي كريم وهاني عادل في المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي، وحسب المتابعين والنقاد فإن حظوظه في نيل الجوائز واردة، بعد لفت انتباه الصحف الغربية له، والكتابة عنه، وموضوعه يتناول الانقسامات في الشارع المصري منذ ثورة 25 يناير.

أما في برلين السينمائي في دورته الفائتة، فقد كان الحضور العربي في جله مع الفيلم التونسي «نحبك هادي» للمخرج محمد بن عطية، الذي نال الدب الفضي لأفضل ممثل، وهو بطل الفيلم مجد مستورة، وجائزة أحسن أول فيلم، للمخرج عطية. الغريب في هذا الفيلم كانت التوقعات وردود الأفعال الغربية والعربية عليه، فالتوقعات العربية كانت عن ضرورة تناول الفيلم أحداث الثورة التونسية، لكن في الحقيقة أن الاسقاط كان حاضراً، لكن من خلال قصة حب التي يجب أن تكون العنوان الأبرز في حكاية الثورة، حسب ما قاله بن عطية لـ«الإمارات اليوم»، واستطاع بن عطية بذكاء مع تجربته السينمائية الأولى في الاخراج، أن يوصل حالة التخبطات التي يعيشها الفرد التونسي إبان الثورة التونسية، استطاع أن يوصل معاناته وأحلامه، وواقعه الذي يقف حائلاً دائماً بينه وبين الوصول الى مبتغاه، من خلال شخصية هادي الشاب الذي ستشعر أنك تريد معرفة المزيد عنه في كل مشهد يقدمه، أما بالنسبة للغرب فقد اثبتت غالبية العناوين التي تناولت الفيلم وكتبت عنه، أنهم بعيدون كل البعد عن حال تطور السينما العربية، خصوصاً التونسية التي لمعت العام الفائت كثيراً، فقد كان العنوان الأبرز هو جرأة العمل، ولم يحاول غالبية كتاب الغرب، أن يبحثو قليلاً عن تاريخ تطور السينما التونسية التي تعتبر عملياً الأجرأ عربياً في تناول التابوه المتعارف عليه.

لذلك كان المشاهد الغربي يعتقد نفسه أمام قصة حب جميلة، لم يكلف المختص الناقد الغربي أن يقول له الحقيقة التي تختبئ وراء كل هذا الحب، وأبرز النقاد كان مايكل رودي الذي كتب مقالته في «رويترز» وعنونها «مشاهد جنسية غير معهودة في فيلم (نحبك هادي)».

وفي حضرة هذا الفيلم ونيله أهم الجوائز في برلين، كانت مجموعة كبيرة من الأفلام العربية تعرض في أقسام عدة في مهرجان برلين السينمائي، كقسم المنتدى الذي شهد عروضاً عربية متنوعة، وأبرزها الفيلم المصري لتامر السعيد «آخر أيام المدينة» الذي حزن العديد على عدم وجوده في المسابقة الرسمية، فيلم أشبه بطقس دعاء لمكان فاض به وانتفض، حيث الحكاية كلها في عام 2009، حكاية من الممكن أنها مرت بذاكرة، قبيل أول هتاف صرخت به حركة كفاية المصرية، وقبيل أن يقرر الشارع أن يقف ويهتف «ارحل»، هي مدينة عاد معها كثيرون من العرب الذين شاهدوا الفيلم في برلين وامتلأت القاعة بهم، عادوا إلى رؤية تفاصيل كانت على ما يبدو تمر مرور الكرام، لكنها دقت ناقوس الغضب حينها.

تحايل

في غالبية المهرجانات الغربية ثمة برنامج متكامل عن آخر الانتاجات السينمائية «الإسرائيلية»، وأخيراً بات مصطلح «مخرج إسرائيلي يساري» رائج بين المجتمعات السينمائية، أي أنه موضوعي في طرحه، ويظهر المعاناة الفلسطينية على وجهها الصحيح، متناسين أنه وبمجرد أن يقبل على نفسه أن يحمل جنسية كيان اغتصب أرضاً ليست له، وشرد أهلها، فلا صدقية لكل ما يقوله، ومع ذلك، استطاع هذا المصطلح أن ينتشر بين الأوساط السينمائية التي دعمتهم ودعمت وجود أفلامهم في القوائم نفسها التي يتم عرض أفلام صهيونية بامتياز، اذا هذا المخرج اليساري «الإسرائيلي» يقبل على نفسه وجود اسمه في قوائم تضم أسماء مخرجين صهاينة يريدون اظهار الفلسطينيين والعرب دائماً على أنهم ارهابيون، لكن هذه الحيلة للأسف انطلت على كثيرين، وعلى عدد من العرب، الذين يبدأون مقالاتهم على أن أفلام هؤلاء المخرجين. هذا المصطلح الذي لم ينصف مخرجة مثل مها الحاج التي تعرض فيلمها «أمور شخصية» في كان السينمائي حالياً، على أن تنسبه الى فلسطين، بسبب التمويل «الإسرائيلي له»، مع أنه حسب وصفها في لقاء أجراه الناقد السينمائي هوفيك حبيشيان «فيلمي فلسطيني من ألفه إلى يائه. وأنا فلسطينية. لكنهم أرغمونا على فصل فلسطين عن إسرائيل لدى ذكر الجهة المنتجة، وذلك منذ نحو السنة ونصف السنة، حين قدّمت المخرجة الفلسطينية سهى عرّاف فيلمها في فينيسيا على أنه فلسطيني - إسرائيلي. قامت الدنيا ولم تقعد، وصدر قانون بمنع هذا التعريف. لديهم شرط: إن أردتَ مساعدة مالية من إسرائيل، فعليكَ أن تضع اسمها فقط على الفيلم، وإلا لا مال. بأيّ حق يجرّدونني من هويتي؟ لا أدري. أذعنتُ لشرطهم، كونه الخيار الوحيد. في النهاية، الفيلم فلسطيني يُخبر قصص فلسطينيين».

السؤال


في ظل كل تلك الأمثلة وغيرها الكثير، السؤال الذي يجب أن يسأله السينمائي العربي لنفسه هل هو حقاً في وادي تحدي اللوبي الصهيوني وتدخلاته في المسابقات والمهرجانات العالمية؟ أم أن القضية الفلسطينية والقضايا العربية التي مازالت متضررة من الكيان الصهيوني أصبحت غير موجودة، خصوصاً في ظل النكبات المتتالية في مناطق وأقطار عربية منذ ثورة الربيع العربي؟

الحقيقة أن اللوبي الصهيوني مازال حاضراً وبقوة، وهو يستعين بأمثال المخرجين الإسرائيليين اليساريين لإثبات أنه منتمٍ لدولة ديمقراطية متعددة الآراء، وهذا من وجهة نظرهم يدعم صورتهم لدى الغرب، وهم الفئة التي تهتم ما تسمى بـ«اسرائيل» على جذب انتباههم، وحصل هذا ايضاً مع فيلم «مفرق 48» الذي عرض في برلين ونال جائزة الجمهور، مع أن القصة فلسطينية وتحدث في ظل الموسيقى والحب وفي حضرة المقاومة والحواجز، الا أن مخرج العمل من المخرجين الذين يطلق عليهم مصطلح «يساري اسرائيلي»، ولن يتم ذكر اسماء هؤلاء الذين باتوا يشكلون خطراً على شكل السينما أكثر من الصهاينة أنفسهم. والخلاصة تكمن بفيلم «مفرق 48» الذي حصل على جائزة الجمهور في مهرجان برلين، وهذه الجائزة أهم بالنسبة له من الجائزتين الكبيرتين التي حصل عليها الفيلم التونسي «نحبك هادي» في الدورة نفسها، لأنه يريد نشر أفكاره من خلال الناس وليس فقط من خلال مجسم جائزة، وهذا المبتغى الذي لم يصل إليه سينمائيون عرب إلى اللحظة.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر