حينما بدأ بلال البدور رحلته البحثية من أجل استقصاء شعراء الإمارات في موسوعة، لم يكن يعلم أن أول نتاجات هذه الرحلة سيحتاج إلى 30 عاماً كي يرى النور، سيكون حينها قد انتقل من السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية إلى الجهد الإداري في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، التي تقاعد من العمل بها، أخيراً، من منصب وكيل الوزارة، ما أتاح له فرصة استكمال مشروعه البحثي.
شعراء مجهولون قال رئيس جمعية حماية اللغة العربية رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بالإنابة، بلال البدور، إنه اكتشف خلال عمله البحثي أن هناك الكثير من الشعراء الإماراتيين المجيدين، الذين يقعون في إطار دائرة «الشعراء المجهولين»، مضيفاً «المقولة المثيرة التي تختزل هذا الواقع أننا نعرف الشعراء الآخرين أكثر مما نعرف شعراء وطننا». وتابع «المؤدى الذي تخلص إليه الجهود الاستقصائية المتعلقة بالشعر أن في الإمارات شعراء استثنائيين، سواء في جيل الرواد أو المحدثين أو المعاصرين، ولكن عدم اعتماد أي من مناهج التوثيق العلمي ضيع جهود العشرات منهم». ورغم المقدمة المهمة التي افتتح بها البدور، وما حوته من رؤية وحس أقرب للنقد منه إلى التوثيق، إلا أن البدور أكد على انه لم يقصد أن يتخلل العمل أي نزعة نقدية، بقدر ما هو استقصاء «في حدود الممكن» ومحاولة للتوثيق رأى أن المكتبة الإماراتية بحاجة ماسة إليها. إشكالية الترتيب الزمني اللجوء إلى الترتيب الأبجدي في عمل يرتبط بموسوعة تستقصي شعراء من أجيال متعددة، كان محاولة من الباحث للقفز على إشكالية غياب المعلومات الدقيقة حول تواريخ رحيل بعض الشعراء، حيث يشير البدور إلى أن هناك تناقضاً كبيراً في المعلومات بهذا الصدد، فضلاً عن تداخل المراحل التي ينتمي إليها بعض الشعراء، وأشار البدور إلى أنه واجه إشكاليات عديدة تمثلت في عدم وعي البعض بأهمية إيراد معلومات صحيحة وموثقة في الموسوعة، مضيفاً «العديد من الشعراء الراحلين لم تكن هناك معلومات دقيقة عنهم، حتى لدى أفراد أسرهم»، في الوقت الذي لم تكن فيه جهات أخرى متعاونة بالقدر الكافي لاستيفاء المعلومات التي أبحث عنها، رغم توفرها لديها. وأشار البدور إلى أنه يرحب بجميع الاستدراكات التي يمكن أن يتقدم بها المهتمون من أجل تلافي من سقط حضورهم في الموسوعة إما سهواً أو لصعوبة وجود معلومات موثقة عن أصحابها، مؤكداً أن هذا الاستدراك يضيف إلى «الموسوعة» ولا ينتقص من قيمتها البحثية». |
ورغم الجهد الميداني، إلا أن البدور حافظ طوال تلك السنوات على العمل بهدوء، ليعلن عن توقيع الجزء الأول من الموسوعة، مساء أول من أمس، في بيت الشعر في منطقة الشندغة التراثية بدبي، محتوياً تراجم لـ101 شاعر إماراتي من أجيال مختلفة، تتضمن بيلوغرافيا مختصرة لكل شاعر تشمل سيرته الذاتية ونماذج من أشعاره، وسط احتفاء ملحوظ من المهتمين بالساحة الأدبية والثقافية في الدولة، الذين حرصوا على حضور حفل التوقيع، يتقدمهم رئيس المجلس الوطني، محمد المر.
واعتمد الباحث، الذي يرأس جمعية حماية اللغة العربية، وندوة الثقافة والعلوم بالإنابة، الترتيب الأبجدي في موسوعته التي كشف لـ«الإمارات اليوم» أنه ينوي أن يصدرها في أربعة أجزاء مختلفة، حيث اقتصر الجزء الأول على الشعراء الإماراتيين الذين أبدعوا في نطاق الشعر العمودي، فيما سيخصص الجزء الثاني لشعر التفعيلة، والثالث للشعر الحر، ليقتصر الجزء الرابع على الشاعرات الإماراتيات في شتى دروب الشعر، ولم يستبعد البدور أن يتم دمج الجزأين الثاني والثالث معاً ليكون الاقتصار على ثلاثة أجزاء فقط، من أجل تمام الاستقصاء، قبل أن يتأكد أن المبالغة في الحرص على نموذجية العمل الموسوعي قد تعيق بالأساس وصوله إلى أيدي الناس، مضيفاً أن «المكتبة الإماراتية في حاجة ماسة إلى جهد توثيقي، وهذا هو الدافع الأول لإقدامي على هذا المشروع الذي ظل يقف دون خروجه للنور لسنوات طويلة ضيق الوقت، وعدم وجود معلومات كافية عن شعراء عديدين».
وتابع «هناك الكثير من الأسماء التي لم يستوعبها الجزء الأول، بعضها أحصيه تماماً وأنتوي استكمال الجانب البحثي المتعلق به، والبعض الآخر من المؤكد أنه سيأتي في صورة استدراكات القراء والنقاد والمهتمين بمسيرة الحركة الشعرية في الإمارات».
وأكد البدور أن هذا الجزء من الموسوعة هو محاولة لاستقصاء «جهود الشعراء من أبناء الإمارات الذين قرضوا الشعر الفصيح سواء الذين صدرت لهم دواوين شعرية خاصة، أو صدر شعرهم ضمن مجموعات شعرية، أو أولئك الذين لم ينشروا إلا في صحيفة أو مجلة ثقافية، إضافة إلى بعض من لم يقدر لشعرهم أن يُدون».
وأضاف البدور «إنني لا أزعم استقصاء جميع من قال الشعر، فحتماً ثمة محاولات وتجارب وجهود لم أطلع عليها ويمكن تداركها في طبعات قادمة»، كما أكد البدور أن الموسوعة تعد محاولة لإثراء المكتبة الإماراتية بتوثيق جهود أبنائها، وإذا لم يصل الكتاب مرحلة الإثراء فإنه قد يكون ببلوغرافيا تضاف إلى جهود من خدموا الحركة الأدبية في الإمارات من أبنائها والمقيمين على أرضها».
واستبق البدور توقيع الإصدار باستعراض مراحل العمل على الموسوعة من الفكرة إلى الإصدار كعمل توثيقي يرتب أبجدياً الشعراء من مختلف المراحل والمدارس الشعرية، ممن تركوا بصماتهم في أعمال توثق لمشهد ثقافي وحركة شعرية إماراتية متميزة.
وأعرب العضو المنتدب لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، جمال بن حويرب ، عن سعادته باستضافة بيت الشعر لهذا الحدث، مضيفاً «أسعد بتبني مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم لجهد أدبي رفيع المستوى بحجم هذه الموسوعة التي تأتي بمثابة جوهرة جديدة تضاف إلى تاج الإبداع الشعري الإماراتي، متوجة تاريخاً عظيماً تتزين به مكتباتنا الوطنية، ويشكل إضافة نوعية لها ولجميع الباحثين في روعة أدبيات الشعر الإماراتي»، وأكد بن حويرب أن «هذه الموسوعة ما كانت لترى النور لولا الجهود العظيمة لبلال البدور الذي ننظر إليه دائماً كشعلة متقدة في سماء الثقافة الإماراتية»، مشيراً إلى أن «الاعتراف بفضل مئات الشعراء من بلادنا واجب وطني على كل من ينتمي إلى الحركة الثقافية الإماراتية»، ورأى بن حويرب أن «هذه الموسوعة جاءت في الوقت المناسب لتوثق تاريخاً وعراقة إماراتية كادت تدخل غياهب النسيان، فالشعر جزء لا يتجزأ من منظومة أي حضارة».
وتضمنت مقدمة الموسوعة مصادر التاريخ الأدبي التي تعرضت للحركة الشعرية في الإمارات والنقد الذي يوجه لتلك المصادر، والمدارس الشعرية التي تنتمي إليها (المحافظة ـ المتطورة ـ المتجددة)، وقد جاءت الموسوعة بنماذج لهذه المدارس، كما تعرضت المقدمة لرموز الشعر النبطي والفصيح، التي أثرت الحياة الثقافية في الإمارات بإبداعاتها، والأسباب التي حالت دون توثيق الحركة الشعرية الإماراتية توثيقاً دقيقاً.
حماسة مفتقدة
قال بلال البدور إن أحد أهم المعوقات التي اعترضت انجاز الموسوعة هو عدم تعاون الكثير من الجهات مع شأن البحث الثقافي، وعدم حماستها مع منجزه، وأضاف: «لم أجد الحماسة المطلوبة من بعض الجهات، وبعض الأسر لم تحفظ الميراث الشعري لأبنائها».