أعمال لرواد الفن العربي في «غرين آرت» دبي حتى 26 أكتوبر المقبل
«حكايات» الكـائن البشري على ورق
تحت عنوان «حكايات» يقدّم «غرين آرت غاليري»، أكثر من 50 عملاً على الورق، لمجموعة من الفنانين الذين عرفوا بتقديمهم الفن الحديث في العالم العربي. ومن بين الأسماء الموجودة في المعرض، الذي افتتح أخيراً، خزيمة علواني، محمود حماد، فاتح المدرّس، أدهم إسماعيل، جميل ملاعب، عارف الريس، خلدون شيشكلي، سيف ونلي، إلياس زيات.
يقدم المعرض لمحة عامة عن الرسم حين يتخذ مهمة نقل الحياة والواقع السياسي والاجتماعي. تقولب الأعمال الموجودة في المعرض الأوضاع، فتظهرها من خلال الإنسان، الذي كان العنصر الطاغي على الأعمال، بين الأساطير والواقع، فتصوره بهمومه وفرحه، وكذلك في بساطة حياته اليومية.
يقدم التشكيلي الراحل فاتح المدرّس، تجربة تقوم على الميثولوجيا، فهو احد أبرز الفنانين السوريين في القرن الـ20، وأوائل مؤسسي التجريد في العالم العربي. تبرز الأعمال الموجودة علاقة «المدرّس» بالوجوه التي كانت تنتج لديه على اللوحة، وفق أشكال وهيئات تبرز الكائن البشري الذي يريده ان يظهره وفق لغة لونية خاصة. يسعى الى تقديم لغة تعبيرية مدموجة مع الميثولوجيا، فيجمع أيضاً ما بين القيم والدين والقصص الشعبية، وكذلك القضايا السياسية، هذا الدمج بين مختلف المجالات، يجعل لوحة المدرّس غنية في التعبير والإفصاح الذي يريده الفنان عالي الرمزية. كما ان هذا الاهتمام بالكائن البشري يجعل المدرّس واقفاً دائماً بالقرب من الإنسان، فهو لا يتركه وحيداً. وتحمل لوحات المدرّس الكثير من الحزن والألم الذي يتبدى على الوجوه التي يحملها المعرض، الى جانب حالات غريبة تبدو فيها ملامح الفلاحين التي لا تغيب عن لوحاته، وكذلك اثر الرمال الذي يتجلى مع دفء الألوان الترابية التي يستخدمها.
في السياق الميثولوجي ذاته، بينت اعمال الفنان إلياس الزيات الكائنات البشرية والوجوه الغريبة التي قدمها. بدت الأخيرة في احد الرسومات كأنها معذبة، فهي كانت تارة تتجه للمنهج التجريدي وطوراً تكون شديدة التعبيرية. أبرز الزيات من خلال اللوحات منهجه الذي يقوم على التكرار، بينما بدا مأخوذاً بالأساطير التي حملتها الرسومات، فكانت تبدو كأنها رصد لتعذيب القديسين. أبرز ما تحمله لوحة الزيات هي انها تمنح الأساطير الدينية جانباً اساسياً في اللوحات، فتبدو محملة بالألم المخيف، في اطار يميل الى الكلاسيكية التي طورها الزيات بأسلوبه.
في المقابل، بدت أعمال اللبناني جميل ملاعب، مأخوذة بنقل الحياة من جانب آخر، فالفنان حرص على نقل الطبيعة والبساطة، فيظهر في أعمال المقدمة من «غواش» على الكرتون حياة القرية، فتظهر النساء بأزياء قروية، ويحملن جرار الماء على اكتافهن وبأيديهن، بينما لا تخلو اللوحات من العناصر القروية كالمواشي التي تعتمد في القرى للتنقل أو الحصاد. هذه العناصر التي يدمجها ملاعب مع البشر، تجعل لوحته صادقة في انتمائها الى حياة القرية، لكنها لا تخلو من الاكتظاظ الذي سعى ملاعب الى تقديمه عبر التقاسيم التي تبرز التراكم والعلو العمراني، فنلامس في أعماله حنيناً والتصاقاً شديدين للطبيعة.
هذا الانتماء الى الطبيعة والشغف بحياة البساطة نجده أيضاً في بعض رسومات محمود حامد، ومنها «الفلاحون»، التي يبين من خلالها مشهداً بسيطاً لحياة البدو وعلاقة المرأة بالرجل. أعمال حامد لم تقتصر على تصوير الطبيعة أو الناس، فقد اعتنى الفنان بالعديد من القضايا الاجتماعية والسياسية، حيث تنقلنا الرسومات في المعرض إلى محطات عديدة في حياته الفنية. قدم حامد قضايا الشعب ومنها الجوع، والعطش، وكذلك القضايا السياسية التي ظهرت في رسوماته عن مصر وسورية وفلسطين. أما الجانب الأبرز في اعمال حامد في المعرض فهو الأمومة والعائلة، فقد صوّر المرأة في مختلف حالاتها، وبدا مسلوباً في أنوثتها والحنان الذي يتبدى من أمومتها، بدأ بتصويرها مع الرجل في لوحة «آدم وحواء»، ووصولاً الى وجودها في العائلة، ثم أبرز لحظات الأمومة المتمثلة في عملية الإرضاع، التي تعتبر اكثر لحظات الأمومة حناناً.
أما الفنانان خزيمة علوان وعارف الريس، فكانت أعمالهما تتشارك الهموم السياسية، فقد حرص كل منهما على إبراز الجانب السياسي في اللوحة، فكانت اعمال علوان تتحدث عن المجزرة التي حدثت في حماة عام 1981، بينما توجه الفنان عارف الريس الى ابراز جانب آخر من السياسة يتمثل في الأزمة التي نجمت عن الحرب مع اسرائيل عام 1973. هذه الأعمال تبحث عن ثورة الناس، وتبرز حاجتهم لقول ما يريدون، فقد أبرز الريس الشعب والحكام، متعمداً تضخيم احجام الحكام، وتضخيم صرخة عامة الشعب المقابلة.
أما الفنان المصري سيف ونلي، فكانت الرسومات الموجودة في المعرض، تبرز أسلوبه في رسم العالم المحيط من خلال الإيقاع الحركي في العمل الفني، فهو يبرز الأنثى من فئة خاصة بالمجتمع، اذ تبدو المرأة بجسدها كأنها ترقص على ايقاع موسيقي هادئ تارة، وصاخب تارة اخرى، بينما يصور ملامح الشخوص وأزياءها كما لو انها تنتمي الى العصور الوسطى.
يحمل المعرض الذي يستمر حتى 26 أكتوبر المقبل، اعمال أدهم إسماعيل، الذي برز تصويره المرأة التي يسعى الى إبراز أنوثتها من خلال التفاصيل الجسدية، وكذلك من خلال ملامح الوجه البارزة، في حين نجد الفنان خلدون شيشكلي، مهتماً بإبراز المهن وحياة الناس، فيصورهم في عملهم، بمحالهم وأزيائهم، وكيفية قيامهم بهذا الروتين اليومي، وكذلك يبرز رؤية كل منهم حول مهنته والعمل الذي يقوم به.
فنانون رحلوا
تعود الأعمال الموجودة في المعرض إلى فنانين رحلوا باستثناء الفنانين خزيمة علوان وإلياس الزيات وجميل ملاعب. وتنتمي الأعمال الى ثلاثة بلدان، هي لبنان ومصر وسورية. من بين الفنانين اللبنانيين في المعرض، عارف الريس (1928 ــ 2005)، جميل ملاعب (1948)، ومن سورية، فاتح المدرّس (1922 ــ 1999)، إلياس الزيات (1935)، وخزيمة العلواني (1943)، محمود حماد (1923 ــ 1988)، أدهم إسماعيل (1922). أما من مصر فكان الرسام سيف ونلي (1906 ــ 1979).
رسم على الورق
يعد الرسم على الورق من المقتنيات التي يتم التعامل معها على قدر من الأهمية لا يقل عن أهمية اللوحات الفنية. وتقدم الرسومات على الورق للفنانين الذين حققوا مسيرات متميزة، فتصبح قيمتها عالية، خصوصا ان بعض هذه الرسومات يكون صورة عن مشروع لوحة، او منها ما يكون عملاً فنياً مستقلاً. وتعتبر الرسومات على الورق من الرسومات المنخفضة الكلفة، نظراً للمواد والوسائط البسيطة التي تحتاجها، فهي لا تتطلب أكثر من الورق والألوان التي تتنوع بين الباستيل أو الغواش أو الحبر. ويتميز الرسم على الورق بكونه يختصر من خلاله المفهوم بالنظر الى العناصر البصرية ومنها الضوء والظل والملمس. وكانت رسوم السن الفضية من أشهر أنواع الرسم المستخدمة في العصور الوسطى، وقد استعاض عنها فنانو عصر النهضة بقلم الرصاص، الذي ظهر في القرن الـ16 على الرق. واستخدم في بداية القرن الـ17 رسامون هولنديون الرصاص كأساس لرسوماتهم المائية. وتتشابه الرسومات بوساطة الرصاص بتلك التي تقدم بوساطة الفحم المشابه للرصاص.
الإنسان
يعتبر الإنسان العنصر الجامع في الأعمال الفنية الموجودة في المعرض، والتي لم يعرض بعضها سابقاً امام الجمهور. وعلى الرغم من اختلاف الأنماط الفنية الموجودة في المعرض إلا انه يشكل عودة الى زمن من أسسوا الحركة الحديثة في الفن في الشرق الأوسط. وتعتبر التجارب الفنية الموجودة من التجارب التي أسست التجريد، وكذلك أوجدت في التعبيرية نمطاً جديداً ومغايراً في التشكيل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news