يرى أن الحياة عبارة عن مجموعة صور قديمة في صندوق الذاكرة

«نوبل للآداب» لصائد المصائر الفرنسي موديانو

صورة

أعلنت الأكاديمية السويدية أمس، فوز الكاتب الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل في الآداب.

وأضافت الأكاديمية أنها منحت موديانو الجائزة «لفن الذاكرة الذي استحضر من خلاله مصائر إنسانية هي الأصعب فهماً».

رابعة الجوائز

جائزة نوبل في الآداب هي رابعة جوائز نوبل التي يتم منحها كل عام وتشمل جوائز عن الإنجازات في مجالات العلوم والآداب والسلام. وقد منحت أول مرة عام 1901 وفقاً لوصية مخترع الديناميت ألفريد نوبل.

 في سطور

باتريك موديانو أهم كاتب فرنسي منذ بداية التسعينات حتى الآن. وُلد عام 1945 ونشر روايته الأولى «ميدان النجم» وهو في الـ 23 من العمر. حصلت رواياته على أهم الجوائز الأدبية في فرنسا وخارجها. نشر موديانو في خلال السنوات الـ40 الماضية قرابة 20 رواية منها «دائرة الليل» 1969، «شوارع الحزام» 1972 التي حصلت على الجائزة الأدبية الفرنسية. ثم «المنزل الحزين» 1975 التي حصلت على جائزة المكتبات. و«كتيب العائلة» 1977، «شارع الحواديت المعتمة» 1978، «شباب» 1981، «أيام الأحد» في أغسطس 1984، «مستودع الذكريات» 1986، «دولاب الطفولة» 1989، «سيرك يمر» 1992، «محلب الربيع» 1993، «بعيداً عن النسيان» 1994، «دورا بروريه» 1997، «مجهولون» 1999، «الجوهرة الصغيرة» 1999، «حادث مرير» 2003، «مسألة نسب» 2005، «في مقهى الشباب» 2007.

اهتم في رواياته بالأشخاص الذين يبحثون عن جذورهم الضائعة. ويرى أن الحياة عبارة عن مجموعة من الصور القديمة في صندوق الذاكرة.

وتبلغ قيمة جائزة نوبل ثمانية ملايين كرونة سويدية (1.1 مليون دولار).

وعلى مدى السنوات الماضية كان صدور رواية جديدة لموديانو دائماً حدثاً أدبياً، خصوصاً بعد أن تكرس اسمه لدى فوزه، المرة الأولى بجائزة الأكاديمية الفرنسية في عام 1972 ثم جائزة الغونكور في عام 1978.

ويعتبر فوز موديانو تكريماً لمسيرة ابداعية حافلة بدأت فعلياً في عام 1967، ومنذئذ وهي متواصلة بدأب الروائي المحترف، الذي انتبه النقاد والقراء بالتوالي إلى أن كتابة الرواية لديه مشروع وجودي، متوازٍ مع رؤية مجتمعية، في قلب تحولات المدن المعاصرة، وحيث الكائن يبحث عن فرديته، واستطاع أن يجعل الكتابة وسيلة للبحث عن هوية ضائعة، ولاستردادها ما أمكن، وهي كذلك بالنسبة إليه، خلافاً لمن يولدون بواقع مرتب، وانتماءات عائلية ووجودية محسومة.

تحولت الرواية لدى موديانو إلى شكل لرسم وتدوين للحالة المدنية، ومن نافلة القول، ان هذا الروائي الحفّار والصموت، فهو أبعد الكتاب الفرنسيين عن الثرثرة وضجيج الإعلام، سيسلك الخط الذي أصبح معلوماً للروايـــة الفرنســـية منذ العقـــد السبعينـــي الماضي، خط السيرة الذاتية وتنويعاتها، ولكن ليقدم فيه نموذجه الخصوصي، المطبوع بموضوعية تبعيدية، وحيـــاديــــة صارمـــة، تنــفر من كل نزعـــة تحرريــــة، مع التمســـك بالمنظـــور الواقعــــي للروايــــــــة، وجعـــل الشـيء يشـــخصها والإنـــســـــان في مركــــزها.

في روايته الأخيرة «الأفق»، التي حققت انتشاراً كبيراً يعلب موديانو في المساحة الملتبسة التي تحركت فيها الرواية الحديثة، وأرست فيها أعمدة تغييرها، أولها إلغاء أي يقين، أي أن جعل الريبة مبدأ محركا، وهو مستنبت من اختلال علاقة الإنسان بالوجود، والتحول الذي عرفته القيم في الزمن العصري، بتأثير عوامل موضوعية أكبر منه، يلي ذلك الخوف، والقلق، وغلبة المحتمل، والتشوش الذهني، مع قلق وجودي مستمر يضرب في الصميم معتقدات الإنسان، التي أنهكتها الحرب، والعصف الرأسمالي الاستهلاكي.

يرصد موديانو في أعماله أفراداً معزولين ينظرون إلى العالم من بوصلة سيكولوجيات مركبة، ما يعطي للمنظور رؤية مزدوجة، ما هو عليه، وطبيعة انعكاسه، ولذلك لا توجد بعد أي حقيقة، ويصبح السارد شخصاً يظهر وهو يسرد كمن يقوم بتحقيق بوليسي في رواية بوليسية، للوصول إلى حقيقة مفترضة لا حتمية، وعلى القارئ أن يشترك معه في هذا التحري، بأدوات البصر والحدس والتأويل.

يرسم موديانو في الكتابة كل شيء بدقة متناهية، وبطريقة خطاطية باردة، مشحونة بالتفاصيل الوصفية.

إنه بهذا المعنى روائي واقعي حتى العظم، لكن بالمعنى الذي آلت إليه في زمن ما بعد الحداثة الغربي، الذي أصبح فيه الإنسان آخر، ولا يوجد جنس أدبي أقدر من الرواية على رسم خريطة تفككه والتباسه، والتعبير في الوقت نفسه عن حاجته إلى مخرج، أفق ما. وهو كذلك روائي أصيل نظراً لامتصاص نصوصه التقاليد العريقة للسرد التخييلي التي أقامت بناء الرواية الغربية الشامخ، وبانتسابه الشرعي إليها، والتميز داخلها بشخصية الكاتب الذي يعرف أن كل نص ينبني على تراكم ويمضي مؤسسا قُدُما، لكن دائماً بخطى المحترز، والمندهش

مما يرى، وما يكتب، أيضاً، لذاك يكتب باقتضاب، وحين ينتهي مؤقتاً يبدأ عوداً على بدء باكتشاف باريس، معقل الرواية، وتقليب تضاريسها.

 

 

 

 

تويتر