جدات يحرسن التراث من النسيان
رغم اندثار العديد من الحرف والصناعات اليدوية التي كانت شائعة في المجتمع القديم، إلا أن العديد من الحرفيين لايزالون يمارسونها لإحيائها والحفاظ عليها كتراث غني، وأيضاً لارتباطها بحياتهم، إذ تعلم معظهم ممارستها من أهاليهم مباشرة، وورثوا منهم خبرات لا يقدر قيمتها إلا من عايش ذلك الزمان.
وفي المهرجان الوطني الأول للحرف والصناعات التقليدية، المقام حالياً حول سوق القطارة التراثي في مدينة العين، تعرض العديد من الحرفيات مهاراتهن في صنع منتجات متنوعة أمام الجمهور، وتنظم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة المهرجان بهدف تسليط الضوء على أهمية الحرف والصناعات التقليديّة في التراث الإماراتي، وتعزيز الجهود التي يقوم بها ممارسو هذه الحرف من أجل صونها وإحيائها وتعليمها للأجيال المقبلة، حيث يشارك في المهرجان أكثر من 100 حرفي إماراتي وصانع تقليدي من جميع إمارات الدولة، ويقدمون طيفاً متعدداً من الأدوات والمنتجات التقليدية المعصرنة، في سوق شعبي تم إنشاؤه على الطريقة التقليدية.
تعمل معظم الحرفيات تحت مظلة الهيئة التي استقطبت العديد من محترفي الصناعات التقليدية، في خطوة لحفظ خبرات هذه المهن ونقل مهاراتها إلى الأجيال المقبلة، واللافت أن معظم ممارسات هذه الحرف توارثن خبراتهن عن الأمهات مباشرة، وإن كان بعضهن في متوسط العمر.
وتقول (أم خالد)، وهي من الحرفيات في السعفيات، إنها تعلمت صنع العديد من الأشياء من سعف النخيل من أهلها، إذ تفننوا في صنع أدوات عملية تعين على الحياة من مكونات النخلة بطرق بسيطة، وتشرح خطوات تجفيف وتقطيع السعف وتلوينه ومن ثم سفه أو غزله في أشرطة طويلة، ثم يتم تشكيل المفارش والبسط والسلال والمهفات وغيرها من أدوات، وتقول «كل هذه الأدوات تم هجرها بعد تحسن أحوال الناس، إلا أنهم رجعوا إليها الآن لأغراض الزينة أو الذكرى».
أما صانعة التلي (شريط الزينة المزركش)، مريم علي الشامسي، فهي الأخرى تتذكر أهلها الذين مارسوا التلي بشكل اعتيادي في حياتهم اليومية، وتقول «كانوا يستخدمون الشريط البراق لتزيين ثياب النساء وسراويلهن، وكانت كل قبيلة تختص بصناعة معينة، فهناك من يصنع الثياب، وآخرون يصنعون البراقع، وغيرهم الألبان وهكذا، وأتذكر اخوتي الذين كانوا يجلدون الحبال بأيديهم، ومازالوا يمارسون ذلك كهواية أحياناً الآن».
تحيك مريم التلي الآن لتزين به علب الهدايا وعلاقات المفاتيح والتذكارات ولتزيين الستائر وغيرها من الأدوات العصرية، ولايزال البعض يطلبه ليزين به ثيابه. وبالنسبة لأم سالم التي تحيك (السدو)، فهي تروي قصة حياة كاملة لامرأة صابرة، فحياكة السدو من خيوط الصوف تستغرق وقتاً طويلاً وجهداً لضغط الخيوط، ومهارة خاصة لإتقان الزخارف، وتقول أم سالم «تعلمت من أمي وجداتي صناعة السدو، كانت كل النساء تصنعه حولنا، ومن ثم يصنعون منه الأغطية وبيوت الشعر.. السدو تاريخ الأمهات والجدات». ومواكبة للحداثة تصنع أم سالم الحقائب والأبسطة الصغيرة وأغطية الأجهزة المحمولة من السدو، وتضيف «لست بحاجة إلى المال، لكنني أحب ما أصنع، أحب تراثي». ويستمر المهرجان حتى يوم مساء اليوم، ويفتح أبوابه يومياً على فترتين من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، ومن الرابعة عصراً إلى العاشرة مساءً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news