«ذلك الشيء الصغير» هدية «دبي الثقافية»

سيميك.. أمير الشعراء

نجا من «الحرب الكونية الثانية»، ومن قذائف هتلر وستالين العشوائية على بلاده، وهرب مع عائلته من بلغراد وأوروبا الشرقية كلها، غيّر لسانه وجلده، لكن لم يستطع محو صور عربات التوابيت وكآبة الأنقاض من ذاكرته الأولى، وقصائده الأخيرة.. إنه الشاعر تشارلز سيميك.

من جديد، تحتفي العربية بـ«أمير شعراء أميركا»، وبصوته المميز، عبر هدية مجلة دبي الثقافية، التي اختارت مع عددها لهذا الشهر مجموعة من قصائد تشارلز سيميك: «ذلك الشيء الصغير وسيد التبديات»، التي ترجمها مبدع صاحب عِشرة طويلة مع الشاعر الأميركي، وهو السوري أحمد م. أحمد، الذي نقل لسيميك من قبل «قصائد مختارة»، و«العالم لا ينتهي».

بين هروب تشارلز سيميك من الموت في بلغراد وأنقاضها، ووصوله إلى إمارة الشعر بأميركا، محطات عدة، تبدو سوريالية إلى حد بعيد، فالصبي الذي كان «هتلر وستالين وكيلي سفره» كما قال، حطّ مع والدته في البداية في باريس، أملاً في اللحاق بالوالد الذي فرّ إلى إيطاليا. درس تشارلز الفرنسية نهاراً، والإنجليزية ليلاً، ثم أبحر إلى أميركا، ونزل مع الأم في نيويورك، وبعدها في شيكاغو، ولم يلتئم شمل الأسرة إلا في عام 1954 بأميركا. ومن كان مشاغباً يهرب من المدارس في بلغراد، تحوّل إلى شاب «يهتم بدروسه خصوصاً الأدب، وأولى اهتماماً خاصاً للشعر، مع اعترافه بأن السبب الذي دفعه لاستكشاف هذا الجانب من الفن كان من أجل لقاء الفتيات الجميلات».

في عام 1959، رأت أولى قصائد الشاب تشارلز سيميك النور، وكان في الحادية والعشرين من العمر، وقبلها حاول كتابة رواية، ويقول: «لابد أن تكون على درجة من الحماقة أن تبدأ كتابة رواية وأنت في العشرين.. أتذكر أنني كتبت الحبكة الروائية، وعند الصفحة 55 توقفت، لقد نفدت مني الأفكار».

وربما في الأمر مجاز ما، إذ لم تنفد الأفكار العميقة ولا الصور الصافية التي تسربت في قصائد تشارلز سيميك، وجعلته واحداً من أهم الأصوات الشعرية في أميركا. وكانت التجربة الدرامية في حياته، ومرحلة الطفولة ومآسيها معيناً مميزاً لصوت سيميك الذي ولد في عام 1938، وتحضر في «سيد التبديات» قصيدة يحمل عنوانها ذلك التاريخ: «كان ذلك سنة زحف النازيون إلى فيينا.. كان أول ظهور لسوبرمان في مجلات الرسوم الهزلية.. كان ستالين يقوم بتصفية رفاقه الثوار.. افتتح أول ديري كوين في كانكاكي إلينوي.. كنت حينها مستلقياً في سريري الطفلي.. أقلع طيار أطلقت عليه الصحف اسم كوريغان الضليل.. من نيويورك باتجاه كاليفورنيا.. ليحط بدلاً منها في إيرلندا.. في ذلك الحين شاهدت أمي تخرج ثديها من ردائها الأزرق وتدنو مني».

«ماذا يقول العشب».. أولى مجموعات سيميك الشعرية، والتي نشرت عقب حصوله على البكالوريس بعام (1966)، بعدما انتسب إلى جامعة نيويورك، وكانت سنوات صعبة، إذ تقلب بين وظائف مختلفة، من بينها عامل في متجر ملابس، وبائع للكتب. وتزوج من عارضة الأزياء هلين دوبين.

ولم يكتفِ المبدع بالشعر، إذ انصرف قلمه إلى ميدان مختلف؛ فنقل نتاج شعراء بلاده الأصلية (يوغسلافيا قبل الانفراط) إلى الإنجليزية، وترجم أسماء بارزة ليعرف بهم القارئ الأميركي.

منذ عام 1973، كما يشير المترجم أحمد م. أحمد، درّس تشارلز سيميك الكتابة الإبداعية والنقد في جامعة نيوهامبشر. ويصف بيئة نيو إنغلاند بأنها خصبة لإنتاج المفكرين الأصلاء: «هناك في تلك الولايات مثل ماين ونيو هامبشر المليئة بالأمكنة النائية عن الطرق، التي تمتد شتاءاتها لتسعة أشهر، تكتشف أن لهؤلاء الصبية الفقراء في تلك الأماكن حيوات جوانية، وانطوائية، لأنه ليس ثمة ما تفعله سوى إمعان النظر في الذات. الاستبطان أمر عظيم، رغم أن خدمة كابل التلفزيون قد وجدت طريقها إلى نيو إنغلاند».

يشار إلى أن لسيميك مجموعات شعرية كثيرة، من بينها: «بلوز لا ينتهي»، و«أن تخرج القطة السوداء»، و«فندق الأرق»، وحاز العديد من الجوائز، من أبرزها جائزة بوليتزر لعام 1990 عن «العالم لا ينتهي»، وجائزة مؤسسة آرثر المرموقة، واختير أمير شعراء أميركا لعام 2007.

يذكر أن مترجمين عدة احتفوا بالشاعر الأميركي، على الأقل في «العربية» التي تقف الترجمة حائلاً بين قرائها والعديد من روّاد الشعر المعاصر في جهات العالم المختلفة، لكن نصيب تشارلز سيميك من الترجمة كان معقولاً، مقارنة بسواه.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر