احتفت بيومها العالمي بمعرض مخطوطات ومحاضرة

«ندوة الثقافة» تستدعي ماضي «العربية» وتناقش حاضرها

صورة

احتفت ندوة الثقافة والعلوم، مساء أول من أمس، في مقرها بمنطقة الممزر بدبي باللغة العربية، بمناسبة اليوم العالمي لها. وجاء الاحتفاء عبر فعاليتين، هما ندوة بعنوان «حاضر اللغة العربية»، تحدث فيها بشكل رئيس المدرس بجامعة الإمارات الدكتور سمر روحي الفيصل، فضلاً عن معرض مخطوطات استضافه البهو الرئيس لـ«الندوة»، بالتعاون مع مؤسسة جمعة الماجد للثقافة والتراث.

وطوال فترة إقامة الفعاليات، بثت ندوة الثقافة عبر إذاعتها الداخلية، قصائد تتغنى ببعض جماليات العربية، وتقدم نخبة من أشهر القصائد الأدبية، التي قيلت باللغة العربية الفصحى.

محمد المر: إبداع غائب

أبدى الأديب محمد المر إعجابه بمقتنيات معرض المخطوطات، المصاحب لندوة «حاضر اللغة العربية»، وقدم العديد من الملاحظات حول تاريخ وجماليات جانب منها، أثناء افتتاحه المعرض.

ورأى المر أن هناك جانباً مهماً من الإشكاليات المعاصرة للغة العربية متمثلاً في عدم وجود جهد بحثي نشط في مجال اللهجات العامية، مضيفاً: «على الرغم من أن كل الدول العربية تقريباً لديها قواميس للهجات، إلا أن هناك حالة كسل ثقافي وبحثي في هذا المجال الحيوي والمهم». وتابع: «مجال التعليم أيضاً ومناهجه تكرس المشكلة ذاتها، فالمحتوى المعرفي لبعض المناهج يتشابه، أو يتطابق بين الشرق والغرب، لكن يبقى الفارق في الإطار الفني، ومدى الاستعانة بالوسائل التعليمية التوضيحية، ووجود رؤية تقدم هذا المحتوى في قالب جذاب وغير منفر للطالب».

من جانبه، رأى الخطاط تاج السر حسن أن القرآن الكريم خدم الخط العربي والعكس، معتبراً أن الإشكالية الحقيقية، التي يواجهها الخط العربي هي طغيان التقنية على نحو أضعف قدرات الأجيال الجديدة، وهي الإشكالية التي رأى أنها لن تؤثر في موقع فن الخط العربي الراسخ في قلب الثقافة والفنون العربية.


ارتباط غير شرطي

تساءل الروائي ناصر عراق، على هامش الندوة، عن طبيعة العلاقة التي يمكن أن تربط بين الضعف الحضاري للمجتمع من جهة، ولغته الأم من جهة أخرى، بمعنى أن المجتمع الضعيف قد ينتج لغة ضعيفة.

وفي رده على تساؤل عراق، رأى الدكتور سمر روحي الفيصل أن هذا الارتباط ليس شرطياً. وقال: «عاصرنا حقباً لم تكن فيها الحضارة العربية مزدهرة، لكنها أنتجت أدباء يجيدون تطويع لغتها على نحو مبدع».

وافتتح الأديب محمد المر، يرافقه كل من الأديب عبدالغفار حسين، ورئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم سلطان صقر السويدي، والأديب علي عبيد، والمستشار الثقافي لهيئة دبي للثقافة والفنون الدكتور صلاح القاسم، معرض المخطوطات العربية.

وضم المعرض نخبة من نماذج طبق الأصل لأقدم المخطوطات، التي يحتفظ بها مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، متنوعة بين المخطوطات التي تحتفي بروعة فن الخط العربي، وغيرها من المخطوطات التي تمثل في حد ذاتها محتوى أدبياً أو معرفياً بعينه.

ومن بين المخطوطات أعمال نسختها الأصلية موجودة في متاحف عالمية خارج الدولة، وبعض المؤلفات القديمة في معارف متنوعة، كثير منها لمؤلفين مجهولين، بسبب ضياع الغلاف أو المقدمة التعريفية للكتاب.

صينيون بلسان عربي

وقبيل شروعه في تقديم ضيفه، قال مدير ندوة «حاضر اللغة العربية»، الأديب علي عبيد، إن «اللغة العربية تمتاز بخصائص لا توجد في غيرها، ليس بسبب القرآن فقط، بل لأسباب موضوعية عديدة، ندركها حينما نتعمق فيها».

وتطرق إلى زيارة له ضمن وفد الدولة إلى الصين قبل أيام قليلة، وتعرفه فيها إلى مركز لتعليم ودراسة «العربية» في الصين، أمر ببنائه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكيف أن هذا المركز يمثل إشعاعاً للغة العربية في الصين، لدرجة أن مرتاديه يتحدثون الفصحى، أفضل بكثير من حديث مختصين فيها من أهلها.

وقال عبيد إنه تداعى إليه الكثير من الأمل، حينما قرأ أخيراً خبراً مفاده أن وزارة التربية والتعليم تعتزم إعادة النظر في مناهج اللغة العربية لمختلف الصفوف المدرسية، مشيراً إلى أنه يعتقد أن أحد أسباب المشكلة يكمن في حقيقة أن معظم الطلبة أضحوا لا يحبون دراسة «العربية»، ويعتبرونها لغة صعبة.

ولفت إلى أن الإعلام بواقع لغته الضعيفة أسهم في تكريس تشوهات «العربية»، على الرغم من أن مشروعات واعدة أشرف على بعضها تلفزيونياً، في وقت سابق من مسيرته المهنية، مثل برنامجي «افتح يا سمسم» و«المناهل» وغيرهما، تؤكد أهمية برامج النشء في إعداد أجيال تمتلك حصيلة لغوية جيدة، من خلال تكريس استخدام الفصحى.

3 محاور

من جانبه؛ قال الدكتور سمر روحي الفيصل إن التعاطي العاطفي مع إشكاليات اللغة العربية في حاضرها، أحد الأسباب الرئيسة التي تجعلنا نراوح مكاننا، دون التوصل إلى حلول ناجعة، لافتاً إلى أنه سيتطرق في طرحه إلى ثلاثة محاور رئيسة، هي: «العامية» و«التعليم» و«لغة الأدباء الشباب».

وفي المحور الأول، رأى الفيصل أننا أصبحنا «لفظيين» أكثر من أي وقت مضى، بمعنى أننا نتغنى بمشاعر الانتماء للعربية، دون أن نصر على التمسك بمناقشة مشكلاتها بموضوعية، ومن ثم وضع الحلول، وتنفيذها.

ورأى الفيصل أن مغالطة نشأت في القرن الـ19، عبر بعض الباحثين، واستمرت في ما بعد، هي سبب مهم للواقع الخجول للعربية، مفادها أنها لغة صعبة التعلم، دون سائر اللغات الأخرى، خصوصاً الإنجليزية، ومن ثم اعتبرها هؤلاء البعض لغة لا تصلح لأن تكون لغة العلوم، وهي المغالطة التي أثرت في ما بعد في مستقبل حضورها.

وتطرق الفيصل إلى مراحل نشأة وتطور العاميات العربية، لافتاً إلى أن التعامل مع العامية على أنها تجنٍ على «العربية» كان بمثابة مغالطة أخرى، موضحاً «العامية شقيقة الفصحى، وهي حية لأنها لم تنزل من السماء، لكن يجب ألا نستبعد تنقيتها من شوائب العجمة وغيرها، بدلاً من أن نهملها». وتحدث عن إشكالية سيادة التعلم بالإنجليزية عوضاً عن العربية في معظم الأقطار العربية، لدرجة أن البعض أصبح يتخلى تدريجياً عن تعلم اللغة العربية، أو في أفضل الأحوال تبدلت الحال لتصبح اللغة الأم، بمثابة لغة ثانية لدى بعض هؤلاء المتعلمين العرب.

ودعا الفيصل إلى أن يكون هناك مزيد من التدقيق في لغة وإبداع الأدباء الشباب، على نحو لا يكون معه أدنى تهاون في الأخطاء المرتبطة بسلامة اللغة.

تويتر