المعرض الأول لجماعة فنية جديدة رافق افتتاحه ندوة

«العويس» تفتح أروقتها لـ «جذور» فلسطين

صورة

ليس مهماً أن تكون منتمياً إلى جماعة فنية مخضرمة، أو تحمل اسماً معروفاً في ساحة التشكيل عموماً، كي تفتح أمامك أبواب المعارض التي تحتضنها مؤسسات ذات نفع عام، ويكفي أن تحمل فكرة، وتعبر عن اتجاه واضح، وفق مشروع فني يستحق الدعم، تلك هي الحقيقة التي تعكسها استضافة مؤسسة العويس الثقافية، لأول معارض جماعة تشكيلية فلسطينية جديدة، تم تأسيسها في فلسطين تحت اسم «جذور».

بوابة لكل الثقافات

قال المدير التنفيذي لمؤسسة العويس الثقافية د. عبدالإله عبدالقادر، إن «المؤسسة ستظل على عهدها دائماً بوابة لكل ثقافات العالم وفنونه، ومنصة إماراتية تستحضر شخصيات شتى الحضارات».

وأضاف «مختلف الفعاليات التي يتم استيعابها في المؤسسة، تأتي في إطار خطة سنوية عمادها الأساسي التنوع وعدم التقوقع، وفي استعارة لمقولة غاندي فنحن نسمح لكل الرياح (الثقافية) أن تهب على مقرنا، دون أن نسمح لإحداها بأن تجنبنا معايشة سواها».

كما تم تكريم اسم الفنان الفلسطيني الراحل عبدالرحيم السيد، عبر شهادة تقدير قدمها الأمين العام لمؤسسة العويس الدكتور محمد المطوع، وتسلمتها حرم الفنان الراحل.

فن عابر للاحتلال

لم تتمكن الفنانة الفلسطينية الشابة ماجدة غنيم من الوجود في المعرض الأول للجماعة التي تنتمي إليها، كما أن أعمالها الأصلية لم يسمح بمرورها على معابر قوات الاحتلال.

وعرض زملاء غنيم نسخاً غير أصلية لإبداعاتها، مؤكدين إصرارهم على الذهاب بعيداً في معارضهم الخارجية خلال المرحلة المقبلة، لإيصال صوت الفلسطيني في الداخل إلى شتى البقاع، واصفين ما يحملونه بـ«فن عابر للاحتلال».

الفنان احسان الخطيب من جانبه أشاد بمقتنيات المعرض، لكنه اشار إلى ضرورة احتضان هذه المواهب الشابة، مضيفاً: «لديهم طاقات ومواهب فنية، لكن تعوزهم الإمكانات، وأيضاً الثقافة البصرية، وهم في حاجة ماسة إلى أن تتشبع عيونهم بمعارض الفنون التي تزخر بها الإمارات».

المعرض الذي افتتحه مساء أول من أمس، الأمين العام لمؤسسة العويس الثقافية الدكتور محمد عبدالله المطوع، والسفير الفلسطيني لدى دولة الإمارات، عصام محاربي، وصاحبته ندوة عن تاريخ الفن التشكيلي الفلسطيني للدكتورة مليحة علي مسلماني، جاء مختلفاً ومتبايناً في الأفكار والرؤى التشكيلية، وهو ما يعكس واقع أن الفنانين الشباب الذين درس معظمهم أكاديمياً، الفنون الجميلة، وبعضهم من حملة درجة الماجستير، لم يمضِ على انصهارهم في بوتقة جماعة واحدة، سوى ستة أشهر فقط.

5 أيام

خمسة أيام احتاج إليها الفنانات والفنانون الشباب كي يأتوا من فلسطين، وتحديداً من مدنهم وقراهم في الضفة الغربية، مروراً بحواجز قوات الاحتلال، وصولاً إلى الأردن، براً، قبل أن يتنفسوا الصعداء بوصولهم إلى مطار الشارقة، بأرواح تتوق إلى تجربتها الأولى في دبي.

بعفوية الفنان غير المتمرس لبعض ثوابت المعارض، والسعي للتأكيد على مقولات توحي بأننا أمام أعمال تم إنجازها في أوقات محددة بغرض العرض هنا، لم يخف رائد عسكر حقيقة أنه اضطر لاستكمال بعض أعماله، في اليوم السابق فقط للعرض، وقبل وصول الأعمال إلى أروقة «العويس» وبهوها الذي استضاف العديد من المعارض المرموقة، وأثناء مكوثه في فندق الإقامة بالإمارات، لم يخف أيضاً - كما العديد من زملائه - أنهم اجتهدوا لإصلاح ما أفسدته حواجز الاحتلال، وملابسات سفر، يتم التعامل مع ما يحمله الفنانون عبره، على أنها أمتعة، أقصى ما ينتظر أن تناله من تمييز هو أن توضع عليها شارة «قابل للكسر».

لا توجد مدرسة فنية بعينها جامعة لإبداعات الشباب، فثمة أعمال تنتمي إلى التجريدية، وأخرى للتعبيرية، أو الواقعية، لكن ما يجمعهم هو المعاناة التي يحملها الفنان الفلسطيني في الداخل، والإصرار على فعل المقاومة، والإيمان بزوال الاحتلال، عبر ثيمات ورموز مغرقة في المحلية.

من هنا فإن المسجد الأقصى يبقى الحاضر الأبرز في معظم أعمال «جذور» المعروضة في «العويس»، التي انجزت أغلبيتها بواسطة «الكانفاس والأكريليك»، فيما جاء بعضها بالألوان الزيتية، خصوصاً الأعمال ذات المقاسات الكبيرة، كما الحال في أعمال رائد عواد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تحضر أيضاً ملامح المدينة، وخصوصية الفنون والحرف اليدوية الفلسطينية التي يتعقبها التشكيلي بريشته، ويعيد توظيفها.

حضور

المرأة الفلسطينية حاضرة بقوة أيضاً في المعرض، وفي حين يبقى حضورها مرتبطاً بفعل المقاومة، والصمود، في العديد من الأعمال، خصوصاً لوحة «صانعة الرجال»، التي يرصد فيه رائد عواد ملامح امرأة تجهز ابنها لمقاومة المحتل، ولوحة «وامعتصماه»، المخضبة بدماء الضحايا، والمكسوة بجماجم الشهداء، تحضر الفلسطينية في عوالم مخملية تبدو متخيلة، صنعتها رانيا العمودي، ومنها «وقت مستقطع»، «شقائق النعمان»، وكلتاهما ترصد فيها الفنانة ملامح أنوثة طاغية، وملابسات حياة رغدة مفقودة.

ويظهر الأقصى في أعمال زها فارس، رئيسة جماعة جذور، التي تبقى على موعد مع معرضها الشخصي الأول الذي افتتح أيضاً في الشارقة بعد 24 ساعة فقط من المعرض الأول لـ«جذور»، برصد سريالي يُحاط بأجساد بشر متلاحمة، ومتناظرة، في حين كست الأرضية بفسيفساء موحية بتنوع حضارات المكان، وهي الفكرة نفسها التي تعقبتها في لوحة «الممر الأخير».

تكوينات يدوية أيضاً تستوعبها بعض اللوحات، كما الحال عند رائد عواد، في لوحة «العروس» التي استعار فيها تكويناً قماشياً لطرحة عروس، ولوحة «عيوننا إليك ترحل كل يوم».

في المقابل، جاءت ندوة الدكتورة مليحة علي مسلماني، بعنوان «الفن التشكيلي الفلسطيني.. تاريخ وملامح» لتكمل الحالة التشكيلية الفلسطينية ولكن بشكل نقدي، إذ تطرقت مسلماني إلى حقب مختلفة من التشكيل الفلسطيني، بدءاً من قبل الميلاد، مروراً بتفاصيل تتعلق بالحضارة الكنعانية، متوقفة بشكل أعمق عند القرنين 19 و20.

وشككت في الكثير من المفاهيم الاستشراقية السائدة، ليس بدوافع من سوء الظن الأكاديمي، ولكن بسبب اختلاف الظروف والملابسات الفنية، مؤكدة خطورة الانزلاق نحو استخدام النظريات والمفاهيم الناضجة غرباً دون الالتفات لخصوصية الفنون عموماً والتشكيل الفلسطيني خصوصاً.

تويتر