في أمسية نظمتها «دار الكتب» ضمن عام القراءة

الصايغ: القراءة مسألة مصير وحياة أو موت

خلال الأمسية التي نظمتها «دار الكتب» التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. تصوير نجيب محمد

شدد الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، حبيب الصايغ، على أهمية ألا تأخذ الاحتفالات بإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2016 عاماً للقراءة، الطابع الاستعراضي، وأن تهتم الجهات المشاركة بالوصول إلى الجامعات والمدارس ومختلف الفئات في المجتمع، معتبراً أن إعلان عام واحد للقراءة ليس كافياً بما يرتبط به من إشكاليات، ولكنه يمثل، وكذلك بقية الأعوام المتخصصة، مثل عام الهوية وعام الابتكار، إشارات أو التقاطات من القيادة، ويجب على المجتمع أن يتابعها، ويعمل على تحقيق أهداف مدروسة تم وضعها بشكل مسبق.

في حضرة زايد الخير

عن علاقته بالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان؛ أوضح الصايغ أنه عندما كان يكتب قصيدة كان أول من يسمعها الشيخ زايد ووالده. ومنذ عيد الجلوس الثالث للشيخ زايد في 1969، اعتاد الصايغ أن يلقي قصيدة أمام الشيخ زايد خلال الاحتفالات بهذه المناسبة. ومنذ وفاة المغفور له الشيخ زايد، وحتى الآن، كتب الصايغ أكثر من 40 قصيدة فيه.

كما توجه حبيب الصايغ بالتحية إلى روح المغفور له الشيخ أحمد بن زايد آل نهيان، رحمه الله، والذي تحمل القاعة التي أقيمت فيها الأمسية اسمه تكريما له. مشيرا إلى ما عرف عن المغفور له من حبه للعمل الخيري وتطوعه في العديد من الجمعيات الإنسانية والخيرية داخل وخارج دولة الإمارات العربية المتحدة، وحبه للمبادرات الإنسانية المختلفة سواء من خلال أنشطة مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، التي كان يترأسها، أو بشكل شخصي.


http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/444547.jpg

حبيب الصايغ:

إعلان عام للقراءة يرجع إلى حرص دولة الإمارات على تحقيق الأنموذج في السياسة والاقتصاد والتنمية.

وأشار الصايغ إلى أن القراءة مسألة مصير وحياة أو موت، ولذا لابد أن يكون هناك عمل مستمر لتوجيه الشباب لما يمكن أن يقرأ وكيف يقرأ. وأضاف، خلال الأمسية التي نظمتها «دار الكتب» التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، مساء أول من أمس، تحت عنوان «مسيرة قراءة»، في مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، بحضور المدير العام للمؤسسة، أحمد شبيب الظاهري، وعدد من رجال الثقافة والإعلام في الدولة، وقدمها الإعلامي محمد عبد المحسن: «شخصياً لن أهدأ أو أنام، سوف أشتغل أكثر على مشروع القراءة، وبالتالي على مشروع الكتابة، لذلك جهزت أدوات المرحلة المقبلة منذ زمن مناسب، وفي الأدوات التي حضرتها: بحر في زجاجة حبر، وقافلة من رياح العصر الجاهلي، ومعلقة شاعر سيولد في القرن السابع والعشرين، وسرب حمام مات أثناء تحليقه منتصف القرن العاشر الميلادي. لكنني مازلت أبحث عن قلب مناسب، قلبي أكلته العتة والسنوات، وبقيته الباقية تكفي، بالكاد، لتوزيع قطرة الدم الباقية على شرايين الظمأ».

وأوضح أن إعلان عام للقراءة من قبل القيادة السياسية، يرجع إلى حرص دولة الإمارات على تحقيق الأنموذج في السياسة والاقتصاد والتنمية، وأنها لاتزال تبحث عن المعنى، بما ينفى شائعة سادت في مرحلة سابقة، وكاد الجميع يصدقها، وهي أن هناك قطيعة بين المادي والمعنوي، «لم نكن أحوج إلا لبعض الصبر. الدولة الحديثة في الإمارات كانت تتشكل، وكان علينا أن ننصت جيداً، وأن نقرأ جيداً»، معتبراً أن في مسيرة القراءة بهذا المعنى يتمازج الشخصي والموضوعي، الخاص والعام، فالإنسان لا ينفصل عن الواقع، وإلا فهي العزلة والكآبة.

وشدد الصايغ على ضرورة رفض العزلة، تلك العزلة التي يفرضها بعض الكتاب والمبدعين على نفسه، فيتحول الواحد منهم إلى كائن عجيب يعيش في مجتمعه ولا يعيش، ويقتنع بعد ذلك بوهم أن لا علاقة له بالشأن العام، ويترتب على ذلك عدم التواصل مع المجتمع إجمالاً، وترك وسائل التواصل الاجتماعي، في معظمها، لأنصاف الكتاب، وشذاذ الآفاق، وقطاع الطرق، والمحسوبين على تيارات الظلام والتطرف والتطيف والتكفير، وكل ذلك مع عدم وعي التحول الذي طرأ على الكتابة والقراءة، فغيّر معادلة التأليف /‏‏ التلقي، لتميل إلى الكتابة الجماعية وكتابة الفريق وليس الفرد.

واستعرض الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، مسيرته مع القراءة وهو مازال في بدايات الطفولة: «منذ فجر العمر والشأن العام بعض حياة ذلك الطفل في آخر طفولته وأول مراهقته، ولقد وضعه القدر الجميل ليكون كثير التردد، صحبة أبيه يوسف عبدالله الصايغ، على مجلس القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومهّد لانشغاله التالي، طول العمر، بالشأن العام، واشتغاله المبكر، وهو بين طفولته ومراهقته، في الصحافة، بأمر من الشيخ زايد نفسه، ليكون بذلك أول محرر صحافي إماراتي، واشتغاله بتنظيم أوراق والده عضو مجلس التخطيط في أبوظبي، الذي كان يترأسه القائد المؤسس الشيخ زايد، وكان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، نائبه في رئاسة المجلس. جميع الأوراق والمذكرات كانت تمر على عقل وقلب ذلك الطفل في آخر طفولته وأول مراهقته، وكذلك أوراق لجنة الأراضي والتعويضات، أول نشأة أبوظبي، وأوراق المجلس البلدي لمدينة أبوظبي، وكأنما قراءة الشأن العام فرضت عليه مع قراءة كتبه المدرسية، ودفاتره الخاصة، ومجلات طفولته، ومنها مجلة (العربي) التي قرأها منذ أن كان في السابعة من عمره مع مجلتي (ميكي) و(سمير)، ثم (الآداب) و(الأديب) في مرحلة لاحقة، ومما يتذكره ولا ينساه أن أباه كان يعود إليه بهدايا الكتب لا غير، كلما عاد من سفر، بما في ذلك رحلة الحج».

وتطرق حبيب الصايغ إلى مسيرته الطويلة مع القراءة، وأبرز قراءاته بداية من الشعر مهنته الأولى والأخيرة، ثم الفلسفة تخصصه في الجامعة، كما قرأ في علم اللغة والدراسات الترجمية، تخصصه في الدراسات العليا، خصوصاً أعمال تشوميسكي في منطقة النظرية التوليدية وعلم اللغة العام والمقارن، ثم ما اختص بسيوسولجيا اللغة والفلسفة اللغوية، وعلاقة اللغة بالفكر، كما اهتم برصد القواميس والمعاجم ونقدها، ساعده على ذلك اشتغاله في مرحلة الماجستير بجامعة لندن على 27 قاموساً عاماً ومتخصصاً، وقرأ القرآن الكريم كما قرأ في تفسيره والدراسات النحوية واللغوية حوله، وقرأ العهد الجديد مسبوقاً بـ«نشيد الإنشاد»، وقرأ في الوجود والعدم، وفي السياسة وعلم الاجتماع، وقرأ في التاريخ وكأنه يتهيأ أبداً لحياة جديدة مطوقة بالأسئلة، وقرأ بنهم مفترس شرير، وبملل يشبه ملل ملك الموت وهو يقبض الأرواح فيوثق للغفلة والبغتة. قرأ الفلاسفة الإغريق، وعاش مع أرسطو كواحد من تلاميذه. متعته تقمص أدوار له وليست له، كأنه ممثل شعر بموهبته بعد موت الملقن. وافق أفلاطون واختلف معه، وتعلم على يد إفلوطين وأوغسطين، وعاش مع فيثاغورس حيواته الكثيرة. قرأ هوميروس مبكراً، وظل عبر أعوامه وعقوده يحمل إلياذته الخاصة في منطقة مخه الخاصة بالكتمان. كما قرأ المدارس الفلسفية الكبرى في فرنسا وإنجلترا، ومدارس الفلسفة الإسلامية، لعمالقة الصوفية كالسهروردي والحلاج والبسطامي والجنيد، واستهوته الفلسفة الإسلامية منذ الأصول حتى وفاة ابن رشد، وتحاور مع المعتزلة والأشعرية، ودرس علوم الطبيعة عند العرب، سواء لدى الفلاسفة أو العلماء كالبيروني بين القرنين العاشر والـ11، وكالخوارزمي، خصوصاً ابن الهيثم، وعكف على قراءة علمي الإمامة والعرفان في التشيع، وانصرف إلى جدل المعرفة صعوداً إلى الكندي والفارابي وابن سينا، ووصولاً إلى نقد الفلسفة عند الغزالي، ووصولاً إلى الفلسفة الإسلامية في الأندلس، ثم فيوضات مراحل التنوير المبشرة بعصر الاكتشافات والاختراعات العلمية الأخيرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

تويتر