«شغل الزر» انشغل بثنائيات متضادة عبر مزج الحقيقي بالمتخيل

«الليل نسى نفسه» ينفرد بـ «نهار» «دبي للشباب»

العمل يضم 3 شخصيات رئيسة إلى جانب «الجوقة». تصوير: مصطفى قاسمي

لم يختر الممثل الشاب، إبراهيم القحومي، نصاً عالمياً على غرار بعض منافسيه في مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي تنظمه هيئة دبي للثقافة والفنون، على مسرح ندوة الثقافة والعلوم، كما لم يتشعب إلى التأليف أو الإعداد، على نحو عرض «رياح الخردة» لأحمد الشامسي، بل نبش في النصوص المحلية، واختار نصاً لمدير الديوان الأميري بالفجيرة، محمد سعيد الضنحاني.

عرض اليوم

تعرض اليوم مسرحية «كان من المفروض أن تكون هناك» لمسرح دبي الأهلي، تأليف طلال محمود، وإخراج غانم ناصر.

وعلى هامش العرض الاساسي أيضاً تُعرض مسرحية «ماكنتوش» لطلبة كلية الإعلام في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.

خليفة الهاجري: انسجام وتمرّس

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/555384.jpg

وصف الناقد الكويتي، الدكتور خليفة الهاجري، ما قدمه إبراهيم القحومي في «الليل نسى نفسه» بأنه تمرس شبابي يستفيد من التقاليد الراسخة للمسرح الإماراتي عموماً. وأضاف: «قدم القحومي رؤية سينوغرافية عالية، وبانسجام هائل مع سائر عناصر العمل الفني، وحتى حينما وقع في مأزق الإظلام الشديد على المسرح، خرج بحلول ذكية، كما أنه وظف (الإطارات) على نحو لا يجعلها معيقة لحركة الممثلين، بل قدمها بأكثر من صيغة لخدمة رؤيته».

بلال عبدالله: اقتصدوا في المديح

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/555381.jpg

طالب الفنان، بلال عبدالله، حضور الندوة التطبيقية لمسرحية «الليل نسى نفسه» بالاقتصاد في المديح، وتوجيه مداخلات نقدية حتى يتسنى للمواهب الشابة الاستفادة وتصحيح الأخطاء.

وأضاف: «لا يوجد عمل مكتمل يمكن أن يقدم على الخشبة، كما أن الفنان الشاب، سواء كان مخرجاً أو ممثلاً أو فنياً، لن يُقدم الأفضل في غياب النقد البناء، الذي يشير إلى الزلات كما يشير إلى الإيجابيات، من دون ترصد أو تحسس».

عمر غباش: فكرة شبابية

وصف الفنان، عمر غباش، فكرة عرض «شغل الزر» بالشبابية، مشيراً إلى أهمية أن يكون الموضوع ذا صلة وثيقة بحاضر الشباب.

وأوضح: «في العمل المسرحي يجب أن نبحث عن أدوار أخرى لتهيئة المسرح والجمهور العربي لآفاق وأطر جديدة تُسهم في بقاء (أبوالفنون) في قلب الاهتمام الجماهيري». ولفت غباش إلى أن المقولة التي يحملها النص مهمة وهي الصراع الأزلي بين العلم والأخلاق، بين الشرق والغرب، بين الغني والفقير، وهو تناول يكتسب لا تقليدية تُحسب لمسرح أبوظبي.

المفارقة التي كان لا يتمناها القحومي هي عرض العمل نهاراً، وهو الخيار الذي أقدمت عليه اللجنة المنظمة للمهرجان، لمزيد من استثمار عطلة نهاية الأسبوع، للمرة الأولى على مدار 10 سنوات، وهي مصادفة تناقضت مع مسمى العرض، لتعود اعتباراً من اليوم، جميع العروض إلى طبيعة توقيت عروضها مساء.

ولا يخلو خيار القحومي من الجرأة والمغامرة، ففضلاً عن الصيغة الشاعرية التي تغلف أعمال الضنحاني، باعتباره شاعراً في المقام الأول، فقد سبق إخراج النص نفسه، قبل أكثر من 19 عاماً في «أيام الشارقة المسرحية»، قبل أن يشارك في عروض «قرطاج» الدولي.

هذه المعلومات ضرورية للوقوف على طبيعة الصعوبات التي سبقت الإعداد للعمل، فالقحومي، الذي لايزال في العشرينات من العمر، قطعاً لم يشاهد عرض العمل سابقاً، لكنه سيكون مطالباً برؤية إخراجية لا تشبه غيرها، بل وإيجاد حلول في المحتوى الدرامي يلائم عرضه على منصة «دبي للشباب».

كل هذه التحديات يمكن اعتبارها مضاعفة، إذا وقف المتابع عند حقيقة أن جل تجربة القحومي الإخراجية، هي عمل وحيد شارك به في الدورة الماضية «الليل نسى نفسه»، وحصد العديد من الجوائز، أهلته لتمثيل الإمارات خارجياً في مهرجان شرم الشيخ الدولي بمصر، وحصوله على جائزة لجنة التحكيم، وهو المهرجان الذي شهد مشاركة أعمال من دول أوروبية عريقة في المسرح العالمي، إلى جانب مصر وتونس.

قائمة التحديات تطول لتشمل تحدياً فرضه القحومي على نفسه، حينما قرر المشاركة بدور رئيس في العرض، إذ يضم العمل ثلاث شخصيات رئيسة إلى جانب «الجوقة»، هم حمد الضنحاني «الزوج»، عذاري «الزوجة» والقحومي، الذي جسد دور «الأخ»، في عمل قصد فيه عدم تحديد أسماء شخصياته، أو حتى مكان أحداثه، ربما لتأكيد عمومية حالاته الإنسانية.

قلق

«العمل يدعو للقلق، ولا يجيب على تساؤل، بل يضعنا في مشكل متشعب مسنن الحواف، عمقه في بساطته، وهو فعلاً يجلب المتاعب»، إشارة لكاتب النص محمد سعيد الضنحاني، الذي تابع العرض، ولم يتوقف عن التصفيق، كلما سنحت الفرصة لذلك، في مؤشر مهم إلى مدى رضاه مؤلفاً عن المنحى الذي ساق نصه إليه المخرج الشاب.

إظلام تام، إلا من إضاءات ليزرية، تكشف عن حركة متسارعة، منتظمة لإطارات، تمر مندفعة بعرض الخشبة التي خلت من كل شيء عدا تلك الإطارات التي لا تتوقف، هي ما تنفتح عليه ستارة «الليل نسى نفسه»، قبل أن تتابع شخصيات الجوقة الملثمة المتشحة بالسواد، وكأنها تمارس عملاً سرياً أشبه بالسطو، تحت جُنح الليل، ونباح الكلاب الضالة، وهو الانطباع الذي يرجحه حثّ أحدهم للآخر للإسراع في إنجاز جلب «ما خف وزنه وزادت قيمته»، في انتظار قدوم الشاحنة.

«شاحنة» «الليل نسى نفسه»، ظلت على مدار العرض «منتظرة»، لكنها ليست الوحيدة، التي بقيت هكذا، فـ«الزوجة» التي تقوم بدورها عذاري، ظلت في حال انتظار وترقب لزوجها، قبل أن ينفتح مدلول العمل على العديد من القضايا الاجتماعية المرتبطة بالزوجين، لنكتشف أنها ضحية زواج تقليدي تم بناء على رغبة الأهل، لا الزوجين، وأن كليهما ضحية تزويجهما في سن مبكرة، ليعيشا غريبين تحت سقف واحد.

ليس هذا كل شيء في المحتوى الاجتماعي للعمل الذي تطرق أيضاً لسفر البعض بحثاً عن المتعة التي يتحلل فيها من كل القيم الأخلاقية، تاركاً زوجته تعاني صراع الوحدة والاحتياج العاطفي له، وهو نمط حياة مستهترة تفضي إلى مزيد من الكوارث، منها التزوير والخيانة المالية، وغيرهما، في سبيل إشباع نزواته.

واختار القحومي الخيار الصعب أيضاً في السينوغرافيا، من خلال «السواد» الذي فرض نفسه اتساقاً مع العنوان والمحتوى، لكن الإضاءة جاءت بالحد الكافي الذي خدم إبراز أداء الممثلين الذين كان من الممكن أن يصلوا إلى مستوى إجادة أفضل، في حال توافر لهم الوقت الكافي للتدريب.

اختزال

إشكالية اختزال وقت التدريب على العرض كانت واضحة، من خلال أخطاء في اللغة الفصحى للعمل، وعدم إلمام الممثلة عذاري تحديداً بتفاصيل الدور، الذي أخذته إلى لكنة أقرب للنحيب، في بعض مفاصله، على عكس شخصيتها القوية التي جابهت الزوج، وواجهته بزلاته، إلى الحد الذي جعلها تتخذ قرار سفر، لم يتم أيضاً وظل «منتظراً»، شأنه شأن الكثير من الأحداث التي ظلت كأنها في انتظار «ليل»، بدا إرخاءه ظلامه، واستمراريته، وسط تلاحق التفاصيل، وكأنه أخذ نصيب النهار، أو أنه «نسى نفسه».

«شغل الزر»

المسرحية الأخرى التي تضمنتها عروض أول من أمس، كانت «شغل الزر» لمسرح أبوظبي، من إعداد وترجمة عمر غباش عن مسرحية ايتون لونستن، وإخراج الفنان الشاب أحمد المرزوقي، وتمثيل فارس ناجي في دور علام، ومحمد الحمادي في دور البروفيسور.

وتطرق العرض الذي شَابَه ضعف ملحوظ في التمثيل، جوهر الصراع الافتراضي بين العلم والأخلاق وأولوية وحدود كل منهما، وتأثير العلم على مختلف الشرائح المجتمعية، وذلك عبر نص يغمز في قناة الصراع الحضاري بين الشرق والغرب، سعى إلى نسج وشائج بين الحقيقي والمتخيل، عبر محتوى درامي يرتكز على حضور شخصيتين رئيستين، هما شاب مخترع فقير وبروفيسور من الطبقة الأرستقراطية، لكن العرض الذي جاءت نهايته مفتوحة، لم يتمكن تماماً من إيصال رسالته إلى الحضور.

 

تويتر