عز الزعنون يعرض أعماله الفوتوغرافية في أزقة المخيمات

«حبل الغسيل».. إبداعات «عمو المصور» تنقل وجه غـزة المختلـف

صورة

في صباح كل يوم يجمع المصور الفلسطيني الشاب عز الزعنون صوره الفوتوغرافية التي التقطها لكل الأماكن والأحداث في قطاع غزة، ليجوب المناطق المهمشة والفقيرة، والمخيمات السبع للاجئين في القطاع، عارضاً تلك الصور على حبال الغسيل في الأزقة الضيقة.

وما إن ينتهي الزعنون من تعليق أعماله الفوتوغرافية على حبال الغسيل، حتى يتجمع سكان المخيمات، خصوصاً الأطفال الذين يلقبونه «عمو المصور»، ليشاهدوا الجانب الآخر لمناطق القطاع التي لا يعرفونها، فالحياة بالنسبة لهم لا تتعدى أزقة المخيم.

فيما يطرح الأطفال التساؤلات حول الصور المتراصة على حبل الغسيل، والمعاني التي تحملها، ليشرح الزعنون بطريقة سهلة تناسب تفكيرهم تفاصيل ومكونات صوره التي يظهر من خلالها واقع غزة الجميل، كما ينقل لهم بأسلوب عملي الآلية التي يلتقط من خلالها الصور.

مبادرة ذاتية

في سطور

بدأ المصور عز الزعنون عمله كمصور صحافي حر مبكراً منذ 10 سنوات، وذلك إثر مشاهدته لأخيه المصور محمد ملقى على الأرض مصاباً أثناء تغطيته لاجتياح جيش الاحتلال لحيّ الزيتون عام 2005. ومنذ تلك اللحظة، أمسك عز الكاميرا، وسلك طريق الاحتراف والتميز.

وامتلك عز خلال سنوات عمله القدرة على الابتكار وإحداث الفارق، فتغيرت حياته وأخذت منحى آخر، لتصل صوره إلى مختلف وكالات الأنباء العربية والعالمية، كما شارك في العديد من المعارض العالمية، التي لم يستطع حضورها بسبب الحصار وإغلاق معابر القطاع. وحازت صوره العديد من الجوائز المحلية والعالمية، منها جائزة أفضل صورة إنسانية لعام 2013 من دار النشر (سا) في واشنطن، إضافة إلى جائزة أفضل صورة من مجلة «تايم»، كما حصدت صورة له تعبر عن واقع المرأة في غزة المركز الأوّل بمسابقة الجمعيّة العربيّة الثقافيّة في فلندا خلال عام 2014.

المصور الزعنون (24 عاماً) من حي الزيتون شرق مدينة غزة، تبنى مبادرة ذاتية أطلق عليها اسم «الفن ليس تجارة»، ليعكس الجانب الآخر لواقع غزة المؤلم، وينقله إلى داخل المخيمات، لذلك اتخذ من جدرانها معرضاً مختلفاً لصوره التي تنقل ما خفي من تفاصيل الحياة اليومية لسكان غزة، بشكل مختلف عن عدسات المصورين التي تنشغل بالأحداث والفعاليات الإخبارية.

«الإمارات اليوم» رافقت المصور الزعنون داخل حافلة صغيرة يجوب بها مخيمات ومناطق غزة المهمشة برفقة أعماله الفوتوغرافية، منتقلاً إلى مخيم «النصيرات» وسط القطاع، ليبدأ بتمديد حبال الغسيل بين جدارين ملتصقين لونهما قاتم، فيما يعرض عليها بواسطة مشابك خشبية مئات الصور التي تروي حكايات غزة اللامتناهية.

ويقول الزعنون وهو يتوسط أطفال مخيم النصيرات،«أردت الخروج بفكرة غير مألوفة، بعيدة عن إقامة المعارض داخل القاعات المغلقة التي لا يصل إليها إلا فئة محددة، لذلك اخترت حبل الغسيل داخل الأزقة الضيقة والمناطق المهمشة ليكون معرضي المتنقل لجميع المارة، خصوصاً الأطفال، في محاولة لاستقطابهم نحو الفن، ورؤية الجمال، والتعرف إلى زوايا جديدة التقطتها بعدستي عن واقع غزة. ويضيف: «هناك الكثير من الصور تعبر عن الحالة الإنسانية لسكان غزة، لكن ما أردته من خلال معرضي المتنقل بالدرجة الأولى هو أن يكتشف سكان المخيمات والمناطق المهمشة الفرح، والأمل، وأن يحلموا بحياة بعيداً عن القتل والدمار».

ويؤمن الزعنون بأن نشر الصور بهذه الطريقة يحمل رسالة واحدة لكل العالم، هي أن سكان غزة شعب يحب الحياة، لذا يركز على تصوير المشاهد التي تظهر الجانب المشرق وغير المعروف عن غزة، وتحمل في الوقت ذاته معاني التفاؤل والأمل في الحياة، رغم الأزمات الخانقة والحروب المدمرة.

ويقول المصور الشاب: «عندما أزور الأزقة الضيقة والحواري المهمشة وأعرض لوحاتي بتواضع، أفاجأ بمساعدة أهل المنطقة والأطفال في تعليقها، وهذا ما يجعلني أشعر بذاتي، وقربي من الناس وقربهم مني، وهم بدورهم يشعرون بسعادة تفوق الوصف».

ويضيف: من أكثر الصور التي لفتت انتباه سكان المخيمات صورة العروس الفلسطينية التي خرجت من بين أزقة مخيم الشاطئ، تلك الصورة التي توسطت عدداً من الأعمال الفوتوغرافية الفنية والجمالية التي علقت على الجدران وحبال الغسيل، إلى جانبها مجموعة صور طبيعية.

ومن بين الصور التي يعرضها الزعنون في أزقة المخيمات مشهداً لمجموعة ضاحكة من الأطفال في لحظات الغروب، فيما أظهرت أخرى مساحات الجمال في المدينة المحاصرة كشاطئ البحر، وأضواء الملاهي، وقوارب الصيادين الملونة.

نقل التجربة

على هامش معرض الصور المتنقل ينقل الزعنون تجربته في التصوير الفوتوغرافي إلى الأطفال الذين لا يفارقونه طوال وجوده في مناطق سكنهم، وذلك من خلال تلقيهم دروساً في التقاط الصور عبر حمل الكاميرا، ورسم لوحات فنية.

ويقول المصور الحر، أحاول من خلال مبادرتي مساعدة الأطفال الذين يسكنون في المناطق الفقيرة والمدمرة، والتخفيف من حدة الضغوط النفسية التي يتعرضون لها، حيث أعرض عليهم صوراً جميلة تختلف عن الحياة التي يعيشونها، وتعليمهم التصوير، والتحدث معهم بشكل بسيط لاكتشاف الروح الفنيّة الجميلة لديهم. وتقول الطفلة ميرا البحيصي (12 عاماً) من مخيم النصيرات، لـ«الإمارات اليوم»، بينما كانت أنظارها تراقب القوارب الملونة التي علقت حبل غسيل تستخدمه والدتها لتجفيف الملابس، إن معرض الصور المقام داخل المخيم جميل ولافت، ويساعدنا على قضاء أوقات ممتعة ومفيدة في الوقت ذاته، فقد أصبحت أعرف كيف تلتقط الصور، وماذا تحمل من دلالات. وتضيف: «أرغب في بقاء معرض الصور في منطقتي إلى وقت طويل، كي أتمتع بالنظر إلى الصور التي تظهر لنا جمال مدينتنا، وتعكس لنا مشاهد تختلف عن الصور المؤلمة التي تحاصر ذاكرتنا».

أمّا الطفل سعيد النويري فانشغل بحمل الكاميرا الخاصة بالزعنون لتحقيق حلم راوده طويلاً، وهو تعلم التصوير، والتقاط صور حرفية كما يلتقطها المصورون. وتساءل النويري إن كان سيعود «عمو المصور»، كما ينادونه، حتى يحضر زملاؤه من المدرسة ليحملوا الكاميرا سوياً، ويلتقطوا صوراً جميلة مثل الصور التي التقطها الزعنون وعرضها بين أزقة المخيمات.

تويتر