مخرجة كورية ترى أن الجميع يخبئ حلمه ليعتاش منه

سويانغ كيم تصوّر أحلام الناس وتَـــعِدُهم بتفقدها بعد 10 سنوات

صورة

«لا شيء يدهش في الحياة كالحلم» عبارة كتبها ذات يوم الأديب التركي أورهان باموك، وإذا أعدنا النظر في المنجزات الحضارية والإنسانية نجد أنها وليدة الأحلام قبل أن تصير وليدة علم أو فكرة، فلولا الأحلام لما جرؤ الإنسان على الطيران.. ولولا الأحلام ما جرؤت الشعوب على الثورة.

جميعنا يخبئ حلمه ويعتاش منه، يجتره أمام الصعاب ليتخذ منه العزيمة بإصرار الإبل على شق الصحراء باجترارها الماء اذا ما باغتها العطش، وجميعنا عطشى لأحلامنا.. ولا شيء يبقى معنا حتى النهاية مثل الحلم الذي إما ان نحققه فنراه مجسداً، وإما أن نخذله فيبقى ذكرى.

«اليوم وفي عصر التقنية بتنا مسؤولين أكثر من أي وقت مضى أمام أحلامنا»، هكذا ترى المخرجة الكورية سويانغ كيم التي تعمل حالياً على توثيق أحلام أكثر من 300 شخص من حول العالم، لتعود إليهم بعد عقد من الآن وتسأل إن كان الحلم قد تحقق فتسجله صوتاً وصورة. مشيرة في حوار لـ«الإمارات اليوم» إلى أن هذا الفيلم الذي يحمل عنوان «بانوراما الحلم»، والذي سيوثق الجزء الأول منه في مايو المقبل، واحد من أحلامها «التي تعدى عددها الـ70»، واختارت كيم ان تختم جولتها التوثيقية في الإمارات «لأنها تختصر العالم لاحتضانها 200 جنسية على أرضها»، وقد اجرت 100 مقابلة مع أشخاص أغلبيتهم من الجالية الآسيوية، ما بين أبوظبي ودبي، بعد أن زارت لندن وتركيا وأرمينيا والهند وغيرها الكثير من البلدان في العالم.

أصغر صحافية في كوريا

عملت كيم، المأخوذة بعالم الإعلام بكل فئاته، كأصغر صحافية في صحيفة دونغا التي تعد كبرى الصحف الكورية، وفاز احد مقالاتها عام 2000 بأفضل مقال في مسابقة صحافية محلية، وهي مازالت على مقاعد الدراسة، لكن التقارير المكتوبة لم تحقق ما حلمت به وهو نقل الحقيقة صوتاً وصورة، فانتقلت إلى عالم التصوير والاخراج كي تصنع الحكايات التي يجب ان يعرفها العالم، وبعد اكتشافها لمرض السرطان في جسدها قررت كيم كتابة احلامها التي يجب ان تحققها قبل وفاتها ووصل عددها 73 حلماً، وكان حلمها الأول هو استكشاف العالم على مدى الـ25 سنة المقبلة، وحققت كيم 36 حلماً الى الآن، مثل ان يكون لها مستقبل مهني في الخارج، وأن تتعلم الموسيقى، وتسلق الجبال والسفر الى انحاء العالم وغيرها، ومازالت تسعى إلى تحقيق بقية احلامها المكتوبة.

البداية

قررت كيم بعد حياة لم تكن متوازنة بسبب الفقر الذي كانت تعانيه عائلتها ان تصبح صحافية، وكان السبب وراء ذلك «كان عمري حينها 15 عاماً، وكنت اشاهد الأخبار على التلفاز بالمصادفة، ورأيت حرباً دائرة بين اسرائيل وفلسطين، ولم تبرح مخيلتي صورة الرجل الفلسطيني يبكي ابناءه الصغار الذين لم يرحم الرصاص الاسرائيلي براءتهم»، مؤكدة «وقتها عرفت ان الحياة تستحق ان نكون منجزين فيها».

مشيرة الى انها كادت ان تضيع في ظل الفقر والهروب من المدرسة وأشياء كثيرة وصلت الى حد المخدرات، الا ان الحرب التي شاهدتها على التلفاز «اثرت في نفسي كثيراً وأعطتني دفعة للأمام لأحب الحياة من أجل العدالة».

وأضافت «تحديت الصعاب وقلت انني اذا استطعت ان انهض من العتمة التي كانت تلفني وأحقق حلمي في دخول الجامعة ودراسة الاعلام، فسأساعد الكثيرين، وهكذا حصل معي فقررت ان الف العالم لرصد أحلام الناس»، وقالت كيم إنه من مجموع أحلامها الـ 73 ما زال لديها 39 حلماً «قيد التنفيذ».

كيم التي تعمل في مجال الصحافة وتراسل صحفاً عدة لاتقانها الترجمة، قالت عن مشروع الفيلم، إنه «يتلخص بسؤال الناس عن أحلامهم من خلال تصويرهم وإعطائهم ورقة مكتوبة بلغتهم الأم ليكتبوا الحلم بالبنط العريض ثم العودة لهم بعد 10 سنوات من الزمن للقائهم مجدداً، وسؤالهم اذا كانت قد تحققت احلامهم أم لا».

وأشارت «هي مغامرة من خلال رحلة بدأتها في يونيو من هذا العام، وسأنجز الجزء الأول من الفيلم في مايو العام المقبل»، وأضافت «بين لندن الى سيؤول الى افريقيا والهند وارمينيا وعمان واخيراً في الإمارات، وجوه كثيرة كلها حالمة تريد الفرصة التي تختلف بين شخص وآخر حسب الثقافات والبلاد والحاجات».

فئات عشوائية

كيم التي حصلت على شهادة الماجستير من جامعة لندن، بعد أن سخر منها جميع محيطها انها غير قادرة على التحدي، قالت عن طبيعة الناس الذين اختارتهم «على الغالب كان خياراً عشوائياً والأعمار تراوحت أغلبيتها بين 10 و40 عاماً تقريباً».

وأضافت «لكنني من خلال موقعي الالكتروني اتلقى بشكل يومي أحلام الناس واحتفظ بها أيضاً، لأنني بصدد انتاج كتاب يحمل فكرة الفيلم نفسها»، وعن الاختلاف بين أحلام الناس قالت «لم اصادف احلاماً متشابهة، لكن الأغلبية كانت تتحدث عن الرغبة في تحقيق اعمالهم الخاصة من خلال اقامة مشروعاتهم الخاصة»، مؤكدة «الفئات التي استجوبتها اختلفت حتى في الوضع الاجتماعي، فهناك من يعيش تحت خط الفقر وهناك من يعيش في قصور، ولكل منهم حلمه».

وقالت كيم التي يرافقها فريق عمل من مصورين وفنيين «هناك أحلام بسيطة كحلم رجل اربعيني بأن يصبح مغنياً، وهناك أحلام مؤلمة من امرأة تتمنى رؤية ابنتها، ومن اناس يحلمون الرجوع الى أوطانهم المحتلة، مثل كثيرين من الأرمن والفلسطينيين».

وعن السبب وراء اختيار 10 سنوات مدة تفصل بين البوح بالحلم وتحقيقه قالت كيم «اكتشفت أن ثمة خلية سرطانية تنمو في جسدي، فأدركت ان الحياة قصيرة، وعلينا أن نسرع في تحقيق احلامنا، و10 سنوات هي مدة كافية ووافية لكل من باح لي بحلمه وهي مدة كافية لإعطائه الفرصة بأن يكون منجزاً، وكافية لنغير العالم للأفضل، كما يحدث حالياً في اقطار عربية عدة مثل ما حدث في مصر وتونس».

وقالت «عندما انهي محادثتي مع الشخص عن حلمه، وأقول له إنني سآتي بعد 10 سنوات لأراه، فأنا عملياً أضعه أمام أمل يدفعه إلى الحياة».

تويتر