طبعة مسموعة من اللقاءات مرفقة مع النسخة الورقية

«الإمارات في ذاكرة أبنائها».. شكل الحياة قبل النفط

«الإمارات في ذاكرة أبنائها» أول كتاب يقدم صورة شاملة لإنسان الإمارات. أرشيفية

تدشن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، صباح غد، في منارة السعديات، الطبعة الجديدة من كتاب «فنجان قهوة: الإمارات في ذاكرة أبنائها»، للباحث الإماراتي عبدالله عبدالرحمن، الذي يُعدّ كتاباً مرجعياً مهماً بأجزائه الثلاثة، ويرصد فيه الكاتب تفاصيل الحياة في الإمارات في فترة مبكرة من عمر الدولة، ويستدعي فيه شكل الحياة قبل نحو ‬100 عام من اكتشاف النفط، عبر حوارات معمّقة مع رجال ونساء كبار في السن عاشوا في مختلف نواحي البلاد .

ولأول مرة تترافق الطبعة الجديدة لمجموعة من المختارات النموذجية من التسجيلات الصوتية لنخبة من التسجيلات الصوتية مع الرواة الذين قابلهم المؤلف لجمع مادة الكتاب، منشورة تحت السلسلة المعروفة بـ«الكتاب المسموع»، وهي لقاءات ممنتجة وفق أحدث التقنيات الفنية والإخراجية مع مؤثرات صوتية طبيعية، ومن الفنون الشعبية والأغاني والنهمات التراثية. وتتوافر التسجيلات الصوتية على أقراص مدمجة، وتحتوي على ‬26 ساعة صوتية لـ‬18 راوياً تمّ تسجيلها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وقد توفي أغلب هؤلاء الرواة.

وذكر المدير التنفيذي لقطاع المكتبة الوطنية بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، جمعة القبيسي «إننا نفخر بإعادة إصدار هذا الكتاب المهم بنسختيه المطبوعة والمسموعة، فهو يأتي ترجمة عملية للمهمة الوطنية التي تضطلع بها دار الكتب الوطنية، وذلك لإثراء المكتبة بمختلف المواد والمراجع التي تدعم حفظ التاريخ الاجتماعي لأهل الإمارات، ودعم عملية تدوينه والبحث فيه، كما أننا ندعم الباحثين والمؤلفين لتوجيه اهتمامهم نحو منطقة لاتزال بكراً لدحض التصورات الجاهزة والمسبقة عن إنسان المكان؛ فالباحث عبدالله عبدالرحمن يعد باحثاً متبحّراً في تدوين التراث، والذاكرة الشفاهية التي تشكل واقع الحياة الفعلي في المكان».

وقال الكاتب عبدالله عبدالرحمن «إنّ إصدار التسجيلات الصوتية التي استندت إليها في تأليف الكتاب يتيح الفرصة للجيل الحاضر لتلمس دبيب حركة الحياة في الأعماق البرية والبحرية، بأصوات أبطال الماضي وصنّاع التاريخ الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وتعد هذه التسجيلات نماذج علمية لأحد أساليب الجمع الميداني للتراث الشفهي، وهي وسيلة عملية للباحثين المتدربين للتعرف إلى طرق جمع وتوثيق الروايات الشفهية. كما أنها خطوة تشجع الأبناء على التواصل مع آبائهم وأمهاتهم لتسجيل ذكرياتهم توثيقاً للتراث والمأثورات والثقافة الشعبية بالتعاون مع الجهات المعنية لإنتاجها ونشرها بالوسائط المتعددة، كما أعتقد أن التسجيلات ستكون أجمل هدية لآبائنا وأجدادنا المعمرين للتذاكر والتفاكر والتناقش».

وكانت هذه التسجيلات الصوتية في الأصل حلقات إذاعية تحمل عنوان «مع الرواد في ذاكرة الزمن»، بُثت قبل سنوات عدة عبر إذاعتي أبوظبي ودبي، ولاقت صدى جماهيرياً واسعاً، ثم بقيت محفوظة في الأرشيف الصوتي في الإذاعات سنوات طويلة، بجانب النسخ الأصلية من التسجيلات الإذاعية القديمة التي احتفظ بها الباحث وكانت معرضة للتلف والنسيان، حتى جاءت مبادرة دار الكتب الوطنية في وقتها لإعادة إحياء هذه المواد الصوتية النادرة بالتعاون مع شبكة إذاعة أبوظبي.

خصص المؤلف الكتاب الأول للحياة الثقافية العامة، فتنقل بين مجالس كبار المثقفين من الرعيل الأول، ممن عرفت لهم مكانة خاصة في أوساطهم لانحدارهم من بيوت علم عريقة، أو عملهم قضاة أو ذيوع صيتهم شعراء أو كتاباً ومصورين، ففي مجلس الشيخ مجرن بن محمد المجرن يستعرض تاريخ العائلة الشهير و الممتد في سلك القضاء وعملهم على نشر العلم في الشارقة والعين في وقت انتشر فيه الجهل والفقر والمرض والاستعمار، ويكشف عن الوجه الآخر لخلف بن عبدالله العتيبة «ملك اللؤلؤ» كما يصفه، حيث أسس أول مدرسة في أبوظبي دامت ‬30 عاماً قبل التعليم النظامي، ويسلط الضوء على شخصية المطوع درويش بن كرم الذي عرفته أبوظبي معلماً وإماماً وخطيباً ومأذوناً وطبيباً شعبياً، ومن ثم مديراً لديوان الحاكم، وعدد من الخدمات الحكومية في الإمارة، ويتتبع تاريخ أول مجلة عرفتها الإمارات، التي أنشأها مصبح بن عبيد الظاهري من مقهاه الشعبي في العين، التي كانت تعرف بمجلة «النخي»، كما يدون المؤلف سيرة حياة ومأثورات سماحة الشيخ أحمد بن عبدالعزيز آل مبارك، سليل أسرة عريقة من المشايخ والعلماء اللامعين في منطقة الخليج، الذي قطن أبوظبي ورأس المناصب القضائية العليا فيها، وغيرهم من الشخصيات التي أسهمت في تشكيل المشهد الثقافي والمعرفي الغني في الإمارات في فترة مبكرة قبل الاتحاد.

أما الكتاب الثاني فقد خصصه المؤلف للحياة الاقتصادية، حيث يغوص مرة أخرى في ذكريات كبار السن ليقدم توصيفاً دقيقاً للواقع الاقتصادي حينها، الذي لم يكن يخرج عن الغوص وتجارة اللؤلؤ، إلى جانب الملاحة والأسفار الخارجية والنقل البحري، بالإضافة إلى الزراعة والري والثروة الحيوانية. في هذا القسم يظهر الوجه القاسي للحياة والمكابدات التي عاشها الأجداد لخلق مصدر رزق في وسط شحيح الموارد.ولم ينسَ المؤلف أن يفرد قسماً للمرأة فيقدم قصة حمامة بنت عبيد الطنيجي المداوية الشعبية، التي تصف مكابدات المرأة حينها من خلال العلل التي تعالجها وسط الصحراء، وتسرد حمدة بنت حميد الهاملي حفر النساء في أبوظبي لآبار المياه بأيديهن وتزويد السفن الذاهبة إلى الغوص بالماء العذب، وتروى موزة بنت جمعة بن عبيد فصولاً مدهشة عن حياة المرأة المزارعة في مشاركتها زوجها في تسويق المحاصيل في الأسواق البعيدة، فيما تتحدث فاطمة مبارك مدفون عن ذكرياتها في بيع السمك ومن ثم تجارة السخام وبعدها تجارة الأقمشة في دلالة عميقة على عمل المرأة في مهن عامة وسط مجتمع محافظ.

تويتر