جلسة في «تشكيل» تحلّق مع الصوت إلى عـــالم بعيد
«فــــنّ الإصــغـــاء».. ضجيج العالم مصدر للجمال
بين قوة الصمت وضجيج العالم مساحة شاسعة، تقود إلى التفكير بعمق في قيمة الأصوات المحيطة من الناحية الفنية والجمالية.. هذا ما حاولت أن تقدمه الجلسة النقاشية التي نظمت أخيراً حول «فن الإصغاء» في مركز «تشكيل» بدبي، والتي كانت البداية لإطلاق برنامج إقامة فناني الوسائط الجديدة، الذي يقيمه المركز ويستمر حتى أبريل المقبل.
برنامج يدير مركز «تشكيل» ثلاثة برامج لإقامة الفنانين الضيوف سنوياً، وتشجع هذه البرامج على تبادل الأفكار والخبرات بين مبدعين محليين وعالميين. وسيشرف كل من فاري برادلي وكريس ويفر على البرنامج. وسيشاركان في نوفمبر المقبل في ندوة الفن الإلكتروني الدولية بنسختها الـ20 في دبي. وفي يناير سينظمان معرضاً في مركز تشكيل، كما يعتزمان تقديم بعض الأعمال في «آرت دبي»، كون البرنامج سيستمر حتى أبريل المقبل. جون كيج تركزت الأفلام التي عرضت، خلال الجلسة، على تجربة الفنان الأميركي جون كيج، الذي يعد رائداً في هذا المجال وفي الموسيقى الكهروسمعية، إذ اشتهر باستخدامه غير التقليدي للآلات الموسيقية، كما كان من الشخصيات البارزة في المسرح الطليعي. ويعد كيج من الموسيقيين الذين تركوا تأثيراً واضحاً في الفن، وكان له دور فعال في تطوير الرقص الحديث في أميركا. تعد (33-4) من أشهر المقطوعات التي قدمها عام 1952، وتم أداؤها في ظل غياب الصوت المتعمد، فلا يقوم الموسيقيون القائمون بالعرض بالعزف، بل فقط المكوث في أماكنهم طوال الفترة الزمنية التي حددها عنوان المقطوعة، والمقصود بهذا العمل ليس الاستماع للصمت، بل للأصوات الصادرة من المحيط طوال مدة العرض وهي أربع دقائق، و33 ثانية. |
يتيح البرنامج الذي أطلقه مركز «تشكيل» الفرصة للفنانين لإثراء ممارساتهم الإبداعية، من خلال البيئة التي توفر تبادل الخبرات في إطار الممارسة والتجريب. وتم اختيار الفنانين: كريس ويفر، وفاري برادلي، ليقدما خبرتهما في مجال العمل الصوتي للتعريف بأهمية الأصوات وقيمتها الجمالية وأهمية الإصغاء لها. بدأ البرنامج عبر محاضرة حول «فن الاصغاء»، عرض الفنان من خلالها تجربتهما في العمل الإذاعي، والتي قادتهما إلى ابتكارات شتى في مجال الأصوات، ومزجها مع الموسيقى، كما عرضت مجموعة من الأفلام عن موسيقيين كانت لهم بصماتهم الواضحة في مجال دمج الموسيقى والآلات مع الأصوات الخارجية، ومن أبرزهم جون كيج، الذي عمد إلى تقديم الموسيقى عبر الآلات بتعديل صوتها بعد إضافة مؤثرات خارجية عبر وسائل لا علاقة لها بالموسيقى. ويضيف كيج قطعاً من الأخشاب أو المعادن إلى الأوتار الخاصة بالآلات الموسيقية فيتحول صوتها تماماً، بينما تقود الأفلام التي عرضت والتي كان هدفها إيضاح أهمية الإصغاء إلى اكتشاف الأصوات المحيطة، إذ تصبح هي الأساس في الإبداع.
كنا أبرزت الجلسة كيف يمكن أن يكون الصوت شكلاً من أشكال الفن، ويحلّق معه خيال المستمع إلى عالم بعيد، فيكتشف فيه أشياء جديدة وجماليات عدة، ويتم تغيير الأصوات من خلال الاستعانة بمواد بيئية عدة، أو أجهزة إلكترونية، فتظهر المواد ما نجهله عن الصوت، وتقود إلى تقييم جديد ومغاير عن مفهوم الضجيج، أو حتى الهدوء.
وقالت الفنانة البريطانية، ذات الأصول الإيرانية، فاري برادلي، لـ«الإمارات اليوم»، إن «ما نحاول تقديمه هو اكتشاف فن الإصغاء، لنقدم نمطه الفعّال الذي يمكن أن يقوم به المرء؛ عوضاً عن الإصغاء بالمصادفة، إذ من الممكن أن يستمع المرء إلى ضجيج، ويجده مزعجاً، لكن بالتركيز سيكتشف أن هناك أشياء تثيره»، مشيرة إلى أن المهمة الأساسية في فن الإصغاء هي أن نتحول من مستمع سلبي إلى مصغٍ إيجابي للأصوات الصادرة عبر مختلف أنواع الأصوات.
ولفتت برادلي إلى أن «تمرير ثقافة الإصغاء إلى الأطفال من الأمور اليسيرة، فالأطفال يتفاعلون مع ما نقدمه لهم، كما أنهم يستطيعون من خلال الأدوات ابتكار موسيقى جميلة، لكن مع الكبار الذين يتمتعون بحياة مليئة بالانشغالات يصبح الاستماع الى الأصوات المحيطة أمراً صعباً، رغم أنه من الأمور الممتعة». أما الفوائد التي تعود على المرء من الإصغاء، فتكمن في جعله أكثر هدوءاً وانتباهاً للتفاصيل، لأنه بحسب برادلي، تشغله أفكاره والتي غالباً ما تكون على صلة بالماضي أو المستقبل، بينما يقود الإصغاء المرء إلى الحاضر، فيصبح على صلة كبيرة بالمكان، وبالتالي يخفض صوت الأفكار التي تشغله، ويستمتع بما يصدر من جمال حوله. وشددت برادلي على أن الصوت يمكن أن يكون عملاً فنياً مستقلاً، معتبرة أن الصوت يؤثر في نظرتنا للمحيط، وكذلك من الممكن أن يكون هو الذي يقودنا.
من جهته، أوضح كريس ويفر أنه «بالعودة إلى طبيعة الموسيقى في السنوات السابقة، سنجد أنها دائماً في حالة تطور وتوسع، وهذا التوسع ينتج عن اكتشاف جديد واستخدام مبتكر للآلات وللصوت وللتكنولوجيا وكذلك أصوات البيئة، والإصغاء يحول الموسيقى من مفهومها المجرد إلى مفهوم واضح». وأشار إلى أن «الإصغاء يقود المرء إلى تقييم الصوت، فمن الممكن أن نعجب بالبيئة وجمالها وأيضاً صوتها، فصوت البحر على سبيل المثال يعد من الأصوات الجاذبة للناس». ولفت ويفر إلى أنه استفاد من العمل في الراديو، لأنه تماماً كالنحات الذي يعمل دائماً بيديه، فإنه يعمل على السمع باستمرار، وهذا ما يشكل لديه ابتكارات في هذا المجال.
ونوّه بوجود مجموعة من المهتمين بالصوت، الذين يسجلون أصوات الطبيعة ويقومون بدمجها، وهذا نوع من الفن، لأن المسألة ترتبط بالمفهوم والنظرة للفن. وأضاف أن هناك مجموعة من الذين ابتكروا موسيقى كاملة من الأصوات المحيطة والبيئة، وهناك فنانة حصلت على جوائز في استخدامها لصوتها علماً بأن صوتها ليس جميلاً، لكن استخدامها للصوت في المكان والمحيط هو الذي جعلها تبرزه جميلاً. واعتبر أن السمع هو الذي يؤمن التوازن في حياة الإنسان أكثر من الحواس الأخرى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news