بمشاركة أكثر من 640 شركة من 48 دولة على مساحة 39 ألف متر مربع

«أبوظبي للصيد والفروســـية».. قصة نجاح إماراتية لفتت العالم

المغفور له الشيخ زايد خلال زيارته المعرض في دورته الأولى. من المصدر

برعاية سموّ الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الغربية، رئيس نادي صقاري الإمارات، تنطلق صباح الأربعاء المقبل فعاليات الدورة الـ12 من المعرض الدولي للصيد والفروسية (أبوظبي 2014)، بدعم من لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في إمارة أبوظبي، وبتنظيم من نادي صقاري الإمارات وشركة «إنفورما» للمعارض، وبدعم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وبرعاية من مهرجان سموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان العالمي للخيول العربية الأصيلة، ومجلس أبوظبي الرياضي، وشريك قطاع أسلحة الصيد «توازن»، وذلك في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، ويستمر أربعة أيام.

الشيخ زايد كما وصفه باتريك سيل: يعرف كل حجر وكل شجرة وكل طائر

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/190688.JPG

وصف الصحافي البريطاني باتريل سيل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، عندما قابله عام 1965 بمدينة العين، حينما كان حاكماً لها، فقال: إن «الشيخ زايد يعرف كل حجر، وكل شجرة، وكل طائر يصل إلى منطقته، وفوق كل ذلك أنه يدرك أهمية المحافظة على كل نقطة ماء، ويحسن استثمارها، وهو شغوف بزراعة الأشجار، وفي ما يتعلق بوسطه الاجتماعي، فإنه لا ينظر إلى الصقارة كرياضة فردية مجردة، إنما يعتبرها فرصة للرفقة والأنس، وعلى غير ما جرت عليه العادة في بلدان العالم الأخرى، فإن الصقارة العربية ممارسة اجتماعية، ولمهارته في الصقارة على طريقته الخاصة، أصبح قريباً من قلوب وعقول مواطنيه، لقد كانت صلة المودة التي ربطته بشعبه أحد أسباب تلك المحبة والشهرة اللتين لم يحظَ بهما قائد آخر في المنطقة بأسرها».


برنامج زايد لإطلاق الصقور

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/190868.jpg

أرسى الشيخ زايد تقليد إعادة إطلاق العديد من صقوره إلى البرية في نهاية موسم الصيد، حيث بدأ برنامج زايد لإطلاق الصقور في عام 1995، وأطلق المئات من صقور الحر والشاهين، التي نجحت في العودة إلى حياتها البرية الطبيعية، بعد إطلاقها على مسار هجراتها الأصلية في باكستان وأواسط آسيا.

في حياة زايد، وحتى بعد وفاته، حباه الله بتقدير وثناء العالم، لعبقرية قيادته وعظم إنجازاته في بناء مجتمع متطور ومتجانس ومتسامح في دولة الإمارات. أما الصقارون في مختلف أنحاء العالم فهم أيضاً متمسكون بالحب والوفاء له، ولعطائه الكبير لهذه الرياضة التي ارتقى بها إلى فن تراثي أصيل، أحبه وأتقنه وتفرد فيه، وأضفى عليه الكثير من أياديه البيضاء، وروحه المحبة للطبيعة والحياة البرية.

وتعقد اللجنة العليا المنظمة للمعرض مؤتمراً صحافياً اليوم في أبوظبي، للإعلان عن تفاصيل الدورة المرتقبة، والجديد فيها وبرامج الأنشطة والفعاليات، والتحاور مع ممثلي وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية.

وأكد رئيس اللجنة العليا المنظمة مستشار الثقافة والتراث في ديوان سمو ولي عهد أبوظبي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، محمد خلف المزروعي، أنّ «الإمارات وبتوجيهات من قيادتنا الرشيدة، لم تألُ جهداً في دعم مشروعات الحفاظ على التراث، وصون ركائزه التي تعد جزءاً مهماً من ثقافتنا وتاريخنا العريق، وفي مقدمتها: الصقارة، والفروسية، والحرف اليدوية، والفنون الشعبية، والبيئة البرية والبحرية».

ونوّه بأنّ الإمارات قد تمكنت من تحقيق نجاح مبهر في مجال صون عناصر التراث غير المادي، حيث حصلت الصقارة في عام 2010 على أرقى وأهم اعتراف عالمي كتراث ثقافي إنساني، باستيفائها الشروط والمعايير الدولية كافة، لاعتبار عنصر من العناصر الثقافية تراثاً أصيلاً ومتميزاً، يعبّر عن اعتزاز الدول والجماعات والأفراد به، باعتباره أحد المكونات الرئيسة لثقافتهم وهويتهم، حيث أدرجت منظمة (اليونسكو) الصقارة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

وأكّد المزروعي أنّ «إنجاز ملف الصقارة، بالتعاون مع جهات حكومية عدّة، وبالتنسيق مع 12 دولة عربية ودولية على مدى أكثر من خمس سنوات، باعتبار الصقارة نموذجاً من التراث الدولي الإنساني المشترك بين دول العالم، يُلبي توجهات قيادتنا الرشيدة ممثلة في صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، والفريق أول سموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في دعم كل جهد دولي يسهم في حماية التراث الإنساني، وتوفير أسس التعاون المشترك بين مختلف الشعوب والحضارات، وكل ذلك في إطار استراتيجية الحفاظ على التراث الثقافي العريق لإمارة أبوظبي».

وكانت الإمارات قد بدأت اهتمامها بصون الصقارة كتراث إنساني منذ عام 1976 بشكل خاص، وذلك عندما نظمت أبوظبي أول مؤتمر دولي للحفاظ على الصقارة وصونها، بتوجيهات من المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في إطار اهتمامه المعروف والمشهود له عالمياً بتراثنا العربي الأصيل، الذي يمثل قيمنا وعاداتنا وهويتنا الوطنية.

وينظر إلى اهتمام الإمارات بالتراث عموماً، وتراث الصقارة خصوصاً، على أنه من الوسائط الفاعلة التي تسهم في مدّ الجسور بين الشعوب، وفي تعزيز سبل التقارب والحوار بين الثقافات الإنسانية المعاصرة، انطلاقاً من رؤية القيادة الرشيدة للدولة.

وشهد المعرض على مدى دوراته الـ12 تطوراً كبيراً، إذ أقيمت دورته الأولى عام 2003، بمشاركة 40 شركة من 14 دولة على مساحة 6000 متر مربع، وحضر فعالياته أكثر من 45 ألف زائر، ووضعت تلك الدورة الدعائم الأساسية لنجاح المعرض المتواصل على مدى السنوات الماضية، خصوصاً أنها تشرفت بزيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الداعم الأساسي لجهود صون التراث والمحافظة عليه كافة.

واليوم في الدورة الجديدة (أبوظبي 2014)، يُشارك في المعرض أكثر من 640 شركة من 48 دولة على مساحة 39 ألف متر مربع، ليتضاعف عدد العارضين المشاركين 16 مرّة، ومساحة المعرض بما يُقارب سبعة أضعاف.

وذكر رئيس اللجنة العليا المنظمة للمعرض وعضو مجلس إدارة نادي صقاري الإمارات، محمد خلف المزروعي، أنّ «تشريف المعرض في سبتمبر 2003 بزيارة المغفور له الشيخ زايد، أكد حرصه، رحمه الله، على مشاركة أبنائه المواطنين وأبناء دول مجلس التعاون الخليجي فى هذا الحدث التراثي المهم، إذ تركت تلك الزيارة التاريخية للمعرض معاني جميلة في نفوس جميع العارضين وهواة الصيد والقنص».

واستشرف الشيخ زايد مبكراً الحاجة إلى إحداث توازن بين الحفاظ على التراث العريق للصقارة والصيد بالصقور، وبين التأكد من بقاء الصقور وطرائدها في البرية على المدى البعيد، وتوصلت رؤيته المتفردة إلى ما عرفه حماة الطبيعة المعاصرون لاحقاً بالصيد المستدام، وبذلك فإن الشيخ زايد لم يسبق جيله فقط، لكنه تفوق بمراحل بعيدة على دعاة حماية الطبيعة العالميين. وبمنتصف الثلاثينات من القرن الماضي، أصبح الشيخ زايد الصقار صاحب الدور الريادي في المحافظة على الطبيعة من منطلق رؤية شاملة، تهدف لبناء المجتمعات الصديقة والحياة الفطرية.

وعلى المستوى الاجتماعي جسد زايد دون منازع الصورة المثالية للصقار العربي، وذلك لصدق حدسه ومعرفته الواسعة بالطبيعة، ما مكنه من الفوز بإعجاب وحب أفراد مجتمعه البدوي.

كما أدخل الشيخ زايد جانباً إنسانياً في مفاهيم رياضة الصيد بالصقور، التي اعتبرها تراثاً لا يقدر بثمن.

وبمواصلة شغفه بالصقارة، نمت مهارات الشيخ زايد الفائقة والمنقطعة النظير، كما وصفها بذلك المستكشف البريطاني السير ولفيريد زيسقير، الذي شاركه الصيد قبل 50 عاماً.

ومثل زايد لدعاة حماية الطبيعة قيماً خالدة من منطلق قناعاته وتجاربه، لقد أحب الطبيعة والحياة البرية على نحو غير مسبوق، ومن أهم مبادرات الشيخ زايد في هذا المجال تنظيم مؤتمر الصداقة العالمي الأول للبيزرة، والمحافظة على الطبيعة في مدينة أبوظبي في أواخر عام 1976.

وكان المؤتمر منطلقاً حقيقياً للاستراتيجية التي وضعها الشيخ زايد، بهدف حشد الصقارين ليكونوا في طليعة الناشطين أصحاب المصلحة الحقيقية للمحافظة على الطبيعة.

وشهدت الجزيرة العربية، في ذلك الوقت، ظهور الصقور المكاثرة في الأسر في أوروبا، ليبدأ نهج جديد سلكه معظم صقاري الإمارات اليوم باختيارهم للصقور المنتجة في الأسر، وتفضيلها على استخدام الصقور البرية، الأمر الذي يقلل تأثير ضغوط رياضة الصيد بالصقور على المجموعات البرية. وفي مستهل الثمانينات، قام الشيخ زايد بإنشاء مستشفى الصقور بالخزنة، خارج مدينة أبوظبي، ثم تم في ما بعد إنشاء مستشفى أبوظبي للصقور عام 1999.


ظاهرة ثقافية فنية تراثية بيئية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/190691.jpg

المعرض الدولي للصيد والفروسية حدث سنوي نوعي تنظمه أبوظبي، استحق الأهمية لتميزه وجماهيريته، وارتقى إلى كونه ظاهرة ثقافية فنية تراثية بيئية، لا يغيب عنها الطابع الاقتصادي الذي لابدّ منه، لضمان الاستمرارية لكل حدث بغضِّ النظر عن نبل أهدافه، وهذا ما تمكن المعرض من تحقيقه، حيث أصبح حديث المنطقة بأسرها، وامتاز بعقد الصفقات والعقود الضخمة، وفي الوقت نفسه كان السعي إلى التوعية بمفهوم الصيد المستدام من أول اهتمامات المنظمين للحدث، الذين يحرصون كذلك على أن يخرج المعرض بأفضل صورة تليق بإمارة أبوظبي، والمكانة التي تبوأتها على المستوى العالمي. وبات المعرض يمثل فرصة نادرة إقليمياً وعالمياً للترويج للصيد المستدام، ويشكل ملتقى لدعاة المحافظة على البيئة ولهواة الصيد وللشعراء والفنانين، في ظل المكانة المتميزة التي يحظى بها عالم الصقارة والفروسية التراثي لدى أهل الجزيرة العربية.

تويتر