لوحات الخطيب و«عود» غالي احتفلت بكلمات عبدالإله عبدالقادر

«شخابيط وألوان» وموســــيقى.. في «العويس»

«شخابيط وألوان» تجربة إبداعية فريدة استضافتها «العويس» جامعة بين كتابات لعبدالإله عبدالقادر وريشة إحسان الخطيب وعزف موسيقي. تصوير: أسامة أبوغانم

ثلاثة أجناس إبداعية قوامها الكلمة والألوان والموسيقى اجتمعت لتلاحق وجدانيات الأديب العراقي عبدالإله عبدالقادر، الذي يعد أحد رموز المشهد الثقافي المحلي من خلال إبداعاته وإسهاماته المتعددة، خصوصاً عبر مؤسسة العويس الثقافية التي شهدت جانباً كبيراً من زخم عطائه المتجدد.

الغياب القسري عن المشهد الثقافي لأشهر متعاقبة لأسباب تتعلق بحالته الصحية، ثم العودة مجدداً، كان سبباً رئيساً في الإسراع إلى إنجاز هذا المشروع الفني الذي استضافته مؤسسة العويس الثقافية بعنوان «شخابيط وألوان»، ليعود معها ألق فعاليات غابت عن مؤسسة العويس الثقافية بشكل ملحوظ في المرحلة الأخيرة.

عبدالغفار حسين: خلجات قلب

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/209100.jpg

الأديب عبدالغفار حسين بدا أكثر حضور فعالية «شخابيط وألوان» معايشة لأجوائها الخاصة، وكان الأقرب دوماً لعبدالإله عبدالقادر أثناء إلقائه بعضاً من مضامينها.

وبحس نقدي رأى أن ما يحتويه المعرض ليس شخابيط على الإطلاق، مضيفاً: «هي ليست شخابيط، بل هي خلجات قلب، مصاغة بإبداع مدهش، وحس مرهف». وأبدى عبدالغفار إعجاباً ملحوظاً بالخيالات الجامحة التي حملتها كلمات عبدالإله عبدالقادر، والتي سعى إحسان الخطيب لمعايشتها ومواءمتها بالألوان على سطح الأوراق ذاتها التي خطت عليها، في تجربة إبداعية فريدة.


عبدالإله عبدالقادر: ليست شعراً أو نثراً

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/10/209104.jpg

رفض عبدالإله عبدالقادر تصنيف محتوى إبداعاته التي تم الكشف عنها، وقال لـ«الإمارات اليوم»: «هي ليست شعراً وليست نثراً، بل هي (شخابيط)».

وأضاف: «البعض يفضل عدم تصنيف إبداعه كنوع من أنواع التواضع، لكن ليس هذا مرادي، ولم أختر اسم شخابيط كغمز في قناة التواضع، بل لأنها بالفعل نتاج لا أراه مصنفاً، ولا يجب التعامل معه في إطار جنس أدبي بعينه».

وحرص عبدالإله على إلقاء جانب من «الشخابيط» للحضور في مشهد بدا كأنه يستعيد عبره زمن إبداعه الذي امتد من تسعينات القرن الماضي، حتى قبيل أشهر قليلة، وفي سياقات كثيرة التباين.


إحسان الخطيب: ألواني تحتفي بقامة

قال الفنان العراقي د.إحسان الخطيب، إنه فخور بأن يجمعه هذا العمل بعناوين من مخيلات د.عبدالإله عبدالقادر، مضيفاً «أردت بهذا العمل في هذا التوقيت أن أحتفي بطريقتي كفنان تشكيلي من خلال الألوان، بهذه القامة الأدبية والإنسانية المعطاءة، فقد كان غيابه عنا ستة أشهر بسبب المرض مؤثراً، فلتذهب الجرثومة اللعينة إلى الهلاك، وليكتب الله الشفاء له».

وأضاف: «على الرغم من ذلك فهذا المشروع تأخر كثيراً، وكنت أحصل على النسخ الأصلية للأوراق التي تشهد هذا البوح تباعاً وأقوم بمعايشة أجوائها، والتحليق في سماء خيالاتها، ثم أقوم بحفظها في ألبوم خاص، إلى أن قررت انجاز هذا المشروع على نحو متسارع، لأقول عبره لصديقي الحميم «ما تشوف شر».

واختار الخطيب الألوان المائية لإنجاز ما اعتبره مهمة خاصة، ليس بسبب عصيان المحتوى، بل بسبب كونها تغوص في أعماق مخيلة ثرية. وعلى الرغم من أن الخطيب لديه تجارب أخرى في مرافقة ألوانه للشعر والكلمة الكثير منها بالأبيض والأسود، ومعظمها غزلي وباللهجة العراقية، إلا أنه رأى أن تجربته مع «شخابيط وألوان» متفردة بسبب «روح» عبدالإله التي صبغت العمل بشخصيته الأدبية.

ورغم الإحالة الثنائية للعنوان «شخابيط وألوان»، إلى الكلمة والتشكيل، فإن كلمات عبدالإله عبدالقادر، التي رافقتها ريشة الفنان التشكيلي العراقي د.إحسان الخطيب، رافقتها أيضاً الموسيقى، عبر عزف منفرد على العود لعبدالنور غالي، ليكتمل المشهد الفني المبحر في وجدانيات عبدالإله عبدالقادر، على نحو ابتعد بالحدث عن النمطية والتقليدية، إلى فضاء رحب يغوص بالمتلقي في دواخل ما تحيل إليه الكلمات، وبتأثير بناء للألوان والموسيقى، خصوصاً الأولى التي سعى حسان الخطيب إلى تشكيلها لتلاحق تجسيد الخيالات الجامحة والصور الهائلة التي تداعت بها.

قراءات عبدالقادر لتلك الوجدانيات وحرصه على أن يكون صوته مسموعاً أثناء تفقد الحضور للوحات كانت بمثابة سحر إضافي، يرسخ فرادة التجربة، فما بين لوحة وأخرى تمازجت فيها الألوان بالكلمات، يستعيد الأديب الكلمات التي أبدعها عبر سنوات امتدت من تسعينات القرن الماضي، وحتى قبيل أشهر قليلة، فيما بدأ مشوار التشكيل على الأوراق الأصلية ذاتها التي كتب عليها الأديب كلمات هي أقرب للبوح الذاتي، دون أن يدري حينها أنها ستكون محل هذا الاحتفاء قبل ثلاث سنوات.

من هنا فإن جميع الأعمال التي ازدان بها بهو العويس جاءت في إطار من اللوحات التي حاكت أصل الأوراق، في 73 عملاً مختلفاً، تم التعامل معها بأسلوب خاص في الحفظ، فيما تم طباعة مجلدات فاخرة أتيحت للجمهور، بتوقيع عبدالإله عبدالقادر الذي قال في مقدمته:

من يوم اتعلمت.. الحرف

شخبطت.. دفاتر.. أوراق

سودت الليالي بالسفر

والهجرة.. للواق.. واق

نامت العين.. وظل «الكلب» سهران

واشعر برحة وحلم..

وتصير شخابيطي.. صور

حيث جاء بوح عبدالإله بلهجته العراقية كما أرادها، وهو ما يظهر بشكل واضح في القاف العراقية، وغيرها من مخارج الحروف، التي ابتعدت تماماً عن التأثر بغيرها، لتظل «عراقية» خالصة، وهي الهوية التي حافظ النتاج الكلي للتجربة عليها من خلال ريشة مواطنه الفنان العراقي د.إحسان الخطيب.

هذه الرائحة القادمة من دجلة والفرات وبغداد والبصرة والموصل، ومختلف المدن العراقية، تظل حاضرة دوماً مع الأديب، حتى على سرير المرض، وأيام ضعف الجسد ووهنه:

رواق المستشفى طويل..

طويل..

وبارد..

جسده مسجى على النقالة

ولا عزاء.. إلا حزن العيون

ونخل البصرة المحروقة تيجانه

والصواري المصلوبة على ساحل العرب

العاطفة والرومانسية الحالمة تبقى حاضرة بشكل لافت في هذه الوجدانيات، وفي بعض محتواها يقدم عبدالإله إجابات مباشرة عن مضامينها، على الرغم من حرصه على تذييل كل كلمة بمكان وزمان محددين، إذ تؤشر معظمها إلى أنها كتبت بشكل خاص في إمارة الشارقة:

لا تسأليني..

عمن أنا أكتب..

هي تجربة

ومتعة..

وأحاسيس وعواطف

يمكن تكون عنك

ويمكن لا..

ما تكون

منين هيّ..؟

شلون لون عيونها شعرها.. طولها.. اوصافها

تظل الحالة مجهولة

إلى أن يفك الله حبسها

الاحتفاء بتجربة عبدالإله كان هو عنوان هذه الفعالية التي شهدت إقبالاً ملحوظاً من أدباء وفنانين حرصوا على اقتناء نسخة من هذا العمل، المفعم برائحة العراق عموماً، وروح عبدالقادر خصوصاً، فيما جاءت ريشة د.إحسان الخطيب لتتعقب هذا البوح، الذي بدا أن صاحبه ظل متردداً في الكشف عنه، حتى منذ اللحظة الأولى لإبداعه، وهو ما يتبدى في الأسطر الأخيرة من المقطع السابق، وغيره من الأعمال التي تتضمنها «شخابيط وألوان».

تويتر