المخرج والمؤلف كرّرا ثنائيتهما للمرة الثالثة خلال المـــهـــرجان

«بقع» علــى خشبة «الشباب».. دراما أخطأت المرسَل إليه

صورة

الثنائيات الناجحة لا تقبل التكرار دائماً، والتنوع مهم لإثراء تجربة المخرج أولاً، تلك هي إحدى المقولات المستخلصة من عرض «بقع» لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث، الذي استضافته خشبة ندوة الثقافة والعلوم، مساء أول من أمس، ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة الثامنة لمهرجان دبي للشباب، الممتد حتى الـ20 من الشهر الجاري، برعاية هيئة دبي للثقافة والفنون.

محسن محمد: الفكرة لم تصل

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/222826.jpg

قال المسرحي القدير محسن محمد، الذي يشير إليه العديد من الممثلين الإماراتيين باعتباره ملهماً أساسياً في مسيرتهم الفنية، إن الفكرة لم تصل للمتلقين الأكثر أهمية لأي مخرج، وهم «الجمهور».

وتابع لـ«الإمارات اليوم»: «المتخصصون ربما وصلتهم تأويلات مختلفة، لكن كان من المهم وجود مساحة يؤكد من خلالها المخرج رؤيته على المستوى الفكري، كي لا يظل العمل عصياً على التأويل».

ورأى محسن محمد أن مرتضى جمعة صبّ جلّ مجهوده على المشهدية، ولم يُعر الاهتمام المناسب لأهم مفردات العمل وهو أداء الممثلين أنفسهم، مشيراً إلى أن أداء استادي كان الأفضل على الخشبة، في حين رأى أن أداء أصغر الممثلين عبدالله المهيري بمثابة مؤشر لنبتة جيدة، لكنه كانت لديه ملاحظات عدة على أداء سائر الممثلين، وافتقارهم الى التنوع والتلون المطلوب.


شيخة البدر: مبالغات في الندوة التطبيقية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/222825.jpg

قالت الفنانة البحرينية، شيخة البدر، إنها حزينة على تلك المبالغات التي أصبحت تضج بها الندوات التطبيقية، واصفة إياها بأنها تحولت إلى ساحة مجاملات وردّ مجاملات بين البعض. وتابعت: «لا يمكن أن يكون هناك تسامح مع أخطاء اللغة ومخارج الحروف، لأن إجادتها بمثابة الأدوات الأولى للممثل، ويجب أن يسبق مرحلة إسناد أي عمل يقف به مجموعة من الممثلين أمام الجمهور دورات تأهيلية على مستوى فني عالٍ». لكن البدر رغم ذلك رأت أن المهرجان الشاب فرصة لتدارك الأخطاء، بشرط ألا تكون تلك الأخطاء من أولويات عمل الممثل، كي يحافظ المهرجان على ألقه الفني وجاذبيته للجمهور الذي أصبح أكثر وعياً بهذه الفنيات أكثر من أي وقت مضى.


الدلاتي: سأكون صريحاً

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/222827.jpg

إحساساً منه أنه يخالف تقاليد «الندوات التطبيقية» السائدة، قال الممثل رائد الدلاتي: «سأكون صريحاً وليسامحني أصدقائي، مرتضى لم يحسن تفكيك النص، ولم يتجاوز القراءة الأولى للشخصيات، وأستثني قليلاً الممثل إبراهيم استادي». وأضاف: «كان من واجب المخرج أن يكون أكثر عمقاً، كما أنه من واجب استادي، الذي يمتلك تجارب أكثر من زملائه، أن يرتفع بأداء سائر الممثلين، ولا ينجذب إلى المساحة ذاتها التي قبع فيها أداؤهم». وكرر الدلاتي اعتذاره لزملائه، مشيراً إلى أنه تردد فيما إذا كان من الأفضل أن يقول رأيه هذا علانية، أم لكل منهم على انفراد، لكنه فضّل الأول لتعمّ الفائدة.

ويخوض المخرج الشاب مرتضى جمعة تجربته الرابعة مع المهرجان، كانت ثلاث منها مع الكاتب نفسه، وهو المؤلف العراقي أحمد الماجد، وبإغواء النجاحات السابقة للنصوص الثلاثة، التي وصلت بسهولة إلى منصة تتويج المهرجان، أصرّ جمعة على الثنائية ذاتها، التي لم تؤدِّ هذه المرة إلى النتائج ذاتها، لأن جمعة، حسب تأكيد المؤلف نفسه، كان بحاجة إلى الإبحار في متون «نص آخر»، أو حتى نص لـ«آخر»، لكسر تكرار تلك الثنائية.

نص فلسفي وذو تأويلات لم تكن مباشرة، وكان بحاجة إلى رؤية إخراجية مغايرة، ومعالجات تواكب كم الإسقاطات غير المباشرة التي تخللته، فبدلاً من أن يحيا النص بترجمته إلى دراما، كانت القراءة الأدبية له أكثر إمتاعاً، بسبب تلك الفجوة النفسية بين دلالات النص، وأداء الممثلين الذين حركهم المخرج.

البداية الموفقة للعمل، من خلال تسليط بؤرة المشاهدة على منطقة وحيدة مشعة، لا تلبث أن تتسع لتحيط مجموعة الشخصيات المتصارعة، الذين يجرون المشاهد إلى تفاصيل حوار بين ملابس متنوعة، تسخر من كل شيء، حتى ذاتها، وتخوض صراعاً على مستويين، أحدهما ذاتي تنهزم فيه نفسياً، والآخر خارجي، تتكرر فيه الهزيمة دوماً، ولكن في سياق جمعي هذه المرة.

عالم الملابس في «بقع» لا يختلف عن عالم البشر، بل هو يطابقه، و«المغسلة» التي تنتظر الجميع، هي الحياة بشتى صنوف «تعاستها»، فيما «حبل الغسيل» يبقى بمثابة مصير لا مفر منه، يبقى بمثابة مرحلة قد تتحول معها الملابس الزاهية إلى «بالية»، وقد تتشرذم، فتصير قطعاً توظف في أغراض دنيا، بعد أن كانت يوماً ثياب عروس، أو بذلة «مقاتل»، أو حتى تحفة مزركشة تعكس ذوقاً وفناً وأصالة.

نبرة جلد الذات والسخرية اللاذعة من الأنا وحتى من الآخر، الذي يدخل في زمرة «الأنا» الجمعية عالية جداً في «بقع»، لكن أداء الممثلين لم يكن على القدر ذاته، ما جعل المتلقي في كثير من الأحيان بعيداً عن سياق تطور الصراع، باستثناء أداء إبراهيم استادي، الذي قام بدور «القديم»، الذي يتسلط دائماً على سواه من الملابس، باعتباره أكثرهم قدماً، على الرغم من أن تراتبية الملابس تختلف عن التراتبية الرسمية، فيغدو الحديث والجديد فيها هو الأعلى قيمة.

أداء استادي، الذي اعتاد المشاركة في مهرجان دبي لمسرح الشباب، كان بمثابة فرصة للتوقف عن سماع مشكلات مخارج الألفاظ، والأخطاء في الفصحى، لكنه كان أكثر انفعالية في بعض المواقف مما يتطلبه السياق التمثيلي.

في المقابل، لم تكن الممثلة إلهام محمد هي الأنسب لتقمص دور قطعة ملابس نسائية، وكنا نتوقع أن يتم اختيار ممثلة أخرى أكثر قدرة على الحركة الرشيقة على المسرح، بحيث تكون إيحائياً أكثر مناسبة لطبيعة الدور، وأكثر قدرة على تمثل التلون والتبدل الذي يتطلبه.

وفيما قدم أصغر الممثلين في هذا العمل، عبدالله المهيري، أداءً يبشر بأنه ممثل قادم، لم يكن عقيل طاهر مقنعاً في دور ملابس «العسكري»، وكان الجمهور بانتظار حل لم يأتِ مع دخول آخر الممثلين انضماماً إلى «بقع» على المسرح، وهو الممثل علي الحيالي، الذي أدى دور الملابس «السوداء».

وتباين حضور السينوغرافيا بشكل واضح، وحاولت الإضاءة مواكبة التبدلات النفسية للشخصيات والأحداث، لكن الموسيقى التي جاءت ناجحة في المستهل، أصبحت في بعض الأحيان أعلى حضوراً من أداء الممثلين، فخرجت عن وظيفتها المساعدة، فيما جاءت الأزياء بمثابة تجربة أولى للممثلة الشابة نصرة المعمري، التي أشارت إلى اقتناعها بمفهوم «الممثل الشامل» القادر على أداء مهام أخرى خلف الخشبة.

وجاءت الندوة التطبيقية، التي أدارها الفنان الشاب حميد المهري، وضمت مخرج ومؤلف العمل، مقتضبة وأقل زخماً من حيث عدد المداخلات ومساحتها، بتأثير من فكرة المسرحية التي بدت وكأنها بمثابة رسالة ضلت الطريق إلى المرسل إليه.

تويتر