يعرض تاريخ الإماراتيين وتجذّر ثقافتهم بتقنيات حديثة

مهرجان زايد.. مقتنيات التــراث الجبلي العريق

فعاليات الافتتاح شهدت مراسم رسمية وشعبية فاقت التوقعات. أرشيفية

تتواصل فعاليات مهرجان الشيخ زايد التراثي 2014 في منطقة الوثبة بإمارة أبوظبي، الذي يمتد على مدار 22 يوماً، مع تزايد ملحوظ من قبل الزوار الذين يتوافدون بالآلاف يومياً إلى المهرجان، للاطلاع عن كثب على مقتنيات التراث الإماراتي العريق، وبيئاته ومكوناته الغنية، التي تعكس أصالة هذا الشعب، وتجذر ثقافته في هذه الأرض الطيبة، التي تمتد إلى مئات السنين، وقد افتتح المهرجان أبوابه أمام الزوار يوم 20 نوفمبر الجاري، حيث شهدت فعاليات الافتتاح مراسم احتفالية رسمية وشعبية فاقت التوقعات.

وينعقد مهرجان الشيخ زايد التراثي 2014 تحت رعاية سامية من صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ودعم من الفريق أول سموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

طرق تفاعلية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/230743.jpg

وظفّت التقنيات الحديثة لتنقل إلى الزوار مآثر وعادات وتقاليد هذا الشعب الأصيل بطريقة تفاعلية لتبقى حية في ذاكرة الأجيال، بحيث يستطيع الزائر الدخول إلى كل بيئة على حدة والتعرف إلى تفاصيلها المختلفة، إذ حفلت كل بيئة بمبانيها ومقتنياتها ومعارضها التي ميزتها عبر العصور بطريقة ممتعة تنقل بشكل مبتكر واقع البيئة كما كان.


ذائقة معمارية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/230744.jpg

تتميز البيوت في المناطق الجبلية بتكيفها مع الظروف الجوية، ما يدل على الذائقة الكبيرة في الفن المعماري التقليدي الذي حظي به أهل المنطقة، حيث تميزت تلك البيوت بسماكة جدرانها، علاوة على دقة تصميمها واتجاهاتها وطريقة التهوية فيها.

ويحظى المهرجان بمتابعة سموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة.

وقد سعت اللجنة العليا المنظمة للمهرجان أن يكون الإعداد والتنظيم مبتكراً وعصرياً إلى أبعد الحدود، بهدف إظهار التراث الإماراتي وثقافة أهله بصورتها الواقعية الصادقة بعيداً عن التكلّف، حيث وظفّت التقنيات الحديثة بطرق رائعة لتنقل إلى الزوار مآثر وعادات وتقاليد هذا الشعب الأصيل بطريقة تفاعلية لتبقى حية في ذاكرة الأجيال، بحيث يستطيع الزائر الدخول إلى كل بيئة على حدة والتعرف إلى تفاصيلها المختلفة، إذ حفلت كل بيئة بمبانيها ومقتنياتها ومعارضها التي ميزتها عبر العصور بطريقة ممتعة تنقل بشكل مبتكر واقع البيئة كما كان سابقاً.

وتظهر البيئة الجبلية ضمن مكونات المهرجان بحُلتها البهية، وغناها بالمكونات والمقتنيات التي أثْرت المهرجان بتنوّعها، وعبّرت بكل صدق عن إرث حضاري وثقافي تمتعت به تلك المناطق، يضاف إلى المكونات التاريخية الأخرى التي تحظى بها دولة الإمارات وشعبها الأصيل، والتي ترسّخت في هذه الأرض الطيبة عبر مئات السنين.

وقد جرى تقديم البيئة الجبلية ضمن موقع المهرجان بطريقة واقعية، حيث تم تشييد المباني بالأسلوب المعماري القديم، وبشكل يماثل تماماً البيوت التي كانت قائمة على قمم الجبال منذ القدم في المناطق الجبلية، وبأدق التفاصيل، لتنقل صورة حقيقية عن الواقع الذي يمثل حقبة تاريخية عريقة،

ومازال الكثير من تلك المباني قائماً إلى يومنا هذا في تلك المناطق الجبلية.

ومن المعروف أن المباني ضمن أي بيئة يتم تشييدها عادة بالمواد المتوافرة في المنطقة ذاتها، لذا فقد شيّدت مباني البيئة الجبلية ضمن مهرجان الشيخ زايد التراثي، بالمواد نفسها التي شيدّت بها في مناطقها الحقيقية، وهي الحجارة التي تجلب من جبال المنطقة نفسها، إضافة إلى الطين والتبن الذي كان يستخدم قديماً للربط بين الأحجار، وتسقف بالجريد، أو الأخشاب، حيث حفلت ساحة البيئة الجبلية بعدة أنواع من البيوت بأحجامها الطبيعية، والنمط المعماري نفسه.

وما يميز البيوت في المناطق الجبلية تكيفها مع الظروف الجوية، ويدلل ذلك على الذائقة الكبيرة في الفن المعماري التقليدي الذي حظي به أهل المنطقة، حيث تميزت تلك البيوت بسماكة جدرانها، علاوة على دقة تصميمها واتجاهاتها وطريقة التهوية فيها، فهي تمنح أهل البيت نوّعاً من الدفء خلال فصل الشتاء، والبرودة في فصل الصيف، كما كان للطابع الإسلامي أثر مهم في التصميم، فهو يوفر التهوية الباردة لغرف البيت المفتوحة على ساحته الداخلية. ويبرز «مسجد البدية» في ساحة البيئة الجبلية كأحد أهم المعالم التاريخية التي بقيت شاهداً حياً حتى وقتنا الحاضر، حيث يمثل هذا المسجد إرثاً تاريخياً إسلامياً يربو على 500 عام، ومازالت تقام الصلاة فيه حتى يومنا هذا، وقد بني مسجد البدية ضمن موقع مهرجان الشيخ زايد التراثي بالطريقة المماثلة تماماً، والمواد نفسها التي بني بها المسجد الأثري في منطقة البدية في إمارة الفجيرة، إلا أن المسجد في موقع المهرجان أصغر في الحجم، وكذلك تقام فيه الصلاة، حيث بني المسجد من الحجارة الكبيرة والصغيرة المتوافرة في المنطقة، واستخدم الطين المحروق والمخلوط بالقش أو التبن لربط الحجارة، ويعلوه أربع قبب توزعت على أركانه، وفي الوسط عمود يحمل السقف، ويحتوي على منبر ومحراب للإمام، ويمكن للزوار الصلاة داخل المسجد والإطلاع عن كثب على هذا المعلم التاريخي بأدق التفاصيل، علاوة على الصور والمعلومات التي سيوفرها المعرض التي تشرح عملية بناء المسجد وتاريخه العريق.

وتزخر ساحة البيئة الجبلية كذلك بالمعارض والمتاحف التفاعلية التي أضفت رونقاً جذاباً على موقع المهرجان، فبالإضافة إلى المباني التاريخية ومسجد البدية العريق، حفلت الساحة بمعرض «الصقر»، إذ يحظى هذا الطائر بأهمية كبيرة لدى أبناء المنطقة منذ القدم، ويعد إرثاً تاريخياً ورفيقاً للصيد منذ مئات السنين، حيث اهتم أبناء المناطق في عموم الإمارات بهواية الصيد باستخدام الصقور، ويعلم الكثير منهم طريقة تربيتها والتعامل معها، وقد شارك نادي أبوظبي للصقارين في جناح المعرض لإطلاع الزوار على الصقور، من خلال سرد لكل الأنشطة المتعلقة بالصقر وتربيته وطريقة التعامل معه في رحلات الصيد، وكذلك اطلاعهم على مقتنيات الصيد المطلوبة، إضافة إلى الإرث التاريخي الذي يمثله بالنسبة لأبناء المنطقة.

وفي الجانب الآخر، يأتي «معرض السلوقي العربي» أو كلب الصيد الشهير على مستوى العالم، والإمارات على وجه الخصوص، ويعد من الإرث التاريخي لأبناء المنطقة عبر مئات السنين، حيث اهتم أبناء الإمارات في البيئات المختلفة بتربية كلاب السلوقي منذ القدم، لاسيما البدو العرب، لما عرف عنه من الوفاء والذكاء، فهو كلب الصيد، وحارس المواشي أثناء الرعي، وحارس البيت، ويرافق صاحبه في الحل والترحال، وقد شارك «مركز السلوقي العربي» بإمارة أبوظبي بهذا المعرض، حيث يعطي الزوار لمحة تاريخية عن السلوقي العربي ودوره في حياة أبناء المنطقة.

ولابد للزوار من التعرف إلى «ركن المحلوي وركن العسال»، حيث سيطلع الزوار على الصناعة التقليدية القديمة التي كانت تصنع بها الحلويات، وكذلك أدواتها، حيث كان يطلق اسم المحلوي على صانع الحلويات، وقد اختصت بهذه الصناعة الشعبية عدداً من الأسر وتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، حيث كانت الحلويات تحضر من السكر والنشا والسمن وتخلط مع الماء في أوعية كبيرة على نار هادئة، يضاف بعدها ماء الورد والزعفران والهيل، وبعد أن تضج تقدم في أطباق ثم يضاف إليها المكسرات.

وكانت الزراعة من بين أهم المصادر الطبيعية لغذاء أهل المناطق الجبلية منذ القدم، فبالإضافة إلى زراعة النخيل وبعض أنواع الفاكهة والخضراوات، انتشرت زراعة الحبوب، ومن أهمها القمح والشعير والدخن والذرة، حيث تزرع ضمن الأراضي المنبسطة الصالحة للزراعة في المناطق الجبلية، وتعتمد في ريها على مياه الأمطار، إضافة إلى زراعة الخضراوات والأشجار المثمرة في الوديان لريها من مياه الأفلاج والسيول، وعند موسم الحصاد أو «اليز» كما كان يطلق عليه، تؤخذ السنابل بكاملها مع القش وتخزن في «الينور» وهي عبارة عن حفر واسعة وليست بالعميقة، حيث تبقى الحبوب إلى حين جفافها، حيث يجري دقها بواسطة أداة تسمى «المداق أو القبان»، وذلك لفصل الحبوب عن القش، بعد ذلك يتم استخدام «ذراري الحب» من خلال نثره في الهواء فتتساقط الحبوب ويتطاير القش أو التبن إلى الجهة الأخرى، وتجمع الحبوب بعد ذلك وتخزن في البيوت. وكان أهل المناطق الجبلية منذ القدم، يهتمون بتنظيف الأراضي الزراعية والعناية بها بعد كل عملية حصاد، لتكون جاهزة في الموسم التالي.

تويتر