مئات الشباب تخلّوا عن ألعاب الكمبيوتر ليجلسوا مع الآباء والأجداد ويجمعوا التراث الشفاهي

جيل جديد من هواة التراث يتطلّع إلى النهضة والحداثة

صورة

يشكّل التراث أحد أهم المظاهر الحضارية في دولة الإمارات، وبوابتها التي عبرت منها نحو الألفية الجديدة، وسيظل بدعم القيادة الرشيدة حاضراً بقوة صامداً وسط أجواء الحداثة التى تشهدها دولتنا في المجالات كافة.

التراث في وجه العولمة

شدّد الدكتور إبراهيم حسن الحمادي، مدير إدارة القرية التراثية بنادي تراث الإمارات، على أن الجميع لابد أن يحرص على المحافظة على التراث الإماراتي نتيجة التغيير والانفتاح الذي أحدثته الطفرة الاقتصادية والانفتاح المعلوماتي والتقني للمجتمع في العقدين الماضيين، التي قد تغيب التراث غير المادي كالعادات والتقاليد والفنون الأدائية، داعياً إلى الحفاظ على التراث حتى لا تحدث فجوة مع الجيل الجديد وليظل عارفاً بتراثه ولهجته وعاداته وتقاليده، ونوه في الوقت ذاته إلى أهمية المحافظة على ثقافتنا في عصر العولمة، بما لا يتعارض مع التطور الحديث دون تغيير في هويتنا وثقافتنا.


العض على الهوية بالنواجذ

قال الشاب محمد بن علي المطروشي: «نحتاج جميعاً إلى التراث في زمن اختلطت الأجيال بالثقافات المختلفة، وصرنا نعض على الهوية الوطنية بالنواجذ ونحتاج إليها ونحن نرقى إلى القمم ونستقبل (إكسبو 2020)، هذا الذي نريد للعالم أن يفهمه أن وراء نجاح الإمارات تراثاً وطنياً مهماً فلا حاضر بلا ماض. نحتاج الى التراث في لحظات الحنين إلى الأصيل ولموروثات بقيت في الذاكرة.. نحتاج إلى التراث للعودة الى التاريخ والقيم الإنسانية والموروث الشعبي.. نحتاج إليه ليكون مرآة للموروث الوطني ومرجعاً موثقاً للأسماء والمسميات والمواقع، ونحتاج الى الكثير من (هواة التراث) أيضاً، وكلها احتياجات تحملهم مزيداً من المسؤولية في الاختيارات وما يقدمونه من محتوى، فهم أبناء الوطن الذين ينتظرهم ليكونوا وجهاً مشرقاً ومشرفاً له».


متاحف في البيوت

قال محمد بن علي أحد الأسماء البارزة في مجال «الفروسية» والذي يرى أن التراجع الذي فرضته الحياة المدنية العصرية لم يؤثر في مكانة التراث في دولة الإمارات «إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أدرك أهمية الموروث الثقافي والشعبي في حياة الشعوب والأمم، فعمل على المحافظة عليه وتشجيع أبناء الوطن على التمسك بتراثهم، واليوم ليست الجمعيات والمؤسسات المعنية في الدولة وحدها التي تعنى بأمور التراث وإحياء العادات الشعبية، فإلى جانب دورها البارز تتنفس عبق الماضي وتراثه الكثير من منازل المواطنين الشباب، الذين حوّلوا جزءاً أو كل منازلهم ومشروعاتهم التجارية إلى متاحف مفتوحة الأبواب ينهل منها الزوّار والأصدقاء، وأحياناً السياح تاريخ ومراحل نهضة الإمارات».

مضيفا أن «الشباب هم عماد المجتمع نرى العديد منهم اليوم متطوعين في الفعاليات التراثية وحتى في مشروعاتهم يحرصون على أن يكونوا مرشدين لنقل تفاصيل وجوانب ماضيهم اعتزازا به». ورأى أن تبادر جهة بمساعدة المواطنين الشباب الذين يقيمون متاحف شخصية في بيوتهم وتقديم الدعم اللازم لهم بما يحقق الحفاظ على المقتنيات التاريخية والعمل على عرضها بالأسلوب والطريقة الصحيحة .

والمتابعون للشأن الثقافي في الإمارات يرون أن التراث لايزال مقدراً ومؤثراً في جميع جنبات حياتنا في ظل ما تبديه المؤسسات الرسمية المعنية بالتراث وحفظه من اهتمام كبير عبر تخصيص فرق بحثية تنشط داخل الدولة حفظاً للتراث وعناية به.

ويشهد مجال التراث اهتماماً خاصاً على يد مجموعة من شباب الوطن الهواة، فقد بدأ مئات الشباب يتخلون عن ألعاب الكمبيوتر ويتجهون إلى الجلوس مع الآباء والأجداد لكي يقتربوا من الماضي، ويجمعوا التراث المحلي الذي يحظى باحترام وتقدير العالم.

وسجلت الجمعيات والنوادي المتخصصة في مجال جمع التراث إقبالاً كبيراً في الآونة الأخيرة من الشباب المهتمين بهذا الموروث، وساعدهم على ذلك أن الدولة تولي اهتماماً كبيراً بالتراث، حتى لا يندثر جزء مهم من تاريخ هذا البلد العريق، فتوثيق الموروث الإماراتي وجعله في أيدٍ أمينة تقدمه للباحثين والدارسين بموضوعية وصدقية هو الهدف والغاية التي يسعى إليها الجميع، خصوصاً في ظل هذا الزخم من الانفتاح والتطور في فضاء العولمة.

ويقول محمد سالم، أحد الشباب المهتمين بالموروث الإماراتي: «يجب الحفاظ على تراثنا حتى لا يتأثر بنمط الحياة العصرية ومظاهرها، ونقله من أصحاب الموهبة والتجربة من كبار السن إلى الأبناء والأحفاد من أجل توارثه جيلاً بعد جيل».

ويضيف: «حضرت ثلاث مرات بمهرجان أيام الشارقة التراثية في دورته الأخيرة، وحرصت على المشاركة في المحاضرات التراثية في كل مرة أزور المهرجان فيها وسط حضور كثيف غصت به القاعة من جانب الجمهور، خصوصاً الشباب المحب للتراث، وهذا شيء عظيم».

وشغل عدد كبير من شباب الإمارات المحب لوطنه وموروثه مناصب مرموقة في مجال التراث، منهم الدكتور إبراهيم حسن الحمادي، مدير إدارة القرية التراثية بنادي تراث الإمارات أحد شباب الوطن المهتم بالتراث، الذي يقول: «بدأت حياتي المهنية في مؤسسة وطنية تعنى بتراث الدولة ونشره بكل جوانبه المادية والمعنوية، وهو نادي تراث الإمارات، الذي ينال دعماً ومتابعة من قبل سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، رئيس نادي تراث الإمارات».

ويؤكد الدكتور الحمادي أن التراث يشكل جزءاً أساسياً من حضارات الشعوب والأمم، ويعكس تراث أي دولة أو شعب مدى التقدم والرقي في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للدول، ويأتي تمسك أبناء الإمارات بتراث الآباء والأجداد نتيجة وصية الوالد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وعمله على إحياء التراث بجميع جوانبه المادية والمعنوية، والتشجيع على التمسك به، هذا إضافة إلى دعوته لإقامة القرى التراثية والنوادي التي أخذت على عاتقها خدمة التراث الإماراتي وتقديمه بصورة عصرية لأبناء الدولة والمقيمين والزوار. ومن هنا جاء تبنّي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، رؤية استراتيجية للمحافظة على التراث وحمايته من الاندثار والزوال، حيث خصص سموه عام 2008 عاماً للهوية الوطنية حرصت فيه الجهات المعنية بالتراث والثقافة والهوية الوطنية على إقامة العديد من الفعاليات والمبادرات التي رسخت مفهوم الهوية لدى أبناء الدولة. وحول مستقبل التراث المحلي لدى جيل الشباب، يقول: «على أرض الإمارات يتعانق التراث والفن مع التاريخ والأدب لرسم لوحة جميلة تتشابك خيوطها لتمزج الماضي بالحاضر لتستشرف آفاق المستقبل، وإذا كانت رسالة التراث تتخطى كثيراً المتعة والإبهار، وتترجم بصدق واقع أي مجتمع، فإن رسالته الأكثر أهمية ينبغي أن توجه تجاه الجيل الحاضر الذي شغلته التكنولوجيا الحديثة وأبعدته ولو جزئياً عن ماضي آبائه وأجداده»، ويرى أن تراث دولة الإمارات أصبح جزءاً أصيلاً من حضارتها المشرقة، فهو داعم ومحرك لأبرز المجالات، حتى في مجال العمران والبناء تعتبر الإمارات موطن المباني التاريخية قبل أن تكون موطناً لأعلى ناطحات السحاب والأبراج السكنية في العالم.

والرأي نفسه يتبناه الشاب محمد بن علي المطروشي ـ أحد الأسماء البارزة في مجال «الفروسية» ـ الذي يرى أن التراجع الذي فرضته الحياة المدنية العصرية لم يؤثر في مكانة التراث في دولة الإمارات، وقال إن تلك الموروثات لاتزال فاعلة في المجتمع، لأن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة وباني نهضتها الحديثة، زرع فينا نحن الأجيال الجديدة حب التراث وحب العادات والتقاليد، وأصبحت للماضي رائحة طيبة عبقة يشمها الكبار فيشعرون بالحنين إليه، ويشمها الصغار فيشعرون بالنشوة والاعتزاز والفخر، ولا أروع من الفخر عند العرب بأصولهم وأنسابهم وعاداتهم.

ويقول: «كوني أحد المهتمين بالتراث بصفة عامة، والفروسية بصفة خاصة، فإنني أؤكد أن عشق الفروسية تراث وطني خالد، إذ يعدّ عشق أهل الإمارات للخيول العربية الأصيلة تقليداً توارثه الإماراتيون جيلاً عن جيل، وهو متأصل في النفوس منذ القدم ولايزال، حيث تعد دولة الإمارات موطناً لأفضل أنواع الجياد العربية، ولقد حققت سمعة مرموقة على مستوى العالم، كونها تمتلك سلالات وأنساباً رائعة من الخيول، لذا تفننوا في أساليب تربية الخيل وترويضها وتدريبها على شتى أنواع السباقات ورياضات الفروسية المعروفة».

ويضيف: «للفروسية رونق خاص في دولة الإمارات، حيث أصبحت من الرياضات الشعبية المحببة للإماراتيين وباقي الجاليات التي تعيش على أرض الدولة، فتم إنشاء أندية لتعليم الفروسية ومضامير للسباقات على مستوى عالمي، وكذلك لابد أن نشير إلى اهتمام الدولة بإقامة أكبر السباقات العالمية للفروسية وأكثرها شهرة، وهو سباق دبي العالمي للخيول، الذي يعد أحد أكبر سباقات الخيول في العالم، كما يعد الإماراتيون أحد أكبر ملاك الخيول في العالم ودائماً خيولهم حاضرة وفائزة في السباقات العالمية».

ويقول: «يتملكني الحنين للماضي وأهوى زيارة المناطق القديمة في مختلف إمارات الدولة، وقد عملت جامعاً ميدانياً في لجنة جرد التراث غير المادي (التراث الشفاهي)، التابعة لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، منذ عام 2009، واستفدت كثيراً من المقابلات التي أجريتها مع رواة التراث، وأعتز بأنني قد وثقت جانباً مهماً من تراث الدولة، ويشرفني أن أكون حاملاً لرسالة التراث لكي أوصلها إلى أبناء دولتنا الحبيبة، فهناك الكثير من أبناء الدولة قد أهملوا تراث الآباء والأجداد، ويجب أن لا ننسى مقولة المغفور له والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه «من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل».

تويتر