من مجلس زايد الكبير وحتى مجلس محمد بن راشد الذكي

المجالس مدارس للعـلم وحلقات للشورى

صورة

 منذ مجلس الشيخ زايد بن خليفة (زايد الكبير)، الذي كان يقع خارج أسوار قصر الحصن في نهايات القرن الـ19 وحتى «مجلس محمد بن راشد الذكي»، الذي اطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ليكون أكبر منصة ذكية متكاملة في دبي لتلقي الاقتراحات والملاحظات وأفكار الجمهور على مدار الساعة، يمتد تاريخ المجالس العربية التي تُعد احد أهم التقاليد التي عرفتها المنطقة العربية، حيث كانت مجالس العرب بمثابة مجالس لاستقبال الضيوف، وتجمع الأهل والعشيرة، وكذلك هي مجالس للشورى وتبادل الرأي. بينما كانت مجالس الشيوخ منذ بدايتها الوسيلة الأهم لتلمس حاجة الشعب وتلبيتها، ومناقشة القضايا التي تخص المجتمع والعمل على تطويره، وتحقيق التقارب بين الحاكم وشعبه.


 التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

 واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


 أرقام وأحداث

■■  2013 |  أطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مبادرة إحياء مجالس المواطنين في أبوظبي.

■■  113 |  تلقت محاكم دبي 113 فكرة، وملاحظة تطويرية، خاصة بالمحاكم، ضمن «مجلس محمد بن راشد الذكي»، تمت دراسة 29 فكرة منها بشكل مستفيض.

■■  40 |  تسلم مجلس دبي الرياضي أكثر من 40 فكرة إبداعية في مختلف مجالات الرياضة من خلال التطبيق الذكي لـ «مجلس محمد بن راشد الذكي».

■■   1904 | صور الرحالة الألماني هِرمان بورخارت مجلس المغفور له الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان، رحمه الله، (زايد الكبير) بجوار قصر الحصن.


مبادرة إحياء المجالس

https://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/11/391130.jpg

 أطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في عام 2013 مبادرة إحياء مجالس الفريج، بمتابعة من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة. وتهدف المبادرة إلى بناء مجالس مجهزة بالخدمات كافة وموزعة بين إمارة أبوظبي ومدينة العين والمنطقة الغربية، بالإضافة إلى إنشاء صالات رياضية تضم أجهزة ومعدات خاصة بأنشطتها، كما في المجالس التي اقيمت في منطقة البطين والزعاب وبني ياس وأم غافة بالعين. وهي تهدف إلى توطيد أواصر الألفة والترابط واللحمة والتشاور بين الأهالي في مختلف المناطق، وتحقيق التواصل بين الأجيال المختلفة، وتسليط الضوء على النماذج الناجحة والموهبين من أبناء المنطقة.


آداب المجالس

 للمجالس قواعد وتقاليد تحكمها، من أهمها أنها قاصرة على الرجال فقط، ويمنع على النساء الوجود فيها. أمّا آداب الضيافة في المجلس تقتضي تقديم القهوة على فترات، وبين المرة والأخرى ما يقرب من ربع الساعة، أمّا علامة الاكتفاء من شرب القهوة فتتمثل في هز الضيف للفنجان يميناً ويساراً. وعقب تقديم القهوة في بداية الضيافة، يأتي دور الدخون، فتدور المبخرة على الجالسين، وبعدها تقدم أطباق الفاكهة أو الحلويات «الفوالة»، ثم القهوة مرة أخرى.

 كانت مجالس الشيوخ من أبرز الموضوعات التي توقف عندها الرحالة وزوّار المنطقة من مختلف الجنسيات، نظراً إلى أهميتها ولأنها كانت تمثل تقليداً لافتاً بالنسبة لهم، فسجلوا مشاهداتهم عن مجالس الشيوخ في كتاباتهم وأحياناً بعدساتهم كما في صورة الرحالة صموئيل زويمر، التي تعد من أقدم الصور التي تجسد قصر الحصن، حيث ترجع إلى عام 1902، كما تحدث زويمر عن حاكم أبوظبي الشيخ زايد الكبير الذي امتد حكمه 40 عاماً من 1855 وحتى 1909، التقاه خلال زيارته الأولى لأبوظبي، وذكره في كتاباته بالكثير من الإعجاب والاحترام، لافتاً إلى ما تميز به سكان المنطقة من كرم وحفاوة، فيقول: «وجدنا العرب هناك يحبون الضيوف كثيراً وسارعوا فوراً لاستقبالنا». أمّا الرحالة الألماني هرمان بورخارت، فيُعد صاحب أول مجموعة من الصور التي عبرت عن شكل أبوظبي والحياة فيها في ذلك الوقت (1904)، وكذلك شكل قصر الحصن ومجلس الشيخ زايد خارجه، حيث قام بتصوير الشيخ زايد بن خليفة وهو جالس في مجلسه مع أبنائه ومرافقيه، وصوّر بعض النوق وخلفها المراكب، وكذلك التقط صورة جميلة لفرس الشيخ زايد بن خليفة، وبعض الخيول وعليها الفرسان، وتعتبر الصورة التي التقطها بورخارت للشيخ زايد وهو في مجلسه من أندر الصور لتلك الفترة.

 واستمرت المجالس قائمة في منطقة الخليج على مر السنوات حتى الوقت الحالي، وكان المغفور له الشيخ زايد رحمه الله مهتماً بها اهتماماً كبيراً، كذلك كان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، على هذا التقليد الأصيل منذ كان ولياً لعهد أبوظبي، فعُرف الشيخ خليفة على نطاق واسع بمجلسه المفتوح الذي يستطيع أي شخص أن يزوره. وكان الناس يأتون إليه من جميع أنحاء البلاد: من الفجيرة، ورأس الخيمة، والمنطقتين الشرقية والغربية في أبوظبي، بعضهم ليطرحوا بين يديه الشكاوى، وبعضهم ليخبروه بالمشكلات التي يواجهونها، وآخرون يأتون لإلقاء التحية، أو التقدم ببعض الاقتراحات والملاحظات، بحسب ما يقول عايش البرغوثي في كتاب غريم ويلسون «خليفة رحلة إلى المستقبل». مضيفاً «كان ديدن ولي عهد أبوظبي أنه لا يرد أحداً قط. وكان يفتح أبواب مجلسه أربعة أيام من كل أسبوع». ويقول الدكتور عزالدين إبراهيم «كان التقليد المتبع في هذا الجزء من العالم أن الشيخ يحل الخلافات الناشبة، والناس يلجأون إلى زعيمهم، وهو يقوم بدور القاضي بينهم في هذه القضايا. وقد اكتسب الشيخ خليفة سمعة طيبة بأنه حكم لبيب في أمور الناس. وحتى عندما برز النظام القضائي الحديث في دولة الإمارات، ظل العديد من المواطنين يلجأون إلى الطريقة التقليدية في تسوية خلافاتهم».

يقول الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم: «المجلس أحد تقاليدنا، والقلب النابض لديمقراطيتنا». بحسب ما يشير الكتاب، موضحاً أن المجلس المفتوح لا يعدو كونه عادة متكررة إن لم يكن الرجل الذي يتزعمه قادراً على استثمار الفرص والاستفادة منها؛ لذا كان لابد أن يكون المجلس المفتوح اسماً على مسمى، أي منفتحاً. كما كان مجلس الشيخ خليفة مصدراً ذائع الصيت للعمل الخيري.

يسير عمل المجلس على وتيرة منتظمة جداً، إذ يأتي المواطنون أسبوعاً بعد أسبوع حاملين معهم مشكلاتهم، ويتشاركون أخبارهم، ويناقشون قضاياهم المهمة. يضيف غريم ويلسون «لعل المجلس يبدو أمراً غريباً وطريفاً للغرباء الذين قد يرون فيه أثراً باقياً من زمن مضى. والسبب الذي جعل هذا التقليد يبقى صامداً حتى عام 2014، وسيستمر كذلك مستقبلاً، هو أنه في الأوقات العصيبة المليئة بالضغوط، يعطي القائد الفرصة لأن يلتقي شعبه ويتفاعل معهم على المستويين الشخصي والإنساني. ويُعد المجلس حتى في وقتنا المعاصر، مع وجود الإجراءات الأمنية، والجهاز المدني الواسع، والمواعيد والارتباطات الكثيرة جداً، فترة تتكرر كل أسبوع يجلس فيها القائد مع أفراد شعبه وجهاً لوجه، ويسمع منهم مباشرة دون أي وسيط ينتقي ما يوصله من كلام الناس».

مجلس محمد بن راشد الذكي

أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في أكتوبر الماضي «مجلس محمد بن راشد الذكي»، كأكبر منصة ذكية متكاملة في دبي تضم 30 دائرة حكومية، تهدف إلى تلقي الاقتراحات والملاحظات وأفكار الجمهور على مدار الساعة، وإجراء جلسات العصف الذهني الذكية، وذلك بمتابعة مباشرة من سموه. ويتكون مجلس محمد بن راشد الذكي، من ثلاثة أقسام أساسية، القسم الأول يتيح الفرصة لسكان دبي وزائريها ومحبيها حول العالم، تقديم الأفكار المبتكرة التي تسهم في تطوير المدينة، وتعزيز عناصر الجذب فيها من خلال مختلف المجالات عبر عملية بسيطة تضمن تقديم الفكرة ومتابعتها من قبل الجهات المختصة. والثاني يهتم بملاحظات الجمهور حول المرافق المختلفة، مثل الحدائق، والشواطئ، والطرق في حال وجود خلل ما من خلال تصويرها وتحديد موقعها الجغرافي، ما يمكن الجهات المختصة من متابعتها والعمل على إجراء اللازم بشأنها للمساهمة في الحفاظ على شكل المدينة ومرافقها العامة. في حين يختص القسم الثالث بالعصف الذهني، من خلال الموضوعات المختلفة التي يطرحها سموه بشكل دوري في مجلسه الذكي، ما يمكن الجمهور من تقديم الآراء والتفاعل معها.

المجالس مصادر للعلم

تلعب المجالس دوراً مهماً في غرس القيم الاجتماعية، والعادات والتقاليد في المجتمع، من خلال اصطحاب الآباء أبناءهم إلى مجالس الكبار. ولا تقتصر المعارف التي يكتسبها الأطفال من المجلس على العادات والتقاليد، فقد كانوا يكتسبون الكثير من المعرفة والعلم من خلال الأحاديث التي يتم تداولها في المجلس في مختلف المجالات كالاقتصاد، والسياسة والشعر والثقافة وغيرها من موضوعات.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر