خلال ندوة على هامش المؤتمر العام لـ «الكتّاب العرب»

باحثون: «المتشددون» يجنون على الحريات

المشاركون بالندوة أكدوا أن الحريات مازالت تعاني تراجعاَ واضحاً. تصوير: نجيب محمد

شدّد مشاركون على تأثير ظهور الجماعات المتشددة في تراجع الحريات في المنطقة نتيجة لممارسات هذه الجماعات، ودعوا المثقفين إلى أن يلعبوا أدواراً إيجابية وخلاقة لانتزاع الحرية. وأشار باحثون وكتّاب خلال ندوة «أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان» في جلستها الأولى التي عقدت مساء أول من أمس، على هامش المؤتمر العام الـ26 للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب المنعقد في أبوظبي حتى بعد غد، إلى أن الحريات مازالت تعاني تراجعاَ واضحاً وفقاً للتقارير الرسمية التي تهتم برصد الحريات حول العالم، متطرقين إلى ثورات الربيع العربي وتأثيرها في الحريات بالمنطقة.

أمسية شعرية

على هامش برنامج المؤتمر العام الـ26، أقيمت مساء أول من أمس، أمسية شعرية ضمن «مهرجان سلطان بن علي العويس الشعري»، قدمتها الكاتبة السعد المنهالي، وشارك فيها الشعراء: إبراهيم الهاشمي وكريم معتوق، الإمارات، وحسين القباحي، مصر، ومراد السوداني، فلسطين، ود.المولدي فروج، تونس، وهادي الناصر، العراق، وعلوان الجيلاني، اليمن.

 

وقالت الباحثة الدكتورة انتصار قائد البناء، عضو أسرة الأدباء والكتاب بمملكة البحرين، خلال الندوة التي أدارها د.حسن قائد الصبيحي، إن «الربيع العربي» يشكل منعطفاً مهماً ومؤثراً في التاريخ العربي المعاصر الذي لم تستقر موجته بعد، إذ جاءت بداياته تلبية لاحتياجات عربية ملحة في التغيير السياسي والاقتصادي في الوطن العربي الذي ناله الركود الشديد والركون الكبير إلى التراجع والجفاف والتجريف في مجالات تنموية شتى، وجاءت من جهة أخرى معبرة عن الإحساس بالعجز واليأس الذي وصل إليه قطاع لا يستهان به من الشباب.

وأضافت أن طارئاً غريباً استبد بالإقليم العربي انتزع منه حالة السلام تزامناً مع حلول هبات «الربيع العربي»، وهو الأمر الذي أهدر الكثير من قيم حقوق الإنسان الأساسية في الوطن العربي بدخول العديد من دول الوطن العربي في أتون الفوضى.

 

إعادة قراءة

 

وحول علاقة الأدب بحقوق الإنسان، أوضحت البناء أن الأدب يصب إلى حد بعيد في مجرى الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان. وكثير من الأعمال الأدبية التي صنفت سابقاً في ما سمي بأدب السجون أو أدب المقاومة أو الأدب السياسي أو غيرها من (التصنيفات الموضوعاتية) للأدب كانت تتناول قضايا حقوقية متسقة مع مفاهيم حقوق الإنسان. ونتيجة التوسع في الحقل الثقافي في الدراسات النقدية يمكن إعادة قراءة تلك الأعمال من وجهة حقوقية لاستنباط أكثر القضايا الحقوقية هيمنة على ضمائر الأدباء العرب، ولإدراك الكيفية الأدبية التي عالجوا بها تلك القضايا، لافتة إلى أن مفهوم الحرية والحقوق المندرجة منه تعد هي القضية الرئيسة لتلك الأعمال «غير أن الأكثر ثراء من الدراسات المتوقعة في هذا المجال هو عقد مقاربات بين المفاهيم الحقوقية ومبادئها وفهم الأدباء لها في ظل الواقع السياسي والثقافي للوطن العربي».

 

ووجدت أن أهم التحديات التي تواجه قضايا حقوق الإنسان في الدول العربية هو الحيلولة دون أن تتحول قضايا حقوق الإنسان في الوطن العربي إلى «واجهة سياسية ضيقة لهذه الجهة أو تلك أو لهذا الحزب أو التيار أو ذاك»، وهي أزمة ثقافية عربية ناتجة عن البناء السياسي الأمني لبعض الأنظمة الحاكمة، التي كان لها انعكاسات سيئة على فهم قضايا حقوق الإنسان والتعامل معها. وهو، أيضاً، ما جعل القضايا الحقوقية حقلاً خصباً لابتزاز العديد من الدول العربية وتهديد أمنها الوطني وسلامة أراضيها.

 

أخطر التحديات

 

بينما اعتبرت الكاتبة فريدة النقاش عضو اتحاد كتاب مصر، النمو المتسارع لتنظيم «داعش» وانتشار أفكاره بين قطاعات لا يستهان بها من شباب البلدان العربية والإسلامية، واحداً من أخطر التحديات التي تواجه هذه البلدان في العصر الحديث منذ أن اختارت الطبقات الحاكمة فيها التلكؤ في الدخول إلى الحداثة، بعد أن خاضت معاركها المجيدة للتحرر من الاستعمار القديم ثم سقوطها بعد ذلك في قبضة التبعية للاستعمار الجديد المبني أساساً على الهيمنة الاقتصادية.

 

وقالت إن التحدي الذي يمثله «داعش» وأخواته يتجاوز حدود الخطاب الديني الذي تتصاعد الآن الدعوة لتجديده بعد اقتراب الخطر من البلدان المستقرة نسبياً لتطول كلاً من الخطاب السياسي والخطاب الثقافي على حد سواء.

وأشارت النقاش إلى ان النواة الصلبة للخطاب التكفيري تتأسس على مفهوم الحقيقة المطلقة كلية الصواب من قبل هؤلاء المتشددين، إذ يطالب هؤلاء أتباعهم بالسمع والطاعة، باعتبارهم في منزلة أدنى، خصوصاً النساء. ودعت المثقفين النقديين إلى أن يلعبوا أدواراً إيجابية وخلاقة لانتزاع الحرية، والعمل على فض الاشتباك الظالم الذي نجح المتطرفون في إنتاجه بين العلمانية والإلحاد، وهو ما يقتضي تسليط الأضواء القوية على الإنتاج الفكري الثري لعدد من المفكرين العرب والمسلمين توفرت لهم الحرية الفكرية في جامعات أوروبية وأميركية وفي بعض جامعاتنا فأنتجوا أعمالاً مهمة جرى تهميشها ضمن عمليات التهميش الواسعة التي تعرضت لها التوجهات العقلانية التنويرية في ثقافتنا عبر العصور.

 

لا تراجع

 

وفي ورقته، تناول عميد معهد المشرق للدراسات الجيوسياسية في الأردن - وحدة دراسات الحرية والديمقراطية الدكتور عصام محمد السعدي، مفهوم الحرية وحقوق الإنسان، والسياق التاريخي لنشأة وتطور هذين المفهومين، موضحاً أن الثورة التي تنطلق من أجل الديمقراطية والحرية، من الصعب أن تتراجع إلى الوراء، لأن الشعب الذي كسر حاجز الخوف من الدكتاتورية ومن الشمولية فثار عليها وضحى لأجل حريته، من الصعب العودة به إلى دكتاتورية وشمولية جديدة وخداعِه بها عبر إخافته منها.

 

وفرّق السعدي بين ثلاثة أنواع من الثورات كأدوات للتغيير: الأولى الثورات التي تندلع ضد الظلم الاجتماعي الاقتصادي الطابع في واقع سياسي فيه الكثير من الحرية، والثانية عندما يثور الناس ضد الدكتاتورية والفاشية والفردية والشمولية وانعدام «الحرية». أما النوع الثالث من الثورات، فهو ذلك الذي يندلع ضد الدكتاتورية وضد الظلم الاقتصادي معاً.

تويتر