4 أعوام في انتظار الوظيفة المناسبة لتخصصي الهندسة والمحاسبة

شقيقان فلسطينيان يقهران البطالة بالورود

صورة

بين علم المحاسبة والهندسة الإلكترونية وبيع الزهور علاقة وطيدة لن تتجسد إلا في غزة صاحبة المرتبة الأولى في ارتفاع معدلات البطالة والفقر، فالشابان الشقيقان ياسر ومحمد الترك من مدينة غزة، اللذان تخرجا في جامعاتها، وأفنيا أربعة أعوام من عمرهما يحلمان بالحصول على وظيفة لها علاقة وثيقة بشهادتهما الدراسية، إلا أن أزمات القطاع التي تسحق الأحلام قبل الأفعال أدرجتهما ضمن جيوش العاطلين عن العمل لأمد مجهول.

الشقيقان الخريجان لم يستسلما لواقع مرير ضحاياه مليونا مواطن، وقررا مقابلة الإساءة بالإحسان، فأهديا المدينة التي حرمتهما الوظيفة والحياة الكريمة زهوراً مختلفة الأنواع، ضمن مشروع خاص بهما، أطلقا عليه اسم «بائع الورد».

بطالة مستفحلة

تخرج مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية سنوياً نحو 30 ألف طالب وطالبة، وتبلغ نسبة العاملين منهم 20%، بينما العاطلون عن العمل تصل نسبتهم إلى 75%، حسب إحصاءات رسمية.

في المقابل، تعاني غزة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي تعد الأعلى على صعيد العالم، فحسب منظمة العمل الدولية فإن معدل البطالة في قطاع غزة وصل إلى 43%، في حين تقدر أعداد الخريجين في فلسطين بـ357 ألف خريج بواقع 202 ألف خريج بالقطاع.

في حين أصدر البنك الدولي في 22 مايو الماضي بياناً كشف فيه حصول 80% من سكان القطاع على إعانة اجتماعية، فيما يقبع 40% منهم تحت خط الفقر المدقع.

فمع شروق شمس كل يوم جديد، يجوب الشقيقان بدراجتهما الهوائية المزينة بصناديق ملونة شوارع غزة حتى منتصف الليل، ليبيعا الورود المختلفة للمارة من شبان ونساء وأطفال.

وتعد فكرة بائع الورد المتجول الأولى من نوعها في القطاع، بما تحمله من صور جمالية تدخل ملامح الحياة إلى قلوب قهرتها المعاناة، فيجذبون الصغير قبل الكبير سواء في الطرقات أو داخل الحدائق والاستراحات، لتحظى طريقتهما الجديدة برواج كبير وإقبال كثيف على الرغم من حداثتها.

بداية الفكرة

«الإمارات اليوم» التقت ياسر (22 عاماً)، ومحمد (23 عاماً) أثناء تجولهما في حديقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، ليلتف من حولهما العديد من العائلات، جزء منهم حصل على الزهور مقابل مبلغ قليل من المال، فيما التقط الآخرون صور «السلفي» مع بائعي الورد، في إشارة إلى إعجابهم بالفكرة التي تطبق حديثاً في غزة.

ويقول الشاب ياسر الذي يرتدي قبعة سوداء وقميصاً طبع عليه اسم مشروعه «بائع الورد»، إن أساس فكرة مشروع مستوحاة من واقعنا الصعب في غزة، خصوصاً المعاناة التي تعترض مستقبل الخريجين يومياً عقب حصولهم على الشهادة الجامعية.

ويضيف: «منذ حصولي على شهادة المحاسبة من الكلية الجامعية عام 2013 حتى الآن عانيت كثيراً في سبيل الحصول على فرص عمل مناسبة لدراستي، وتساعدني على إعالة أسرتي، وتأمين مستقبلي، لكن دون فائدة».

وهنا قرر الترك البحث عن فكرة عمل جديدة ونادرة تحظى بإقبال الجمهور، وتحقق له الربح المادي في الوقت ذاته، ليهتدي في نهاية المطاف إلى مشروع بائع الورد المتجول، من خلال بحثه المتواصل عبر مواقع الانترنت عن مشروعات شبابية جديدة غير مكلفة.

ويقول الشاب ياسر: «إن الورد يريح النفس، ويعد من أجمل الهدايا، وأكثرها رومانسية، لذلك اخترته ليكون أساس مهنتي كونه يحظى بإقبال جميع الفئات على شرائه، فقررت الوصول إلى الزبائن في أماكن تواجدهم، لأوفر عليهم الوقت، كما وجدت في الزهور التي أبيعها وسيلة للتخفيف من أوجاع سكان غزة، ورسم الابتسامة على وجوههم».

ويضيف: «أردنا من خلال مشروع عملنا جذب انتباه المارة، من خلال بيع سلعة لم يعتادوا على شرائها من باعة متجولين، كما استخدمنا الدراجات الهوائية، لأن عادة استخدامها وركوبها في العمل أمر غير معهود للفلسطينيين».

واستوحى بائع الورد المتجول فكرة مشروعه من الأرياف الألمانية، التي يمتهنها العديد من البسطاء، من خلال اقتناء سلة وزهور، والتجول بها في الشوارع والأزقة من أجل الوصول إلى الزبائن الذين لا يستطيعون الشراء من المحال التجارية الكبيرة.

إقبال وإعجاب

تتنوع الورود التي يوصلها فريق «بائع الورد» إلى سكان غزة في جميع أماكن تواجدهم، لتشمل غالبية الأنواع الطبيعية المتوافرة في غزة، منها الجوري والقرنفل، كما يحملوا في جعبة دراجتهم زهوراً اصطناعية تستخدم في المناسبات كافة.

ويشير الشاب ياسر إلى أن أسعار الزهور تتناسب مع ظروف السكان في غزة، فالجوري تبلغ ثمن الزهرة الواحدة خمسة شواكل، أما القرنفل فالواحدة منها بـ2 شيكل، لافتاً إلى أن تلك الأسعار أقل بكثير عن التي تباع داخل المحال الكبيرة المخصصة لبيع الورود.

ويقول بائع الورد المتجول، إن «كل يوم يمر علينا نحظى بترحاب واسع وإقبال كثيف من السكان، حيث نشعر بملامح الفرح المرسومة على وجوههم عندما يشاهدوننا».

ويضيف أن «إعجاب الجمهور بفكرتنا يعد بحد ذاته نجاحاً كبيراً، لكن في الوقت ذاته يضاعف من حجم المسؤولية الاجتماعية الملقاة على كاهلنا، التي تحتم علينا التفكير في مجتمعنا وليس في الجانب المادي فقط، فهنا أناس قهرتهم ظروف الحياة القاسية التي تعصف بغزة».

أفكار إبداعية

ويمتلك فريق مشروع بائع الورد المتجول في غزة أفكاراً إبداعية وفريدة من نوعها، وذلك من أجل توسيع عملهما، ليشمل الأفراح والمناسبات المختلفة.

وقبل أن يقود الشاب محمد الترك الحاصل على شهادة الهندسة الإلكترونية، دراجته الهوائية، وينتقل إلى ناصية الشارع المقابلة لحديقة الجندي المجهول، قال لـ«الإمارات اليوم»، إن «عملنا يحتاج إلى التطوير والتجديد دائماً، فقد وضعنا العديد من الأفكار التطويرية لمشروعنا، كالزي الموحد لفريق البيع، الذي يظهرنا بشكل لافت وجذاب للمواطنين، فنحن لا نتسول في الطرق أو كبائعي البسطات على الأرصفة، فنحن نريد الظهور بشكل حضاري يليق بالورد الذي نبيعه، وبمستوانا الاجتماعي».

ويضيف: «كما غيرنا في شكل الدراجة الهوائية، بحيث تخدم المشروع، وتمثل ميزة لنا في الشارع الغزي الذي يقبل على كل ما هو جديد وفعال، فالغالبية العظمى من الزبائن والمارة الذين التقينا بهم أثنوا على الفكرة، ولم يتوانوا عن التقاط الصور معنا في كل شارع وساحة نتواجد بها».

ويخطط بائعا الورد إلى توسيع فكرة مشروعهما، ليشمل كل المناسبات المختلفة، والأعياد والأفراح، بالإضافة إلى إطلاق حملات وعروض أسبوعية لبيع الورود، كما يسعى الشقيقان إلى تطوير عملهما من خلال إضافة خدمة التوصيل (الديليفري) إلى منازل المواطنين وأصحاب المحال والمؤسسات.

تويتر