5 دقائق
بالنسبة لي فإنّ يوم النكد هو الذي يبتليني الله فيه بمراجعة فواتير اتصالاتي، فبداية أكتشف أنني لا أنتمي إلى الذين يعملون ليعيشوا أو الذين يعيشون ليعملوا، بل أنتمي فقط إلى الذين يعملون ليسددوا الفواتير على الرغم من أنني لست رجل أعمال ولست سياسياً محنكاً أو غير محنك، كل ما في الأمر أن الحياة تتطلب منا (رقم فاتورة) ورقم واصل وآخر للوالدة وآخر للبشكارة وخط (ADSL) وهاتف منزل ورقم فاكس، وكان الله غفوراً.
يبدأ النكد بمراجعة فاتورة الهاتف المتحرك وسامح الله الإعلامي الزميل أحمد الحمادي الذي أقنعني بدخول هذا العالم، الفاتورة تبدو للوهلة الأولى وكأنها التقرير ربع السنوي لبورصة (داو جونز) فيها أكثر من 10 خانات في الصفحة الأولى وتفاصيلها في أربع أو خمس صفحات، وتعج بعبارات دائن، مدين، مرتجعة، معدلة، باقة، (لكم)، عليكم، استحقاق، (+)، (-)، يا جماعة،
يا شركات الاتصالات الموقرة حنانيكم.. لسنا جميعاً طلال أبوغزالة ونستخدم خدمات GMPK للتدقيق أو يمت أحدنا بصلة مصاهرة لآرثر أندرسن.. أنا شخصياً أخلط كثيراً بين المدين والدائن لأننا في حياتنا لا نستخدم سوى كلمة وحيدة (مديون).. ثم ما موضوع علامات الحساب (-) و(+) لمن، لصاحب الفاتورة أم للشركة؟
يستمر الفيلم بمراجعة خدمات لا معنى لها (تلط) كل خدمة منها 20 أو 30 درهماً ، اسمعوا للاسم الرائع لهذه الخدمة (نظام الدفع بالفاتورة، بالشبكة GSM توصيل خدمة 1/9 30/9)، أرجو ممن فهم أن يفهمني، واعذروني فجدي كان حلم حياته أن يرى البعران الحديدية التي يركبها الناس في الكويت ويسمونها (سيايير)، ما خدمة نظام الدفع بالفاتورة؟ إذا كان الخط (فاتورة أصلاً) فهل نعاقب بمبلغ شهري لأننا لسنا من قوم (بو واصل).. وما معنى بالشبكة GSM؟ هل يوجد مستخدمون تتصل أجهزتهم بشبكة المجاري أو شبكات البلدية لتوزيع المياه الحلوة؟ ثم ما الخدمة التي توصل لمدة شهر وكل شهر؟ أرى عبارة لطيفة في الفاتورة تطلب الاتصال بالرقم (101)، فأتصل لأجد خيارات لغوية، أختار فاتورة «المتحرك»، ثم خيارات أخرى للتأكد من نوع هاتفك ورقمه وموديله وطبيعة النغمات المخزنة، حتى تصل إلى المكان الصحيح، فيقول لك الصوت المعدني بإنك وصلت أخيراً، وإن الجواب هو أن عليك الاتصال بـ(142) والعملية لا تستغرق أكثر من نصف ساعة للوصول للجواب.. فلماذا لم تضعوا (142) في الفاتورة من الأصل؟ ثم ألم يقل لكم أحد بأننا نحب أن نتصل على رقم معين فيرد علينا بشر من لحم ودم؟ لا أجد مفراً من الاتصال بالرقم الوحيد الذي أعرفه وهو (181) فيرد عليّ شاب مؤدب: تفضل حضرتك، أقول له مشكلتي باختصار، فيجيبني بما هو أغرب: «معلش حضرتك أصل احنا هنا في مصر.. مش في الإمارات.. أن ها (طرشلك) رقم الفرع الأُريب منك»!
أسأله باستغراب: ما دمت في مصر فكيف عرفت كلمة (باطرشلك)؟
فيجيبني بسعادة بالغة: «يا باشا أصلهم ادونا كورس في الكلمات اللي ممكن نسمعها (باطرشلك)، (تبغي)، (ما تبغي)، (يستوي)، (السموحة)، (الفريج)، (يطول عمرك)».