لحظة

الساعة الأخيرة

ياسر حارب

يروي خبير الذكاء العاطفي «ترافِس برادبيري» قصة ممرضة متخصصة في العناية بالمرضى الذين بقي على رحيلهم من الحياة ثلاثة أشهر إلى اثني عشر شهراً، حيث كانت تسألهم عن أكثر الأشياء التي ندموا عليها في حياتهم، وبعد سنوات عدة وجدت أن غالبية مرضاها أجمعوا على خمسة أشياء: أولاً، تمنَّوا لو أنهم لم يتخذوا قرارات مبنية على نظرة الناس إليهم. كقرار التخصص الدراسي، الذي يتخذه كثيرون، ليس لأنهم يحبون ذلك التخصص، ولكن لأن المجتمع يحبه، ولأن العائلة دفعتهم إليه حتى يحظوا بمستقبل باهر. ثانياً، تمنوا لو أنهم لم يضطروا للعمل كثيراً. مَن منا لا يشعر بأنه شخص مهم عندما يخرج من عمله متأخراً كل يوم؟ مَن مِنّا لا يشعر بالإنجاز وهو يرى جدوله مكتظاً بالمواعيد طوال الأسبوع؟ يقول برادبيري إننا نعمل لنجني أموالاً كثيرة من أجل الناس الذين نحبهم، كالزوجة والأطفال، إلا أنهم في الحقيقة يريدوننا نحن أكثر من حاجتهم إلى تلك الأموال، ومن مفاتيح السعادة أن نوازن بين قيامنا بالأشياء التي نُحبها وبين أن نكون مع من نحب.

ثالثاً، تمنوا لو أنهم عبّروا عن مشاعرهم أكثر. أحياناً يقضي أحدنا سنوات من عمره في وظيفة تجبره على العمل ليل نهار ولكن براتب لا يناسب جهده وحاجاته، وبدل أن يجلس مع مديره ويصارحه بما يريد فإنه يكتم مشاعره التي تتراكم في داخله حتى تنفجر على هيئة مرض، أو إحباط وفقدان الرغبة في الاستمرار بالعمل.

رابعاً، تمنوا لو أنهم ظلوا على اتصال بأصدقائهم. فعندما ننغمس في مشاغل الحياة تغيب عنا بعض لطائفها الأساسية، كالعائلة والأصدقاء. نظل نؤجل لقاءاتنا إلى الأسبوع المقبل، والشهر المقبل، وبعد انتهائنا من المشروع الذي بين أيدينا.. وفجأة نجد أنفسنا وقد بلغنا من الكبر عِتِيّاً ولم نستمتع بالحياة مع الناس الذين نحبهم ونفرح برفقتهم.

خامساً، تمنوا لو أنهم أطلقوا لنفسهم العِنان ليكونوا سعداء. فعندما يهرم الإنسان، أو يقترب من الموت بسبب مرض ما، تبدو كل الصعاب التي مر بها في حياته تافهة مقارنة بلحظات السعادة التي عاشها. يبدو كل شيء لا يستحق العناء والتفكير والإجهاد، وحدها السعادة هي ما كانت تستحق أن نبحث عنها بصدق.

قبل أيام استوقفني مجموعة من القُراء وسألوني عن نمط حياتي، وبعد أن أخبرتهم سألوني لماذا أفعل كل هذا؟ وكيف أستطيع أن أضحك وأبتسم في خضم الأعمال الكثيرة التي تتداخل فيها التزامات الكتابة وتقديم البرامج والمشاركة في «السوشيال ميديا» وحضور الفعاليات إلى جانب أعمالي الخاصة الأخرى والتزاماتي العائلية؟ فقلت لهم: «من أجل الساعة الأخيرة في حياتي. إنها أهم ساعة تمر على الإنسان، ينظر فيها إلى حياته، يتذكر كل شيء، فيفرح أو يحزن، يضحك أو يبكي، يندم أو يشعر بالطمأنينة. قلتُ لهم إنني أريد قبل انتهاء تلك الساعة أن أبتسم وأقول في نفسي إنني قد عشت حياة مليئة بالفرح، مكتظة بالانسجام والمحبة، مليئة بمحاولات العطاء والمساهمة مع الآخرين لجعل هذه الدنيا مكاناً أفضل مما كانت عليه قبل أن نمر بها. لا يهم كم نجحتُ أو فشلتُ، ويكفيني في هذه الساعة أن أدرك أنني حاولتُ قدر ما استطعت».

yasser.hareb@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر