كشف ارتباك قادة الاحتلال وفشــلهم في تقدير موقف السادات وتفكيرهم بقصف دمشق

بروتوكول سرّي: إسرائيل واجهت خطر الزوال في حرب أكتوبر

صورة

بعد مرور 37 عاماً على حرب أكتوبر نشر الصحافيان الاسرائيليان روعي ميندل، ويرون دروكمان، في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ما سمّياه بـ«البروتوكول الأكثر سرية حول حرب أكتوبر» في الأرشيف الاسرائيلي، الذي وصفته الصحيفة بأنه «الأكثر سرية» من عهد رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير، إذ «ترتسم فيه صورة بشعة لأول أيام الحرب». وفيه يقدر وزير الحرب حينها موشيه دايان، أن العرب «يريدون احتلال إسرائيل، وتدمير اليهود»، وقال في حالة من اليأس: «فقد خط القنال، ولذلك يجب التخلي عن الجرحى في التحصينات».

بذلك يصف الصحافيان محتويات البروتوكول السري، الذي يوثق مجريات جلسة درامية عقدها مجلس الوزراء الإسرائيلي، وعلى رأسهم غولدا مائير، في السابع من أكتوبر ،1973 الساعة 50:14 تحديدًا، أي بعد أول أيام اندلاع حرب «الغفران» بقليل، ويظهر دايان في تلك الجلسة مبيناً تفاصيل سقوط مواقع التحصينات الإسرائيلية، الواحد بعد الآخر في قلب سيناء، ويقترح أن تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط المضائق - المعابر (30 كيلومتراً بعيداً عن القنال)، وأن تترك وراءها الجرحى الذين لا مجال لإخلائهم. ويقول: «في الموقع الذي يمكن إخلاؤه، نخلي، وفي المواقع التي لا يمكن إخلاؤها سنترك الجرحى. من وصل وصل. إذا اختاروا الاستسلام، فليستسلموا، يجب أن نقول لهم: لا يمكننا الوصول إليكم، حاولوا التسلل أو الاستسلام».

بداية

«ليس هذا وقت محاسبة للذات، لم أقدر جيداً قوة العدو ووزنه القتالي، وبالغت في تقدير قواتنا وقدرتها على الثبات. العرب يقاتلون أفضل مما كانوا عليه سابقاً. يملكون أسلحة كثيرة، يصيبون دباباتنا بأسلحة خاصة. إن الصواريخ تشكل مظلة منيعة لا يستطيع سلاحنا الجوي سحقها. لست أدري إن كانت أي ضربة استباقية قادرة على تغيير الصورة جذرياً».

ذلك كان اعتراف دايان، بخطئه في تقدير نيات العرب وقدراتهم القتالية خلال حرب ،1973 وتوقع أن يتلاسن العالم على إسرائيل هازئين بأنها «نمر من ورق»، بعد أن فشلت في الصمود أمام أولى الضربات التي تتلقاها من العرب على الرغم من تفوقها النوعي.

أما غولدا مائير رئيسة الوزراء آنذاك، فتساءلت: «هناك أمر واحد لا أفهمه، لقد كنت أظن أننا سنبدأ بضربهم لحظة عبورهم القنال. ماذا حدث؟»، فأجابها دايان: «خسرنا دبابات. كان هناك غطاء مدفعي، دباباتنا أتلفت، لم تتمكن الطائرات من الاقتراب بسبب الصواريخ. 1000 قطعة مدفعية سمحت للدبابات بالعبور، ومنعتنا من الاقتراب. إنه أسلوب روسي، وتخطيط روسي كذلك، ثلاث سنوات من التجهيزات».

خسائر كبيرة

 البحث عن بدائل

يشير البروتوكول إلى محاولة أركان الحكومة الاسرائيلية الخروج بأفكار عملية سريعة تمكنهم من تجنيب إسرائيل خطر وجود حقيقياً، وطرح سيناريوهات متوقعة لما سيكون عليه الأمر مع كل اقتراح يتم طرحه، فيختتم وزير الحرب موشيه دايان استعراضه للوضع بكلمات قاسية، ربما أراد بها التلميح الى ضرورة استخدام وسائل أخرى لصد الخطر عن إسرائيل، ويقول إن «كميات الأسلحة لديهم فعالة، تفوقنا الأخلاقي لا يُجدي نفعاً أمام هذه الكثافة. الأرقام قادرة على الحسم. ربما توجد أفكار أخرى حول كيفية التصرف في ظروف مثل هذه». ويضيف «أنه متشائم أكثر مني في ما يتعلق بهضبة الجولان. لقد قال: كم أتمنى لو استطعت تصويب أمر الخط. جورديش قلق ومتشكك في الجنوب».

بعد أكثر من ساعة من بداية الجلسة، دخل رئيس الأركان، (دادو)، فقال:«إننا نقف أمام قرار مصيري. أمامنا ثلاثة خيارات»، وفصل:

«الإمكانية الأولى: وضع فرقتين في خط حماية مؤقت، منه تخرجان إلى هجوم مضاد ضد القوات المصرية، ولست متأكداً من أننا سنستطيع السيطرة على أي خط بقوات قليلة، ثم نهاجم بعد ذلك. والإمكانية الثانية فهي التموضع في منطقة المضائق (الممرات)، لكنه خط صعب، وسيكلف ثمناً باهظاً.

أما الإمكانية الثالثة فتتضمن وفقاً لدادو «اقتراحاً مناوراً»، إذ قال: «تشاورت مع الناس في الأسفل (الجنوب) - بران، إريك، وجورديش - نحن مكشوفون هناك مع قوات قليلة. ليلاً ستتحرك شعبة إريك، شعبة بران فوق. لقد اقترحوا علي مهاجمة القنال، الصعود على الجسر والتقدم إلى الأمام. كلتا القوتين اللتين ستعبران القنال ستدمران القوات التي أمامها، بعد ذلك سندمر القوات التي تمكنت من العبور، إنها مناورة، لأنهما القوتان الوحيدتان الموجودتان بين القنال وتل أبيب. إذا هاجمنا القنال وعبرنا دون أن نتمكن من الخروج بسلام، فإننا سنكون حينها مع ثلاث شعب مكسورة، وحينها سيأتي العراقيون والجزائريون، وحينها ستكون الحرب بعد يومين أو ثلاثة في قلب إسرائيل».

وسأل دايان بن اليعيزر «هل إريك في وضعية تمكنه من الهجوم؟»، فأجاب «لا، حتى الآن». ثم علق دايان على اقتراح دادو الثالث، والذي أوكل أمره لأرئيل شارون، قال: «نموذج إريك غير وارد في الحسبان».

واقترح دادو أن «تشن القوات الاسرائيلية هجوماً مضاداً ولكن ليس على القنال، إنما على تمركز القوات التي تجاوزتها فعلاً». وقال: «يمكننا عند بزوغ الفجر، ومع 200 إلى 300 دبابة، بالإضافة إلى الجو، أن نحاول كسر القوات التي عبرت فعلاً، ثم أن نثبت بعد ذلك عند الخط». وأضاف «إذا نجح ذلك، فإننا سنكون بوضعية هجوم وانطلاق جيدة، وإن لم ينجح، فإنه لن يكون بالأمر المميت القاضي. ستظل هناك قوة كافية للانسحاب نحو المعابر، ثم التحصن هناك». وقال دادو معلقاً على اقتراح دايان للانسحاب إلى خط المضائق: «الخط الذي اقترحه موشي. أنا لا أختلف مع موشي، أنا أريد ذلك، ولكني لا أعرف إن كان ذلك ممكناً».

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/299880.jpg

دايان وشارون يبحثان مع القادة العسـكريين الوضع على الجبهة المصرية. غيتي

يبدو أن خسائر الإسرائيليين من قتلى وأسرى كانت كبيرة جداً مع انتهاء اليوم الأول من الحرب، حتى إن المقاتلين طلبوا النجدة، قال دايان: «كل ما فقدناه كان خلال قتال عنيف، كل دبابة وإنسان فقدناه، كان ذلك خلال القتال. الذين كانوا يسيطرون على الخط حثوا إريك (أرئيل شارون) ولايزالون يحثونه، على الوصول إلى هناك، إنهم لايزالون يقاتلون هناك». وأضاف «لقد أراد إريك اقتحام (القنال) والمواصلة عبر الجسر إلى الأمام. أما جوروديش فلا يعتقد ذلك».

سيناريو يوم القيامة

- يريدون (أي العرب) السيطرة على كل أرض إسرائيل. قال دايان مصوراً سيناريو يوم القيامة.

- هذه هي الجولة الثانية منذ .1948 أجابت غولدا.

- إنها حرب على أرض إسرائيل. قال دايان.

- العرب لن يوقفوا الحرب، وإن فعلوا ووافقوا على وقف إطلاق النار، هذا إن وافقوا، فإنهم سيشعلونها مجدداً. لقد وصلوا معنا إلى حرب على «أرض إسرائيل» حتى وإن انسحبنا من هضبة الجولان، فإن ذلك لن يحل أي شيء. قال دايان.

- لا يوجد أي سبب يمنعهم من المواصلة، ليس الآن فقط، لقد ذاقوا طعم الدماء. قالت غولدا.

- احتلال إسرائيل، إنهاء أمر اليهود. رد دايان.

فشل استخباري

يبدو من البروتوكول أن التقديرات الاستخبارية التي كانت بحوزة إسرائيل عشية الحرب كانت خاطئة ومضللة، يظهر ذلك من مواجهة غولدا لوزير حربها بتلك التقديرات، والتي كانت تذهب إلى أن الرئيس المصري أنور السادات، لن يدخل الحرب طالما يعرف أنه لن يتمكن من عبور القنال، ملمحة إلى المصدر الأمني الموثوق الذي بين يديّ جهاز الأمن، والذي وفر تقديرات دقيقة حول نيات المصريين، مصدر تصفه غولدا بـ«صديق تسفيكا»، ويشير الصحافيان إلى أنه رئيس الموساد حينها تسيفي زمير. قالت غولدا: «كلهم كانوا يقولون لنا خلال سنوات، ومن ضمنهم صديق تسفيكا، إن السادات يعرف أنه لابد أن يخسر».

أجاب دايان: «كان لدي إحساس بأننا سنصفعهم في الممر. كانت لدينا تقديرات مؤسسة على الحرب السابقة، ولم تكن صحيحة. كانت تقديراتنا وتقديرات غيرنا غير صحيحة في ما يتعلق بوقت محاولة العبور». وقال: «أنا متأكد أن الأردن ستدخل الحرب. لا يمكننا السماح لأنفسنا بعدم الاستعداد. لابد أن يكون هناك حد أدنى من الاستعدادات، يجب فحص ما البديل الممكن. يجب تجهيز قوة ضد محاولة أردنية لاقتحام الضفة. ربما سيسمحون للمخربين بالتحرك».

كيسنجر.. حبل النجاة

غولدا سألت دايان إذا كان يقترح طلب وقف إطلاق النار، حيث يتواجدون الآن (القوات الإسرائيلية). فرد «نحن غير موجودين (في أي مكان)». حينها اقترحت اللجوء إلى وزير الخارجية الأميركي حينها هنري كيسنجر، فقال دايان وهو في قمة يأسه «أقبل الفكرة».

وطلب دايان أيضاً أن يتم التوجه للأميركيين بهدف شراء 300 دبابة، وأضاف «سنحتاج إلى المزيد من الطائرات».

وتحدثت غولدا في البروتوكول عن لقاء جاف مع رئيس الأركان الجنرال ديفيد بن اليعيزر (دادو)، قبل أن يدخل الأخير إلى الجلسة «لقد كان دادو في الحكومة صباحاً. كان حزيناً. قال إنه يأمل بأن تكون هناك نقطة تحول الليلة».

تفوّق عربي

ويظهر من تقديرات دايان في البروتوكول أن القوات العربية في الجيشين المصري والسوري تفوق حجم القوات الإسرائيلية بكثير في جبهتي الشمال والجنوب، ويشير الصحافيان إلى أنها تقديرات فندت بعد ذلك: في الجبهة المصرية 800 دبابة إسرائيلية مقابل 2000 دبابة مصرية، في الجبهة السورية 500 دبابة إسرائيلية مقابل 1500 سورية. لسلاح الجو الإسرائيلي 250 طائرة مقابل 600 لدى المصريين و250 لدى السوريين. بالإضافة إلى أن جيشي مصر وسورية يتمتعان بحماية صواريخ مضادة للطائرات متطورة.

قصف دمشق

سأل الوزير يغئال ألون عن إمكانية قصف عمق العدو، فأجاب دايان: «ماذا يعني ذلك؟ لا أعتقد أن هذا مؤثر».

لقد قدر دايان أن قصف دمشق لن يؤثر في الوضع في الجبهة: وقال: «إذا كان لدينا النفس لذلك، ربما نضرب البترول، الكهرباء، لكن لا أكثر من هذا. كل هجوم من جهتنا سيزيد من الخسائر».

تساءلت غولدا مائير حينها: «ماذا عن الخسائر؟». أجاب دايان بلغة مقتضبة «هناك مواقع فقدنا الاتصال بها».

ومن المعلومات التي تم الكشف عنها، يظهر أن موشيه دايان، لم يكن بطلاً قومياً كما صوّره الإعلام الإسرائيلي خلال العقود الماضية، إنما كان سبباً في تضعضع القوات الإسرائيلية وانكسارها، ويشار إليه بأنه «كان السبب في رفض القيام بضربة استباقية كان من الممكن أن تغير سيناريو الحرب جذرياً».

تويتر