للحفاظ على الأمن في الجولان بعد التوقعات بقرب سقوط الأسد
إسرائيل تتقارب مع فصائل مســـلحة
مع بلوغ الأزمة السورية عامها الخامس، خيب نظام الرئيس السوري، بشار الأسد توقعات الكثير من المراقبين بانهياره السريع في أي لحظة. بيد أن الانتكاسات التي عانى منها في الآونة الاخيرة فتح الباب واسعاً أمام العديد من التساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه هي فعلاً الأيام الأخيرة للنظام، وماذا قد تعني نهاية النظام للدول المجاورة مثل إسرائيل.
مصالح متبادلة في الجولان على الرغم من العلاقات الوطيدة التي تربط الثوار السوريين ببعض جماعات تنظيم القاعدة، إلا أن إسرائيل لديها سلسلة من المصالح المتبادلة مع هؤلاء الثوار في مرتفعات الجولان السورية من أجل منع إيران و«حزب الله» من تحقيق مكاسب في المنطقة. وفي مقابلة العام الماضي أجرتها معه صحيفة ال «فورين افيرز»، قا الرئيس السوري بشار الاسد مازحاً «البعض في سورية يتندرون بأن القاعدة لديها قوات جوية»، ويمضي الأسد مازحاً «لديهم بالطبع القوات الجوية الاسرائيلية». ويبدو أن مزحة الأسد ليست بعيدة عن الواقع، حيث تتحدث وسائل الاعلام بشكل واسع عن معالجة إسرائيل لجرحى الثوار السوريين في مرتفعات الجولان، مع احتمال ارتباطها ببعض العلاقات مع «جبهة النصرة». |
فبعد هزيمة القوات الحكومية السورية في تدمر، أصبح تنظيم «داعش» يسيطر الآن على ما يقرب من نصف الأراضي السورية، على الرغم من أن معظم هذه الأراضي عبارة عن صحارى شاسعة في الشرق السوري، وفضلاً عن ذلك يسيطر «داعش» على العديد من احتياطيات النفط والغاز الرئيسة في سورية ويهدد بالاستيلاء على أكثر من ذلك.
واستطاعت قوات أخرى من الثوار في شمال سورية الاستيلاء على قاعدة عسكرية رئيسة في محافظة إدلب السورية، ما دفع النظام السوري للجوء لمعاقله في دمشق وعلى طول الساحل السوري. ويقول الخبير في الشؤون السورية بجامعة تل أبيب، البروفيسور، إيال زيسر، إنه إذا استمر الوضع على هذا المنوال «فمن الصعب جداً على الأسد تأمين مواقعه في هذه المناطق». ويضيف أنه على الرغم من أن الوقت ما يزال مبكراً «يبدو أن الثوار يبلون بلاءاً حسناً».
ونتيجة للمكاسب التي حققها الثوار والاسلاميين أخيراً، أصبح النظام السوري الآن لا يسيطر سوى على ما يقرب من 25 إلى30% من البلاد، على الرغم من أن ذلك يشمل المدن الكبرى مثل العاصمة دمشق وكذلك طرطوس واللاذقية على طول الساحل الغربي للبلاد.
وفي ضربة كبيرة أخرى للحكومة السورية، ذكرت صحيفة «الشرق الاوسط» في تقرير أن روسيا، التي ظلت حليفاً رئيساً لنظام الأسد على مدى عقود وخاصة خلال الحرب الأهلية، سحبت خبراءها العسكريين الرئيسيين من سورية. وأشار التقرير أيضاً إلى أن روسيا لم تعد تعارض مستقبل سوري من دون الأسد، مؤكدة أن الكرملين «بدأ يبتعد عن النظام». وكان لروسيا دوراً أساساً في توفير المساعدات المالية والعسكرية والانسانية للحكومة السورية، فضلاً عن توفير الغطاء الدبلوماسي لها في الأمم المتحدة.
ويشيرالتحول الأخير في الزخم ضد الحكومة السورية، إلى تدهور مريع في الدعم الذي يتلقاه نظام الأسد منذ عام 2012، عندما استثمرت إيران بكثافة في النظام سواء في توفير المساعدات العسكرية والمقاتلين أو من خلال تجنيد الشيعة من العراق وباكستان، وأفغانستان للقتال إلى جانب النظام السوري. وانخرط «حزب الله»، الشيعي اللبناني المدعوم من إيران، في الصراع، ما ساعد الحكومة السورية على استعادة ما كسبه الثوار في وقت سابق واستعادة أراضي خارج معاقلها الطبيعية على طول الساحل وفي دمشق.
ويقول الباحث السياسي بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، توني بدران، إنه «وبعد عامان من المساعدة الإيرانية، على الأقل في هذه المرحلة، فإن تلك المساعدات يبدو أنها وصلت حدها الاقصى فيما يمكن أن يقدمه هذا البلد من أجل دعم الأسد، وخاصة من حيث نقص القوى المقاتلة التي يفتقر اليها الأسد في الوقت الراهن»، ويضيف أن «حزب الله أيضا بلغ حده الاقصى وشارف على نوع من الخروج من هذه المرحلة».
ويعتقد بدران أنه مع الانتكاسات المتلاحقة للحكومة السورية، فإن البلاد تقترب من ما يشبه الانقسام إلى نطاقات، ويبدو أن تراجع الأسد إلى الساحل السوري هو نتيجة طبيعية لانتمائه الطائفي والتاريخي لتلك المنطقة السورية. ويضيف أن «الواقع الهيكلي لسورية من حيث الديموغرافيا والجغرافيا، يشير إلى أن الأمر سينتهي بالأسد أخيراً في محمية إيرانية على الساحل الغربي لسورية». وتمثل المدن الساحلية السورية مثل اللاذقية وطرطوس معقل لأقلية الأسد العلوية، التي تضم ما يقرب من 10% من سكان سورية.
ويقول الباحث بمعهد دراسات الامن الوطني بإسرائيل، بندتا بيرتي، «صحيح أنه خلال العام الماضي توقف زخم الأسد، إلا أن العديد من المراقبين توقع الخريف الماضي أن يستعيد مدينة حلب، وبالتالي تتحول الحرب بشكل جذري لمصلحته». ويضيف «ولكن هذا لم يحدث وعلى العكس من ذلك، فقد بدأ النظام يفقد ما استعاده من أراض».
وبالإضافة إلى ذلك، صار النظام يعاني خسائر مالية وبشرية في صفوف مقاتليه، ومع ذلك فالنظام ليس على وشك السقوط، ويستطيع أن يقف على رجليه لفترة طويلة مقبلة، كما يعتقد بيرتي.
وعلى خلفية الصراع الدائر في سورية أصبحت الدول المجاورة مثل الأردن وإسرائيل، قلقة بشأن الوضع على طول حدودها خشية سقوط بعض مناطقها في أيدي جماعات مثل «داعش». الشهر الماضي أشارت التقارير إلى أن «داعش» حاول الحصول على موطئ قدم له في مرتفعات الجولان على الحدود مع إسرائيل، وحدثت هذه المحاولة الأولى من نوعها قرب القنيطرة.
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، رامي عبد الرحمن، «يحدث ذلك لأن داعش له الآن وجود في الجنوب السوري ولأنه قريب من خط وقف إطلاق النار مع الجولان». كما أحبط الجيش السوري الحر و«جبهة النصرة» في 18 من الشهر الماضي محاولة اخرى ل «داعش» في مرتفعات الجولان.
ويصف بدران حالة من الود المتبادل بين مجموعات الثوار و«جبهة النصرة» في جنوب سورية بالقرب من مرتفعات الجولان، حيث ينتمي أفراد عناصر جميع الكيانات لعشائر وقبائل محلية واحدة. ويضيف بدران أن «الكثير من هؤلاء الرجال ينتمون للأهل أوالعشيرة نفسها، ولذلك فليس من الغريب ان يتنقلوا بين جبهة النصرة ومجموعات الثوار غير الاسلامية». وبالمثل فإن «الاردنيين والاسرائيليين لديهم ارتباطات قوية مع هذه القبائل» كما يقول بدران، مشيراً إلى أن هذين البلدين لديهما مصلحة مشتركة في حماية مرتفعات الجولان. ويسعى كل من الثوار و«جبهة النصرة» في المقام الأول إلى منع إيران و«حزب الله»، و«داعش»، من الحصول على موطئ قدم لهم هناك.
وظهرت في الآونة الأخيرة تقارير عن خلايا نائمة من «داعش» في مرتفعات الجولان. ويقول بدران إن الثوار و«جبهة النصرة» فككوا هذه الخلايا بسرعة كبيرة، لأنهم لا يريدون هؤلاء الرجال أن يظهروا على السطح.
وربما بسبب تفاهم بينها وبين إسرائيل لم تشن هذه المجاميع الثورية و«جبهة النصرة»، أي هجوم على إسرائيل. ويقول بدران «إنهم لم يطلقوا أي رصاصة باتجاه إسرائيل أو الاردن لأنهم يفهمون الجغرافيا السياسية». وفي مقابلة مع أحد وسائل الاعلام المحلية، أكد زعيم «جبهة النصرة»، أبو محمد الجولاني، أن جماعته تسعى فقط لإسقاط نظام الأسد وليس مهاجمة الغرب. ويضيف أن «التعليمات التي لدينا تقضي بأن لا نستخدم الشام (سورية) كقاعدة لشن هجمات على الغرب أو أوروبا، لكي لا نزيد الطين بلة في الحرب الحالية»، ويؤكد أن «مهمتنا في سورية هو إسقاط النظام، ورموزه، وحلفاءه، مثل حزب الله، وأود أن أؤكد لكم أن سقوط الأسد لن يستغرق وقتا طويلاً».
وفي حين مضى «داعش» في تحقيق مكاسبه، ويهدد المناطق التي يسيطر عليها النظام في غرب سورية، يبقى من غير الواضح من هو اللاعب في الحرب الأهلية الذي من المحتمل أن يشكل تهديداً لإسرائيل على المدى القصير والطويل.
ويقول زيسر «بشار شيطان نعرفه، ووقعنا مع زعيم حزب الله، حسن نصر الله نوعاً من وقف إطلاق النار، ولكن حزب الله لديه 90 ألف صاروخ موجهة تجاه إسرائيل، أما داعش فليس قوياً كما كان من قبل لكنه خطر جداً ولا يمكن ردعه». ويضيف بأن على اسرائيل«البقاء بعيدا عن الحرب ومراقبة الحدود عن كثب، وهناك القليل جداً ما يمكننا القيام به»، ويقول، «الله وحده يعلم، ربما يكون حزب الله أو داعش هو الذي يشكل تهديداً لإسرائيل في المستقبل، فكليهما خياران رهيبان.»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news