الجيش التركي أمام عدو مختلف

جيل جديد من الأكراد الأتراك يؤجّج الصراع داخل تركيا

ميليشيات من حزب العمال الكردستاني في أحد التحصينات وفي الخلفية تظهر صورة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان. أ.ب

مع نشوء جيل جديد من المقاتلين الأكراد وجد الجيش التركي نفسه أمام عدو مختلف تماماً، يخوض ضده معركة في قلب المدن على مدى الأيام القليلة الماضية، وهذا العدو هم المراهقون والشباب الساخطون.

 

وقضى في تلك المعارك أكثر من 100 شخص في أقل من أسبوع من حرب المدن، حيث تعتبر تلك المعارك الأكثر إثارة للقلق خلال عقود طويلة من النزاع الكردي في البلاد. وتواجه الحكومة التركية، التي تكتمت على التغطية الإعلامية بشأن الهجوم، كابوساً مريعاً لقمعها هؤلاء الشباب.

ويذهب هذا التحول «الجيلي» إلى أبعد من تلك المواجهات بكثير، إذ إن وجود هؤلاء الشباب في الخطوط الأمامية من المعركة قد ينبئ باضمحلال الآمال المتضائلة أصلاً في تحقيق السلام.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، تركز الصراع إلى حد كبير حول السلاسل الجبلية النائية. وظل مقاتلو حزب العمال الكردستاني المحظور يضعون قنابل على الطرق المتعرجة، التي تستخدمها القوافل العسكرية الحكومية، ويشنون هجمات على الحراس المحليين أو يتعرضون هم أنفسهم لضربات في معاقلهم الخاصة من قبل القوات الحكومية.

المعارك الحالية، التي تجري في قلب مدن الجنوب الشرقي، مثل ديار بكر أو سيزر، ليست فقط أكثر دموية وأشد وطيساً بسبب طبيعة حرب المدن، وإنما أيضاً الاشرس لأنها ضد عدو أكثر غموضاً، وبالتأكيد أكثر شباباً.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بلجي بإسطنبول، إلتر توران: «الاهتمام الاساسي للحكومة التركية يتمثل في وضع حد لأي نوع من التمرد المسلح داخل المدن»، ويمضي قائلاً «إن القضية الكبرى هي أن هناك شعوراً منتشراً بين هؤلاء الشباب بشأن التمرد».

وتختلف طريقة عمل المسلحين الشباب، الذين اغتالوا منذ الصيف عدداً من رجال الشرطة المحلية، وأعلنوا مناطق حكم ذاتي في المدن الكبرى بالجنوب الشرقي، تختلف عن طريقة حزب العمال الكردستاني الأكثر رسوخاً. ويزعم رجال الميليشيا كبار السن، بأنهم لا يسيطرون على المقاتلين الشباب، الذين ليس لهم هيكل قيادة واضح.

ويقول الخبير بمركز السياسة بإسطنبول، فؤاد كيمان، الذي شارك في محادثات السلام الفاشلة الأخيرة، «إن هناك غموضاً شاملاً بشأن هذا النوع الجديد من الصراع في المناطق الحضرية، بين هؤلاء المسلحين الشباب والقوات المسلحة»، ويبدو أن الخسائر البشرية عالية للغاية في هذا الصراع المرير، حيث قضى ما يقرب من 40 ألف شخص في الصراع الكردي منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، إذا علمنا أن خمس سكان تركيا البالغ عددهم 77 مليوناً هم من القومية الكردية.

المعركة من أجل مزيد من الحقوق الكردية التهبت أيضاً، أخيراً، بسبب الاضطرابات في الشرق الأوسط، حيث يتوزع الاكراد في المنطقة بين تركيا وسورية والعراق وإيران، وتأثرت القضية الكردية كثيراً، لاسيما بسبب الحرب الأهلية السورية، حيث هب العديد من الأكراد الأتراك الشباب إلى المعركة، لمساعدة إخوانهم في مواجهتهم لـ«داعش».

ولسنوات عدة حذر الساسة الأكراد، بأن الشباب الذين ينشأون في مرتفعات الجنوب الشرقي، والمناطق المتأثرة بالحرب في ضواحي المدن التركية الكبرى سيصبحون أكثر تطرفاً من الجيل الذي قبلهم، ويضيف هؤلاء السياسيون أن احتمالات التوصل لاتفاق تسوية لمزيد من الحكم الذاتي للأكراد ستكون متدنية للغاية.

الآن أصبح هؤلاء الساسة الأكراد أنفسهم مهمشين تقريباً من كلا الجانبين، من قبل المسلحين الشباب الذين يستلهمون من المعارك في سورية، ومن الحكومة التي لم تعد تتحدث إليهم، بسبب الهجمات التي يشنها هؤلاء الشباب المتطرفون.

ويتناقض الوضع الحالي بشكل صارخ مع محادثات السنوات السابقة مع زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل، عبدالله أوجلان، الذي وعد بوقف اطلاق نار هش لعامين ونصف العام، لكن النزاع تجدد مرة اخرى في يوليو.

واستطاعت المعركة التي أجّجها المسلحون الشباب، الذين يطلقون على أنفسهم حركة المجموعة الثورية الوطنية، أن تظهر تدريجياً الى العلن على مدى العامين الماضيين، وتتخذ مستويات من العنف لم تشهدها البلاد منذ عام 1999.

وفي مدن مثل ديار بكر وسيزر، يقاتل الجيش التركي الشباب من شارع الى شارع، في الوقت الذي يفر فيه السكان، حيث فر أكثر من 200 ألف من المدينتين قبل أن يقتحمهما الجيش.

تويتر