بسبب إنشاء المزيد من الولايات
جنوب السودان على شفا حرب أهلية جديدة
يعتقد أكثر من محلل أنه كلما لاحت فرصة للسلام في جنوب السودان، هدد الرئيس سلفا كير، البلاد بمزيد من الصراع الدموي، فقد شهدت البلاد ما يزيد على ست من وساطات وقف إطلاق النار، والتي تعرضت للانتهاك جميعاً قبل عودة المعارضة في ديسمبر الماضي إلى العاصمة جوبا، بموجب اتفاق لإنهاء الحرب الأهلية الدامية التي استمرت لمدة عامين. لم تصل أي من الوساطات السابقة إلى حد الوصول إلى اتفاق. وبنهاية العام الماضي، بعد أن تمخضت الحرب الأهلية عن نزوح مليوني مواطن، وآلاف من القتلى، وعدد لا يحصى ممن أصيبوا بإعاقات وتعرضوا لعمليات اغتصاب، عادت قوات زعيم التمرد ونائب الرئيس السابق، ريك مشار إلى جوبا، لعقد شراكة في حكومة وحدة وطنية مع حكومة الرئيس سلفا كير ميارديت الحالية.
إعادة التقسيم
ولكن في الوقت الذي بدا فيه أن من الممكن وضع حد لكل هذه المعاناة، أعلن سلفا كير عشية عيد الميلاد، أنه ماض في وضع خطة لإعادة تقسيم ولايات البلاد، رآها المراقبون أنها قد تقذف البلاد المنهكة أصلاً، في أتون حرب أهلية جديدة، حتى قبل تنفيذ اتفاق السلام الحالي. وفي إعلانه قرر كير استبدال ولايات البلاد الـ10 بـ28 ولاية جديدة، وقال انه عيّن بالفعل 28 والياً جديداً لإدارتها - جميعهم يدينون له بالولاء، وأدوا اليمين الدستورية بعد خمسة أيام من ذلك.
ويعتبر تقسيم جنوب السودان إلى ولايات جديدة لعبة سلطوية يلعبها كير، حيث تم تصميم معظم حدود تلك الولايات لضمان سيطرة قبيلته الدينكا على معظم البلاد. ويعرض هذا التقسيم الجديد للخطر أيضاً اتفاق السلام الذي توصلت حكومته إليه مع المتمردين بزعامة مشار في أغسطس الماضي، حيث يدعو الاتفاق إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية على أساس الولايات الـ10 الحالية، ورد أعضاء المعارضة بغضب على خطاب الرئيس عشية عيد الميلاد.
إغلاق الباب
وأشار أحد جنود المعارضة في حسابه على «فيس بوك» إلى أن الباب قد أغلق مرة أخرى في وجه السلام في جنوب السودان وإلى الأبد، حيث يعتبر تعيين ولاة لـ28 ولاية جديدة، بمثابة إعلان حرب على شعب جنوب السودان.
ولا تكافئ خطة كير الموالين له فحسب، وإنما تعرض أيضاً تماسك حركة التمرد المعروفة بالحركة الشعبية في المعارضة، للخطر، وخلافاً لما يتم تصويرها دولياً، فإن الحركة الشعبية في المعارضة هي قوة متباينة ذات أجندة محلية، يتنافس بعضها ضد بعض. ويقول زعماء التمرد ومحللون إن تقسيم الحدود على مستوى الدولة من شأنه أن يفاقم هذه التوترات، ويزيد من اشتعال النزاعات على السلطة المحلية.
ويرى الباحث بمشروع سمول آرمز سيرفاي، جشوا كريز أن تعليمات كير بإنشاء 28 ولاية جديدة، سيؤدي إلى تفاقم الشروخ الموجودة بالفعل في جنوب السودان، ويهدد بتصاعد التنافس المحلي على الأراضي والمؤسسات في جميع أنحاء البلاد.
وليس هناك خطر أكبر من تجدد العنف بصورة أكبر مما كان عليه الحال في معقل الشلك، ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد، والموجودة في ولاية أعالي النيل الغنية بالنفط. قبيلة الشلك، التي تنتمي إلى واحدة من عدد قليل من الممالك الهرمية في المنطقة، والتي يعود تاريخها إلى ما قبل تشكيل جنوب السودان الحديث بخمسة قرون، يدين أفرادها بالولاء لبعضهم بعضاً ولأراضيهم قبل أي كيان سياسي آخر، فقد قدمت لهم سهول النيل الخصبة كل شيء، أكثر مما قدمت لهم أي حكومة في أي وقت مضى.
الحرب الأهلية
إذن، فالحرب الأهلية هي عبارة عن توازن دقيق لقبيلة الشلك، ولأكثر من عام، ظلت القوة المقاتلة الرئيسة للمجموعة، والمعروفة باسم «جيش أقوليك»، متحالفة مع الحكومة. ولكن في أبريل من العام الماضي، عندما طرح كير فكرته المتمثلة في 28 ولاية ، والتي يعتبرها قادة الشلك ذريعة لتقسيم منطقتهم، انضم أكبر ضباط القبيلة، جون أوليني، بقواته للقتال مع مشار.
وفي مكتب متداعٍ في مدينة واو بأعالي النيل، موطن الشلك، قدم العميد موقهات ابيل، أحد القادة التابعين لأوليني، تفسيراً بسيطاً عن سبب استخدام رجاله الأسلحة التي قدمها لهم كير ضد حكومته، بقوله «أرضنا هي موردنا».
وعلى الرغم من أنهم يفتقرون إلى التدريب العسكري الرسمي، مثل العديد من الميليشيات المتمردة في جنوب السودان، فإن أفراد جيش أقوليك مجهزين تجهيزاً جيداً للدفاع عن أرضهم، وبواسطة الأسلحة التي حصلوا عليها من الحكومة في وقت مبكر من الحرب الأهلية، تمكنت قوة الشلك أيضاً من الاستيلاء على ثلاث بوارج تابعة للأمم المتحدة على نهر النيل في نوفمبر الماضي، وأخذوا عدداً غير معروف من قوات حفظ السلام في الأسر، واستولوا على 55 ألف لتر من الوقود. وتم الإفراج أخيراً عن جنود حفظ السلام، ولكن الوقود ظل تحت استخدام قوات أقوليك.
وإذا لم تتم الاستجابة لمطالبه بشأن الحكم الذاتي، فيستمر جيش الشلك في زعزعة استقرار شمال شرق البلاد، وجميع حقول النفط المهمة الموجودة هناك، حتى بعد تنفيذ اتفاقية السلام بين كير ومشار. وفي اعتراف ضمني بهذه الحقيقة، أرسلت الحكومة أقوى وحداتها العسكرية، جنباً إلى جنب مع أسطول من طائرات الهليكوبتر الهجومية، لحراسة حقول نفط بالوش في ولاية أعالي النيل، والذي تأتي منه معظم عائداتها من النفط.
القتال مستمر
ويقول راعي كنيسة واو، نياويلو عيسى، «اذا لم تعد الحكومة الأرض للشلك، فسيستمرون في القتال، حتى ولو كان هناك سلام في جوبا».
ويقول نياويلو أن أكثر من 600 شخص أو نحو ذلك من كنيسته لا يتوقعون أن يفضي السلام إلى شيء، فعندما تحول جيش أقوليك إلى جانب المتمردين في أبريل، انقطعت المساعدات الإنسانية عن الشلك في واو، لأكثر من خمسة أشهر، بسبب احتدام القتال. واضطر الناس للعيش على سعف النخيل الذي ينمو على ضفاف النيل. وحيث إن التسوية الآن في يد الحركة الشعبية في المعارضة، وإن القتال قد هدأ نسبياً، عادت منظمات الإغاثة للعمل، ويستطيع معظم الناس الحصول على وجبة واحدة أو وجبتين في اليوم. وتمت إعادة افتتاح مدرسة واحدة من المدارس الأربع التي ظلت مغلقة خلال الحرب، وبدأت بعض المحال التجارية تعرض قليلاً من البضائع على رفوفها، على الرغم من أن معظم الناس هنا ليس لديهم ما يكفي من المال لشراء أي شيء.
جيش أقوليك ليست هي المجموعة الوحيدة، التي يمكن أن تنقلب على مساعي السلام في جنوب السودان، ففي أوائل يناير، أغلقت مجموعة من الشباب من عرقية موندا مدججين بالسلاح الطريق الاستراتيجي الذي يربط جوبا مع بحر الغزال، احتجاجا على التقسيم المقترح لولاية وسط الاستوائية، والمجموعات المحلية في ولاية شمال بحر الغزال، مصرين على عدم ضمهم إلى ولاية لو،ل التي تم إنشاؤها بموجب قرار كير.
ويقول أحد موظفي الأمم المتحدة أن الكثير من الناس مسلحين وغير مدربين على استخدام السلاح، وعلى استعداد لقتال الحكومة، في إشارة إلى الميليشيات العرقية والمحلية الأخرى، التي قد تحمل السلاح إذا لم يتم إلغاء خطة التقسيم الجديدة.
وبالفعل، فإن الجميع مستعد لقتال بعضه بعضاً، ففي ولاية الوحدة، إحدى أكثر الولايات التي دمرتها الحرب الأهلية، يمكن أن تشتبك قبائل النوير المختلفة مع بعضها بعضاً للاستفادة من الحدود الجديدة للولايات، وهي التي تحالفت مع حكومة كير، وما لاشك فيه أن الرئيس يرى أن إحدى مزايا خطته هي تقديم أرض جيدة للنوير، الذين ظلوا موالين له خلال الحرب الأهلية. ويقول المحلل بمجموعة الأزمات الدولية، كيسي كوبلاند «إن ولاية الوحدة لن تشهد صراعاً عرقياً، بل صراعاً بين مجموعات النوير المختلفة، بعضهم متحالف مع الحكومة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news