البعض يعتبره تهديداً وجودياً أكثر من الخطر الأمني
الفساد ينخر عميقاً في المؤسسات الإسرائيلية
نظراً إلى ظهور سلسلة من فضائح الفساد على عناوين الصحف، أخيراً، في إسرائيل، والتي تمثلت في قرار المحكمة العليا إرسال رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت إلى السجن لمدة 18 شهراً بتهمة الرشوة، فإن الشعور العام يفيد بأن الفساد ينخر عميقاً في مؤسسات الدولة. وانعكس ذلك في استبيان أُجري في 8 يناير على القناة الثانية الاسرائيلية، والتي كشفت عن أن 72% من الذين شملهم الاستبيان، يعتقدون بأن المسؤولين المنتخبين فاسدون.
أولمرت اعترف أخيراً تم الحكم على أولمرت عام 2014 بالسجن لمدة ست سنوات على تهمتين منفصلتين، هما أخذ الرشى، في بداية عام 2000 عندما كان رئيساً لبلدية القدس، وعلاقته ببناء تجمع سكني ضخم. ولكن في ديسمبر من العام ذاته، خففت المحكمة العليا العقوبة إلى 18 شهراً، وبرأته من إحدى التهمتين. وفي الأسبوع الماضي، أضافت محكمة الصلح في القدس شهراً إلى عقوبة أولمرت في السجن، بعد أن اعترف رئيس الحكومة السابق بأنه مذنب بإعاقة العدالة، في العديد من القضايا الموجهة ضده. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعترف بها أولمرت بانه فعل شيئاً خاطئاً، بعد أن دافع باستمرار عن براءته طيلة ثماني سنوات، التي استغرقتها محاكمته. واعترف أولمرت بأنه حاول اقناع سكرتيرته السابقة، شولا زاكين، كي لا تشهد ضده في قضية التجمع السكني، والقضية الأخرى التي تتعلق بحصوله على أموال من رجل الأعمال الأميركي موريس تالانسكي. |
وجاء التقييم الدولي لإسرائيل، قبل سنوات، على قائمة الدول الأكثر فساداً، قاسياً، مقارنة بالدول الاوروبية. وحسب مقياس الفساد لعام 2015، الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية، فقد تم تصنيف إسرائيل في الثلث الاخير من أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث جاء ترتيبها الرقم 24 من ضمن 34 عضواً.
وبغضّ النظر عن المشاعر العامة بأن الفساد يواصل الانتشار على المستويات العليا والبلدية، يبدو أن العامة والنظام السياسي الإسرائيلي غير مبالين بهذا الوضع، اذا لم نقل إنهم في واقع الأمر متسامحون مع المسؤولين الحكوميين المشتبه فيهم بارتكاب الفساد، أو مدانين به. والمثال الصارخ على موقف التسامح مع الفاسدين، هو عودة زعيم حزب شاس أريه درعي إلى منصب وزير الداخلية، فقد أُجبر الرجل على الاستقالة من المنصب ذاته عام 1993 بتهمة تلقي رشى، اضافة إلى إدانته بذلك، الأمر الذي أدخله السجن لعامين. وثمة مسؤولون حكوميون آخرون تمتعوا بهذا الموقف المتسامح من قبل العامة، على الرغم من تورطهم في فضائح الفساد. ويمضي محافظ بلدة بات يام سابقاً، شلومو لاهياني، عقوبة السجن لمدة ثمانية أشهر، ومع ذلك فإنه يظل أحد أكثر المسؤولين الذين تقلّدوا منصب المحافظ لهذه المدينة.
وأكد الخبراء الذين التقى بهم موقع المونيتور الاميركي أن اللامبالاة التي يبديها العامة الإسرائيليون ازاء الأضرار الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية للفساد، ليست أقل خطراً من التهديد الوجودي على الدولة. وقال المحامي والناشط ضد الفساد إيتان إيريز: «الضرر الذي يسببه الفساد لإسرائيل، يعتبر أكثر خطراً من أي ضرر آخر تعرضنا له من قبل حزب الله خلال العقدين الماضيين».
وحذر المدير التنفيذي لحركة «كواليتي في إسرائيل»، إيلي سولام، من الفساد العام الذي ينتشر أثره بصورة مدمرة، وقال: «في ما يتعلق بالفساد، فإن اسرائيل تتجه نحو تحولها إلى دول العالم الثالث التي يرثى لها. وتعتقد حركتنا أن الخطر الوجودي على اسرائيل يتمثل في الفساد، الذي يؤدي إلى تقويض النسيج الاجتماعي. وتعتبر الفجوة المتزايدة باستمرار في الدخل بين أفراد المجتمع، اضافة إلى فقدان الأخلاق التي نشهدها في المجتمع الاسرائيلي هذه الأيام، أشد خطراً من أي تهديد أمني آخر».
ولاحظ الخبراء أنه في إسرائيل، ينظر إلى الفساد، خصوصاً على مستوى البلديات، في بعض الاحيان من قبل السكان، باعتباره آلية لتسريع المعاملات، وتجاوز النظام البيروقراطي. وقال الأستاذ في كلية القانون بجامعة بار ايلان، والعضو في المعهد الديمقراطي الاسرائيلي، يوفال فيلدمان: «بعض قضايا الفساد، على مستوى البلديات، يمكن أن يرجع إلى الخطوط المبهمة التي تفصل الشخصي عن الحقل المهني. وفي الواقع فإن الإسرائيليين يصبون إلى علاقات مباشرة مع المحافظين التابعين لهم. وأما المحافظون من جهتهم، فانهم مهتمون بالترويج للمدينة وجذب الاستثمارات والعقود لها، وللوصول الى هذه النتيجة، فانهم يتخذون سلسلة من الإجراءات على ما يبدو بنية حسنة. ولكن في النهاية تكون النتيجة عبارة عن تجاوز للقانون، وهذه أقرب طريقة لمخالفة القانون».
ويضيف سولام، الذي يعتقد أن العامة الاسرائيليين غير مدركين للخطر الكامن في الفساد «يُنظر إلى الفساد باعتباره عملاً مشروعاً. كما أن الضرر الأخلاقي الناجم عنه هو الأشد خطورة»، ولفت الانتباه إلى الفرق بين إسرائيل والدول الأخرى في نظرتها إلى الفساد، قائلاً: «في الدول التي يحكمها الدستور، فإن أي مسؤول يرتكب خطأ بسيطاً يتحمل المسؤولية ويستقيل، حتى لو أنه ليس هناك أي انتهاك جنائي في الموضوع. ولكن في اسرائيل، يكون المعيار عكس ذلك تماماً، فاذا تم توجيه تهمة الفساد ضد مسؤول كبير، وتمكن من الخروج من الإجراءات القانونية سالماً دون إدانة، أو أنه حصل على براءة جزئية فإن العامة، إضافة اليه، يعتبرون ذلك شهادة بشرعيته».
وإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن الإسرائيليين غير مدركين لهذا الأمر، فإن الفساد يؤثر في جيوب الجميع. وقدم سولام مثالاً على ذلك قائلاً: «اكتشفت حركتنا أن بعض الشراكات المريبة تمت في مجال صناعات الخضار والعسل، حيث تمت الشراكة بين الطرفين، للالتفاف على الاسعار الباهظة على حساب العامة».
ومن المعروف ان أسعار العسل في إسرائيل أعلى منها في الولايات المتحدة بنسبة 35%، لأن السوق المحلية تخضع لسيطرة كارتل يطلق عليه «مجلس العسل». وبخلاف ما يوحي به الاسم، فإن هذا المجلس ليس ادارة حكومية، وإنما جمعية خاصة تمتلك سلطات واسعة، وفي واقع الأمر فإنها تتمتع باحتكار السوق، بالنظر إلى أنها ناجحة في القضاء على جميع المنافسين الآخرين. وفي هذه الحالة، فإن الأمر الذي يثير الشكوك بوقوع حالة فساد وصراع مصالح، حسب حركة كواليتي الاسرائيلية، أن ممثلي الحكومة في المجلس، هم من أصحاب أسهم احدى الشركات المشاركة في المجلس، التي تسيطر على سوق العسل.
وبالنظر إلى أنه تمت الإشارة إلى المشكلات الناجمة عن الفساد، يقترح الخبراء إجراءات معينة للتعامل مع هذه القضية في اسرائيل، بما فيها الشجب العلني للفساد، وتحديد عقوبات صارمة لمرتكبيه. وقال إيريز: «لماذا نحن كمجتمع، نمنح المدانين بالفساد ميزة تحولهم إلى مشاهير في البرامج الحوارية، والزوايا الصحافية؟ يجب أن يبتعد الجمهور عن أي فعالية يحضرها أي من هؤلاء الأشخاص المدانين بالفساد».
ويقترح فيلدمان اللجوء إلى أسلوب مختلف وهو يقول: «نحن الإسرائيليين طورنا توجهاً نحو الإجراءات الجنائية، ونحن نتطلع دائماً إلى حبات التفاح المتعفنة داخل العربة. حتى أننا لا نحاول فهم الوضع الذي يدفع الاشخاص النزيهين كي ينتهي بهم المطاف لأن يصبحوا فاسدين، ومنتهكين للقانون. وما نحتاج إليه الآن هو أسلوب منفتح لفهم القانون، يسير إلى ما هو أبعد من الحدود القسرية للقانون الجنائي».
وكما لوحظ فإن المشاعر العامة بين الاسرائيليين، تفيد بأن الفساد يسير من سيئ إلى أسوأ في المؤسسات الحكومية، ولكن يبدو أن الاسرائيليين غير مبالين لهذا الوضع، والمخاطر الكامنة المترتبة عليه. وعمل الساسة الاسرائيليون على دفع العامة إلى الاعتقاد، بأن الخطر الحقيقي الذي يواجهونه يتمثل في التهديدات الأمنية فحسب، وبناء عليه فإن نقاشاً عاماً حول النتائج المترتبة على الفساد، يجب أن يتم تأجيله.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news