العرب السنة بحاجة إلى ضمانات سياسية وأمنية من بغداد لنجاح مشاركتهم في المعركة

استعادة الموصل مهمة تــــزداد صعوبة على الجيش العراقي

صورة

بدأ الأسبوع الماضي بهجمات على كل الجبهات، تشنها القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي الشيعية والعشائر السنية، إضافة إلى قوات البشمركة الكردية. ويسعى الجميع لاسترجاع الأراضي التي استولى عليها تنظيم «داعش» الإرهابي، بما في ذلك الفلوجة، التي سقطت قبل عامين في يد المتطرفين، والرقة التي تعتبر أهم معاقلهم. إلا أن الموصل، التي ستكون المكافأة الكبرى بالنسبة لمن يقتحمها، فتبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن، وذلك على الرغم من الاستعدادات لاستعادة المدينة منذ أكثر من عام.

الموصل هي ثاني أكبر مدينة في العراق، انتزعها «داعش» من الحكومة العراقية، في 2014، في أول استعراض كبير للقوة، واستعادتها ضرورية لكسب الحرب ضد المتطرفين، لكن بينما يحاول المقاتلون المضي قدماً في ساحة المعركة، لا أحد يفعل شيئاً يذكر لتعزيز المصالحة بين الشيعة والعرب السنة، لأن العراق يحتاج حقاً لبناء قوة قادرة على هزيمة «داعش»، في الموصل وخارجها، وخلق الظروف السياسية لمنع عودته، على حد سواء.

استعادة الموصل

لابد من التفكير بعمق قبل إطلاق المعركة التي تلوح في الأفق لإعادة السيطرة على الموصل، ذلك لأن هذه المدينة تشكّل بيئة لا مثيل لها في العراق. فمدينة الموصل بعيدة عن بغداد، جغرافياً وثقافياً على حد سواء. وتقع على بعد 200 ميل بالسيارة من العاصمة و100 ميل شمالاً من أقرب القواعد العسكرية العراقية في مدينة بيجي، موقع الجيش العراقي المؤقت في الشمال. كما أن الموصل هي ثاني أكبر مدينة في العراق، ويزيد عدد سكانها على مليون شخص بقليل، بينما تبلغ مساحتها نحو نصف مساحة بغداد، لكن أكثر من ضعف مساحة البصرة، ثالث مركز إقليمي تقليدي للعرب في العراق.

إلى جانب ذلك، تضم مدينة الموصل فسيفساء من الأديان والأعراق. وقبل أن يسيطر عليها تنظيم «داعش» في يونيو 2014، كان 65% من سكانها تقريباً من العرب السنّة، وذلك وفق نتائج الانتخابات، وربما تشمل الآن عدداً أكبر من السنّة بعد نزوح الأقليات غير السنية، في الأيام الأولى من سيطرة «داعش» على المدينة. ولطالما اعتبر الأكراد والتركمان والآشوريون ومجموعة كبيرة من الأقليات العرقية والدينية الأخرى الموصل ديارهم، لكن ربما أنهم يشكلون اليوم أقل بكثير من ربع سكان هذه المدينة.

نعتقد نحن الأكراد أن الطريق إلى الموصل يبدأ من بغداد. نعمل أنا وزملائي في مجلس الأمن الكردي بشكل وثيق مع التحالف الدولي ضد «داعش»، ونخطط للهجوم على الموصل. تبقى البشمركة القوة الأكثر فاعلية ضد التنظيم في العراق، وقد تمكنت من هزيمته في المواقع التي واجهته فيها، وأوقفت توسعه نحو الشمال. ساهم قصف الطائرات الأميركية، وعمل القوات الكردية على الأرض حول الموصل وفي سورية، في تحديد نشاط التنظيم ومصادر تمويله.

ستواصل قواتنا في إيجاد الظروف التي تتيح تحرير الموصل. لقد سمحنا للجيش العراقي باستخدام الأراضي الكردية كنقطة انطلاق، ومنذ ذلك الحين، في الواقع، شهدنا زيادة مفاجئة في هجمات المتشددين على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، لكن رجالنا لا يمكنهم الذهاب إلى الموصل بمفردهم وهي مدينة عربية، حيث سينظر إليها على أنها قوة احتلال. ببساطة، يتطلع الأكراد لتسيير شؤونهم في منطقتنا - إقليم كردستان العراق، ولن يموت مقاتلو البشمركة لاستعادة الوحدة الوطنية العراقية. لا يمكن للأكراد إجبار الشيعة والعرب السنة على العيش معاً في سلام.

عملية الموصل

يستمر نحو 40 ألف مقاتل من البشمركة في حراسة الحدود، مع المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، على طول 600 ميل شمال العراق. وقد اعتمد هؤلاء المقاتلون، في الغالب، على معدات عسكرية تعود إلى الحقبة السوفييتية لاستعادة أكثر من 8000 ميل مربع من الأراضي. نحن عازمون على أن نحتفظ بكل شيء، بما في ذلك المدينة الغنية بالنفط كركوك، التي تخلى عنها الجيش العراقي في يونيو 2014 عندما اجتاح «داعش» شمال العراق. كما أننا جزء من التحالف العالمي ضد التنظيم المتطرف، الذي يمثل تهديداً لنا، لذلك لدينا مصلحة في المشاركة في عملية الموصل. لكننا نتوقع من الحكومة العراقية أن تعوضنا، عسكرياً وسياسياً.

العملية القادمة في الموصل ستكون أكثر صعوبة من الهجوم في الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار في غرب العراق، التي استعادها الجيش العراقي في ديسمبر الماضي، في أول انتصار كبير ضد التنظيم. وفي هذه الحالة، يمكن للحكومة أن تعتمد على جبهة سنية صغيرة، لكنها متماسكة للمساعدة. هذا يعني أن العملية لم تتطلب احتلال الميليشيات الشيعية للمدينة السنية. ونظراً لوحشية بعض هذه الميليشيات في أماكن عدة، ربما لا يفضل العديد من السكان المحليين هذا البديل (الميليشيات).

فسيفساء عرقية

الموصل، من ناحية أخرى، هي مدينة أكبر من ذلك بكثير، مع فسيفساء من الجماعات العرقية والدينية. إنها المركز السياسي والقبلي للمشاعر المعادية للحكومة. تقدر الحكومة الكردية والتحالف الدولي المناهض للتنظيم، أن هناك نحو 9000 مقاتل متشدد في المدينة، وطردهم منها يتطلب كتيبتين على الأقل، ما يعادل 30 ألف رجل، يخوضون قتالاً من منزل إلى منزل، لمدة قد تصل إلى ستة أشهر. ومع أن الموصل سقطت في أيدي المتشددين منذ عامين، فلا يوجد سوى 5400 جندي من الجيش العراقي في منطقة «مخمور»، التي تبعد 50 ميلاً من الموصل.

الولايات المتحدة تكرس جهوداً مضنية لإبعاد الميليشيات الشيعية عن الموصل، حيث ستؤدي مشاركتهم إلى دوامة لا نهاية لها من تصفية الحسابات، الأمر الذي يقلل الآمال بأن السنة ستنقلب على التنظيم وتحاربه.

لكن كان هذا النوع نفسه من الثورة السنية التي كانت مطلوبة لهزيمة سلف «داعش» - تنظيم القاعدة في العراق ـ والجهود المبذولة ضد «داعش» لا يمكن أن تنجح، دون تعبئة مماثلة في المناطق السنية، حيث تسود المجموعة. والمتطوعون في المعركة الحالية، مع ذلك، مشتتون، بسبب الاختلافات العرقية وعدم الثقة. وكل مجموعة في الموصل تتنافس على النفوذ في مرحلة ما بعد «داعش»، بعضها مدعوم من قبل تركيا، وتعمل ضد الميليشيات الشيعية المدعومة من طهران. إيران وتركيا، بدورهما، يملآن الفراغ الذي خلفته حكومة بغداد. ولم يقدم المسؤولون بديلاً لهيمنة الميليشيات الشيعية من جهة، أو سيطرة «داعش»، من جهة أخرى.

لكن السياسات الصحيحة يمكن أن تزيد من فرص نجاح العمليات العسكرية. يمكن أن تفعل بغداد المزيد لتشجيع الثورة التي يقودها عشائر السنة. هناك أكثر من مليون عربي، معظمهم من السنة، نزحوا في إقليم كردستان، وخلال حواراتنا معهم، أعربوا أنهم ليسوا مهتمين بالقتال لاستعادة الموصل ما لم تأت ضمانات سياسية وأمنية من بغداد، فنقل مزيد من السلطات إلى المحافظات السنية يمكن أن تمنح سكانها حصة في مستقبل البلاد ونصيباً من العملية السياسية.

عزيز أحمد - كاتب وعضو المجلس الأمني في إقليم كردستان العراق.

تويتر