«وثيقة الدبلوماسيين» لن تدفعها إلى تغيير رأيها

أميركا تقترب من الصراع السوري بحذر شديـد..والتـدخـل العسـكري غيــر وارد

صورة

تقدم العشرات من موظفي وزارة الخارجية الأميركية بمذكرة لإدارة الرئيس باراك أوباما، الأسبوع الماضي، مطالبينها باتخاذ موقف أكثر حزماً ضد الحكومة السورية ونظام الرئيس بشار الأسد، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية. ومن بين الموقّعين الـ51، دبلوماسيون في واشنطن وآخرون يعملون في البعثات الدبلوماسية الأميركية في الخارج. ومن أبرز هذه الشخصيات، القنصل العام في إسطنبول، كما انضم مسؤولون آخرون تربطهم علاقة هامشية بملف الأزمة السورية.

وتدعو المذكرة إلى التعامل مع الوضع الإنساني المتدهور، باستخدام الضربات الجوية وأسلحة أخرى بعيدة المدى، دون وجود قوات على الأرض، من أجل إجبار الأسد على الدخول في المفاوضات التي تقودها أميركا، بهدف إنهاء الحرب الأهلية، التي أودت بحياة نحو 400 ألف شخص، خلال خمس سنوات، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، في حين تشرد نصف السكان داخلياً أو هربوا من بلادهم.

يبدو أن كثيراً مما جاء في الوثيقة يحظى بدعم من مسؤولين في إدارة أوباما، الذي قاوم التدخل العسكري المباشر في الحرب باستمرار، مبرراً ذلك بسفك مزيد من الدماء، وأن التدخل لن يحسن الوضع في سورية. وأشاد وزير الخارجية جون كيري بالوثيقة، واصفاً اياها بـ«البيان المهم».

واقعياً فإن الولايات المتحدة تقترب من الصراع السوري بحذر شديد، وخلال السنوات الماضية كررت واشنطن استياءها من عدم وجود تنظيم عسكري أو سياسي، من قوات المعارضة المعتدلة. كما ردد البيت الأبيض المخاوف، دائماً، من أن السلاح الذي يقدم لمقاتلي المعارضة ربما يصل إلى المتطرفين.

في غضون ذلك، اضطرت المعارضة السورية للانسحاب من المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، سعياً للوصول إلى حل سياسي، بسبب القصف والكارثة الإنسانية. ومع مطالبتهم بتدخل بلادهم المباشر في الأزمة السورية، لم يدعم الموقعون على المذكرة الدخول في نزاع مع روسيا، قد ينتهي بمواجهة عسكرية. وليس من الواضح كيف يمكن تجنب مثل هذا الأمر، بالنظر إلى أن السماء السورية مزدحمة بالمقاتلات الروسية وغيرها، إضافة إلى الدعم الروسي الكبير لنظام الأسد.

هدف غامض

خلافات عميقة

لا يتوقع مسؤولون في واشنطن تغييراً في سياسة البيت الأبيض الخاصة بسورية خلال الأشهر السبعة المتبقية من رئاسة أوباما، رغم تمسكها بالاستماع لوجهات نظر دبلوماسيين معارضين. وتسلط الوثيقة الدبلوماسية العارضة لسياسة أوباما، الأضواء على خلافات بين كبار مساعدي الرئيس الأميركي، بسبب طريقة الأخير في التعامل مع الحرب الأهلية السورية، الذي اعتمد على تجنب مشاركة عسكرية كبيرة في مناطق الفوضى بالشرق الأوسط، الاستراتيجية التي واجهت انتقادات واسعة. واستغل خصوم أوباما، من الجمهوريين هذه الوثيقة لشن هجوم على سياسته، ومن هؤلاء رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إد رويس، الذي قال إن خلافات عميقة في إدارة الرئيس حيال سورية، «روسيا وإيران ونظام الأسد هم الذين يتحكمون في الوضع هناك، ولا يهتمون بوقف إطلاق النار، في حين يستمر الأسد في ارتكاب جرائم الحرب ضد شعبه». في المقابل، قال مسؤول في الإدارة الأميركية، فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه من الطبيعي أن «تكون لدينا آراء متعددة، في قضية معقدة كالأزمة السورية، وهذه الوثيقة تعكس ذلك»، وذلك في محاولة لتقليل الأضرار التي تسببت فيها هذه المذكرة التي يفترض أنها سرية.

في الواقع هناك أسباب كثيرة تجعل هذا التدخل غير وارد، أقلها الهدف العسكري الغامض والمخاطر المحدقة بالعاملين في القوات الأميركية. وأهمها معارضة الرئيس الأميركي لهذا التدخل. حتى الدبلوماسيون الذين وقعوا على الوثيقة، لا يدعون أوباما لنشر قوات ميدانية لإزاحة الأسد من السلطة فوراً، أو جعله يسلم الأراضي لجماعات المعارضة، وهي أهداف نموذجية في الحملات العسكرية. وبدلاً من ذلك، فان تركيز الضربات على أهداف محددة، يمكن أن يزيد القدرة في التأثير على الرئيس السوري في المفاوضات التي فشلت مراراً حتى الآن.

في المقابل، من شأن التدخل العسكري أن يغرق واشنطن في صراع خطير، لا يمكن توقع نتائجه. فالمعارضة السورية تضم العشرات من التشكيلات المسلحة، ومجموعات عرقية متنافسة، إضافة إلى تنظيمات تصنفها أميركا ضمن المجموعات الإرهابية، مثل «داعش». وسلاح الجو الروسي يدعم الحكومة، والقوات الإيرانية تقاتل إلى جانب الأسد على الأرض، والطرفان يسيطران على سماء وأرض المعركة.

والأولويات الأميركية حالياً تتركز في مكان آخر. وعلى الرغم من دعوة الأسد إلى التنحي، قبل خمس سنوات، وتركيز أوباما على هزيمة «داعش» في سورية وليس تغيير النظام، فإن إدارته تريد الحفاظ على الدولة السورية والجيش من أجل «حكومة انتقالية» في المستقبل، يمكنها استعادة النظام والقضاء على التنظيم المتطرف. إنها تريد مساعدة روسيا وإيران في هذا الجهد.

مبرر أخلاقي

وتعبر الوثيقة الدبلوماسية عن إحباط واضح من استجابة البيت الأبيض، حيال صراع ساهم في قتل نصف مليون شخص، وتشريد الملايين في جميع أنحاء العالم، وسط أزمة لاجئين كارثية. وتقول المذكرة، «إن المبرر الأخلاقي لاتخاذ خطوات لإنهاء حالة القتل والمعاناة في سورية، بعد خمس سنوات من الحرب الوحشية، واضح ولا يرقى إليه الشك».

هذه المشاعر ليست جديدة، فوزيرا الخارجية في إدارة أوباما، هيلاري كلينتون وجون كيري، دفعا للتدخل، وكذلك وزير الدفاع ومدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق، ولكن القائد العام (أوباما) لديه الكلمة الأخيرة، ولا شيء غيّر موقفه إلى حد الآن. وفي ذلك تقول المتحدثة باسم البيت الأبيض، جنيفر فريدمان، إن «الرئيس كان واضحاً دائماً، أنه لا يرى حلاً عسكرياً للأزمة في سورية، والأمر على ما عليه».

وبغض النظر عن هزيمة تنظيم «داعش»، تشمل استراتيجية أوباما في سورية ثلاث مراحل: إجبار الأسد على وقف إطلاق النار، وإجراء محادثات «الانتقال السياسي»، ومن ثم الضغط عليه لترك السلطة، وبعدها توحيد جيشه والقوى المعتدلة للانضمام الى جهود مكافحة الإرهاب. إلا أنه بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية، لم تبدأ المرحلة الأولى بعد؛ فالقتال يحتدم على الرغم من العديد من فترات وقف إطلاق النار الجزئية بين الحكومة وفصائل المعارضة السورية. ودون استخدام القوة، يوضح الموقعون على المذكرة، فإن الأسد لن يشعر بالضغوط لوقف القصف والتفاوض مع معارضيه. ووفقاً لهؤلاء الدبلوماسيين، فإن التدخل العسكري من شأنه أن يدفع العملية الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة ويجعلها أكثر تركيزاً.

يقول الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أندرو تابلر، «التهديد بالضربات الجوية يجلب نتائج مذهلة»، موضحاً «نحن لا نتحدث هنا عن غزو سورية أو عراق آخر؛ لكن عن معاقبة الأسد لتجاوزاته وعدم التوقف عن الأعمال العدائية. يمكن لتوصيات هذه الوثيقة، إذا أخذت على محمل الجد، تغيير موقف الأسد التفاوضي الراكد.

ويقول الموقعون إن تنفيذ ما جاء في المذكرة من شأنه ان يعالج مسألة غياب دعم الأغلبية السنية في سورية لأهداف الولايات المتحدة لعزل وهزيمة «داعش». المسلّحون السنة يقودون المعركة ضد نظام الأسد. ولكن إذا أخذنا ليبيا على سبيل المثال، فإن التدخل الأميركي لا ينتهي دائماً على هذا النحو. فبعد عام من الإطاحة بالقذافي، هاجم مسلحون إقامة السفير الأميركي في بنغازي. ولا يوجد لواشنطن وجود دبلوماسي في هذا البلد اليوم.

تويتر