في حال عدم الاتفاق على دور كل مجموعة مشاركة في القتال

معركة الموصل تقــود إلى حـــرب أهلية أخرى في العراق

صورة

خلال رحلة قمت بها إلى شمال العراق، في نهاية شهر أغسطس الماضي (الحديث للكاتب)، تحدثت مع قائد لواء البشمركة السابع، الجنرال بهرام ياسين، عن المعركة المرتقبة لتحرير الموصل. وذكر الرجل ـ خلال حديثه من موقعه الذي يشرف على خطوط تنظيم «داعش» الإرهابي الدفاعية خارج الموصل ـ بعض التفاصيل حول ما يتوقع حدوثه عندما تبدأ معركة تحرير هذه المدينة، وقال إنه يمكن أن تحدث معارك بالسلاح الأبيض، ويمكن استخدام دروع بشرية، كما أن مقاتلي «داعش» المتحصنين جيداً، منيعون ضد القصف الجوي، وأن جميعهم سعداء بنيل الشهادة. وقال ياسين إن «داعش» فخّخ الطرق والمباني كي تنفجر في حال دخولنا إليها. وأضاف «أتوقع أن نقاتلهم وأن نحرر منهم المنطقة حياً فحياً، وزقاق فزقاقاً، وربما بيتا فبيتاً» ونظراً إلى أن المشاة والمدفعية الأميركية ستقدم الدعم، فمن المحتمل أن تقع إصابات بينهم.

حكومة بغداد عاجزة لوحدها

أصبح المسؤولون الأمنيون العراقيون في بغداد أكثر قوة هذه الأيام مما كانوا عليه قبل عامين، بيد أنهم لا يمتلكون ما يكفي من القوة لاستعادة الموصل وحدهم. وتدرك حكومة بغداد هذا العجز وهي تحاول التفاوض مع العديد من الأطراف التي تمدها بالقوة لسد هذه الفجوة. وفي الوقت الحالي يجري البحث في إمكانية مشاركة قوات البشمركة الكردية، والميليشيات الشيعية (المعروفة بقوات الحشد الشعبي) والميليشيا السنية (المعروفة بقوات الحشد الوطني) والميليشيا المسيحية وقوى عسكرية غربية مؤلَّفة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وبالطبع فإن إدارة العديد من القوات المختلفة يمثل تحدياً كبيراً.

وعلى الرغم من التوقعات المخيفة، إلا أن أكثر ما أثار رعبي هو ما قاله ياسين حول ما يمكن أن يحدث بعد تحرير الموصل. إذ سيكون الهجوم على الموصل عبارة عن تحالف، لكن ليس بين دول مختلفة بل هي مجموعات عدة لا تثق ببعضها بعضاً، وهي قوات البشمركة والميليشيات الشيعية، وخليط من الطوائف المختلفة التي تشكل الجيش العراقي، في هذه الدولة التي يمكن أن تنزلق بسهولة نحو الحرب الأهلية بعد هزيمة «داعش».

وقال ياسين إن قلقه الرئيس ينصب على أن الاتفاقات السياسية الملزمة لن تصل حيز التنفيذ قبل معركة الموصل، وإذا لم تكن هناك حدود ومسؤوليات واضحة تماماً لكل من القوات المشاركة في معركة الموصل، فسيكون من الصعب تخيل تعاون الميليشيات السنية والشيعية خلال المعركة، ومن المرجح أن يتقاتل الطرفان مع بعضهما بعضاً، ويمكن أن تكون النتيجة مستنقعاً يغرق فيه الجميع، على غرار ما يحدث في حلب.

وفي حقيقة الأمر، ليس هناك ما يمنع حدوث ذلك في الوقت الحالي، وبسبب الضعف المتواصل والفساد المستشري في الحكومة العراقية لا توجد حالياً سلطة قيادة مركزية كي تقود العملية وتستعيد مدينة الموصل. وبناء عليه فإنه على الرغم من أن التصريحات الصحافية الصادرة عن الجيش الأميركي ومصادر الحكومة، تعطي الانطباع بأن المعركة المرتقبة في الموصل هي «اللعبة النهائية في العراق»، إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً عن ذلك، إذ إن تحرير الموصل، إن حدث، يمكن أن يكون بداية المرحلة التالية من الصراع القذر.

واستناداً إلى المقابلات التي أجريتها مع العديد من كبار المسؤولين الحكوميين والجنرالات العسكريين والخبراء الإقليميين، واللاجئين الفارين من بيوتهم في مخيمات مكتظة باللاجئين، بات من الجلي بالنسبة لي أن الانتصار في معركة الموصل ضد «داعش» غير مؤكد بتاتاً، وحتى لو تم القضاء على «داعش» في نهاية المطاف، فإن وجود عدو موحد لن يوقف العداوات والكراهية المكبوتتين بين الحلفاء الحاليين. وهذا من شأنه أن يطلق العنان لحمام دم في العراق، أكثر وحشية مما فعله «داعش» ذاته.

وبالنظر إلى كل ما سمعته، فإن واشنطن غير مستعدة جيداً لهذه المنازلة. وهذا يعني أنه إذا لم تعدّ حكومة الولايات المتحدة تقييماً واقعياً لأهدافها واستراتيجيتها، فإنها ستواصل إنفاق مزيد من المبالغ الضخمة من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، إضافة إلى الكثير من الدم، وتسهم في الوقت ذاته، من غير قصد، في تهتك نسيج المجتمع العراقي، وتفاقم من حالة الحرب بدل أن تضع نهاية لها. ومن دون فهم للجوانب العسكرية لهذا الهجوم المعقد، ومن دون حشد للجهود المهمة الإنسانية والعاجلة، ومن دون بذل الجهود الدبلوماسية الأساسية من جانب أميركا، فمن المرجح أننا سنرى حرباً أهلية تشتعل في شتى أنحاء العراق، على نحو أكثر وحشية مما نراه الآن.

وقال لي الجنرال ياسين إن لديه العديد من المصادر التي تعيش ضمن مقاتلي «داعش»، ويرسلون له المعلومات الاستخباراتية عن تحركات العدو ومواقعه. وهو يقدر أنه يوجد لدى التنظيم نحو 20 ألف مقاتل لحماية الموصل. وأضاف «لقد انتقلوا من الأماكن التي يمكن اكتشافها بسهولة، والتي يمكن ضربها بالطائرات، كما أنهم انتقلوا إلى الأماكن السكنية كي يموهوا أنفسهم بين السكان المدنيين»، وهم يهدفون إلى لجم القصف الجوي الأميركي والائتلاف الدولي.

وكان برفقتي في هذه المهمة المراسل العسكري المخضرم، علي جافانماردي، الذي يعمل لمصلحة «صوت أميركا»، وقال لي: «لقد شاهدت بأم عيني أن مقاتلي (داعش) لا يكترثون لأي شيء، إذ إنهم لا يهابون الموت»، وأضاف: «في بعض الأحيان لم يكن لهجمات التنظيم أي هدف أو قيمة تكتيكية واضحة، وفي بعض الأحيان لا يحتاجون إلى سبب أو هدف، إذ إنهم يهاجمون فقط»، وطرحت على علي سؤالاً يبدو بديهياً، إذ قلت: «لماذا يضحون بحياتهم من أجل معركة لا يمكن أن يفوزوا بها، أو حتى تساعدهم من الناحية التكتيكية؟».

ونظر علي إلي، وقال «ربما ليسوا بحاجة إلى سبب» ويرى علي أن العديد من مقاتلي «داعش» خضعوا لغسيل دماغ، وهم يعتقدون بصورة جازمة أنهم إذا لقوا حتفهم أثناء القتال فسيذهبون إلى الجنان وسيحصلون على كل شيء يريدونه. وبغض النظر عن كل ذلك، فإن الحسابات التقليدية لتكاليف القتال ليست لها أهمية كبيرة بالنسبة لقادة «داعش».

ويؤكد ياسين أنه قبل اندلاع المعركة لتحرير الموصل، يجب أن يكون هناك تنسيق واتفاق بين جميع المشاركين. وعلى سبيل المثال، فإن العديد من الميليشيات ستدخل الموصل، ولابد من تحديد أي جزء من المدينة سيدخله أي فصيل؟ وما حدوده من اليمين واليسار؟ وما مسؤوليته لتقديم الأمن في المنطقة بعد انتهاء القتال؟ وينبغي طرح مثل هذه الأسئلة على كل طرف مشارك في هذه المعركة، لكن صعوبة هذه المهمة تتزايد بسبب التاريخ والدين، والمظالم التي تعرضت لها الإثنيات المختلفة في العراق.

ومع استمرار ظهور التقارير عن تحرير الفلوجة، الذي تم بداية الصيف الحالي، يجري التحقيق مع الميليشيات الشيعية لارتكابها جرائم كبيرة ضد المدنيين السنة، في أعقاب تحرير المدينة، وهو الأمر الذي حدث في تكريت قبل ذلك. وتعي الميليشيات العشائرية السنية والسكان المدنيون في الموصل هذه التقارير، ولذلك فهي لا تنوي السماح للمجموعات الشيعية بدخول مدينتهم، لكن إذا دخلوا إليها عنوة فإن السنة سيقاتلون الميلشيات الشيعية، بالقوة نفسها التي سيقاتلون بها «داعش» كما ذكر لي أشخاص من المدينة.

ويبدو من المهم التأكيد على أن المسألة لا تتعلق بهزيمة «داعش» وإنما كيفية شن الحملة للقضاء على التنظيم الإرهابي. وقال لي الوزير في الحكومة الكردية المحلية، فلاح مصطفى باكير: «قبل بدء أي قتال ينبغي على جميع اللاعبين السياسيين أن يتفقوا، ويجب الاتفاق على كل شيء قبل بدء الحملة»، وأضاف: «لقد أوضحت قوات البشمركة بالقول نحن لن نذهب إلى أي منطقة من المدينة لا يرغب سكانها في وجودنا هناك، وسننسحب فوراً من أي مكان كي تدخل إليه المجموعات المناسبة لتأمين الأمن فيه»، وفي الحقيقة فإن مثل هذه التساؤلات يجب البت فيها قبل بدء الهجوم، كي لا ينتهي المطاف بكل هذه القوات المتشاركة إلى قتال بعضها بعضاً.

دانيل ل. دافيس ضابط أميركي متقاعد

تويتر