إسرائيل تحاول إزالة قرية فلسطينية للمرة الثالثة على التوالي
سكان «خربة سوسيا» يحملون سـندات ملكية منازلهم منذ الفترة العثمانـية
خلال برودة المساء ينشغل القرويون الفلسطينيون من سكان قرية خربة سوسيا بأعمالهم، فهناك من مربي النحل اللذين يرتدون بدلات واقية واقنعة يقومون بالتحرك بين خلايا النحل الذي يربونه وهم يحملون تنكة للتدخين. ويستغل الآخرون الرياح الساخنة التي تهب عليهم من صحراء النقب المجاورة، لفصل القش عن البذور في بيادر الحبوب، بينما يتحرك الرعيان مع حيواناتهم عبر التلال الصفراء المنخفضة والمتموجة، وأما الاطفال فانهم يتراكضون و يلعبون في مساحة مترامية تبدو بأنها المكان الذي يقضون فيه أوقات اللهو.
تشرد عام 1986 تم طرد سكان خربة سوسيا من قريتهم الأصلية، وكان الموقع الأثري تحت اشراف المستوطنين. وحتى ذلك الوقت كان القرويون يعيشون في منازل وكهوف في ذلك الموقع. وقام الجيش الاسرائيلي بطرد السكان مرة ثانية عام 2001 خلال الانتفاضة الثانية، لفترة قصيرة بعد أن قام الفلسطينيون بقتل اسرائيلي من مستوطنة سوسيا المجاورة. وعندها نقل سكان القرية مكانهم إلى الموقع الجاري أي فوق ارضهم الزراعية |
ويبدو المشهد سلميا، لولا أنه وللمرة الثالُثة خلال 3 عقود ، يعيش القرويون الذين لا يزيد تعدادهم على بضعة مئات، في بيوت مؤقتة منتشرة في هذه المنطقة الواقعة، جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، تحت تهديد طردهم بالقوة من بيوتهم.
وفي الشهر الماضي أصدر أحد قضاة المحكمة العليا في اسرائيل قراراً ضد حكم قضائي حصل عليه سكان القرية سابقا، يقضي بوقف قيام اسرائيل بتدمير قرية خربة سوسيا. والآن أصبحت القرية مركزا لحملة دولية متنامية تتعلق بمستقبلها، حيث يشارك في هذه الحملة العديد من الدبلوماسيين الآوروبيين، اضافة إلى ناشطي حقوق الإنسان في هذه القارة.
وتعتبر خربة سوسيا موطنا لنحو 250 إلى 350 نسمة حسب الموسم الزراعي، يعيشون في نحو مائة منزل، ويأكلون ما ينتجون من محاصيل زراعية وخضروات بالكاد تسد الرمق. وأقيمت القرية على سلسلة من التلال الوعرة المشكلة من الصخور الكلسية. وتشرف المستعمرة الإسرائيلية القريبة على منازل خربة سوسيا، وتم بناءها فوق أرض تمت مصادرتها من القرويين، وهو سلوك يعد غير قانوني بموجب القانون الدولي. وبخلاف القرية الفلسطينية خربة سوسيا، فإن المستوطنة متصلة بالخدمات العامة. ومن الناحية الأخرى من الطريق القريب، ثمة موقع أثري يشرف عليه المستوطنون، في حين تقع خربة سوسيا بين الطرفين. ويعتقد الناشطون أن قرب خربة سوسيا الكبير من المستوطنة هو السبب الرئيس، الذي يجعل السلطات الإسرائيلية تخطط لنقل القرويين من منازلهم، وضم قريتهم إلى المستوطنة. ويقول سكان القرية إن تدمير منازلهم ستكون الحلقة الأخيرة ضمن العديد من حالات الطرد القسري، التي تعرضوا لها، من ديارهم، التي يعود وجودهم فيها و سندات ملكيتهم لها إلى المرحلة العثمانية.
وعلى الرغم من أن اسرائيل تدعي بأن المنازل المشيدة في خربة سوسيا حاليا ليست قانونية، اذ أنه تم بناءها دون الحصول على رخص بناء، إلا أن الناشطين الحقوقيين يقولون إن سياسة الإدارة المدنية الإسرائيلية تفيد بأنه من النادر أن تصدر تراخيص بناء لمن هم غير اليهود في المنطقة سي، وهي المناطق المحتلة الخاضعة للادارة الإسرائيلية الشاملة. وعلى الرغم من أن المحكمة الاسرائيلية قبلت بملكية القرويين للأرض، إلا أنها حكمت بأنهم لا يمتلكون رخص البناء فيها.
وعاش السبعيني محمد أحمد النواجا على أرض حول سوسيا معظم حياته، وهو يقول « ولدت في تل اراد، ولكن بعد النكبة انتقلنا إلى هذا المكان. ونحن الملاك الأصليين لهذه الأرض. ولدينا سندات ملكية من أيام العثمانيين» وأضاف « إنهم يدعون بأنه تم بناء هذه المنازل دون رخص. ولكنا قدمنا طلبات مرات عدة، و رفض الاسرائيليون منحنا الرخص. وهم يدعون إننا لا نملك البنية التحتية التي تسهل لنا العيش هنا، ولكنهم هم الذين لم يسمحوا ببناء هذه البنية التحتية التي يتحدثون عنها. وعرض علينا أرض أخرى مقابل الانتقال من هنا إلى بلدة يطا المجاورة، والتي يمكن مشاهدتها من خربة سوسيا، ولكن ليس لديهم الحق في منحنا تلك الأراضي».
وتمثل هذه القصة الطويلة لقرية خربة سوسيا مشكلة كبيرة، هي التدمير غير القانوني للقرى غير المعترف بها، وترحيل سكانها، سواء في الأراضي الفلسطينية أو المجتمعات البدوية في أراضي عام 1948. و حسب ما ذكرته منظمة «حاخامات من أجل حقوق الانسان» وهي منظمة اسرائيلية غير حكومية، تقوم بدعم القرى في جهودها للحصول على رخص بناء: «قرية خربة سوسيا الفلسطينية موجودة منذ قرون عدة، وقبل زمن طويل من تأسيس مستوطنة سوسيا اليهودية عام 1983. وثمة دليل موثق على وجودها في المنطقة يعود إلى عام 1830، وهي موجودة في خرائط الانتداب البريطاني الذي بدأ عام 1917»
ولكن ثمة مؤشرات على أن الجيش الاسرائيلي ينوي الاستمرار في خطته التي تقضي بتدمير القرية. وحال صدور قرار المحكمة وصل مفتش اسرائيلي من الإدارة المدنية التابعة للجيش الاسرائيلي، يرافقه الجنود، إلى القرية للقيام بأعمال مسح للمنازل، وعادة ما يكون ذلك عبارة عن إنذار بالهدم. وآخر تهديد لقرية سوسيا، جاء نتيجة شكوى قدمتها منظمة «ريغافيم» اليمينية الاسرائيلية غير الحكومية قبل 3 سنوات،والتي تستغل المحاكم للإلحاح على تدمير المباني الفلسطينية، التي تقول إنها غير قانونية.
ووصفت ريغافيم مهمتها بأنها استخدام المحاكم «لحماية الأراضي والممتلكات الوطنية ولمنع العناصر الأجنبية من الاستيلاء على مصادر المناطق الريفية» وواصلت المنظمة هذه القضية على الرغم من حقيقة أن خربة سوسيا ليست في اسرائيل، وإنما في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووصف مأزق القرويين في تقرير أخير من قبل منظمة بتسليم لحماية حقوق الانسان الاسرائيلية، ويقول التقرير «تقوم الدولة بإساءة معاملة سكان قرية خربة سوسيا منذ سنوات عدة، اذ قام الجيش والإدارة المدنية بطرد السكان من منازلهم، التي عاشوا فيها منذ عام 1967، عندما احتلت اسرائيل الضفة الغربية. والإدارة المدنية مسؤولة عن جميع مناحي الحياة المدنية في المطقة «سي»، ومن الناحية النظرية من المفروض أن تعمل على تحسين حياة السكان المحليين. ولكن من الناحية العملية، تستخدم هذه الإدارة أنظمة التخطيط، حيث لا تمثيل للفلسطينيين ولا وجود، لمنع السكان من تطوير الحلول التي قد تلبي حاجاتهم، وتحظر عليهم بناء المنازل بصورة قانونية، والاتصال مع امدادات المياه والكهرباء» وأضاف التقرير« تحجم السلطات بصورة ممنهجة عن حماية سكان خربة سوسيا من المستوطنين، الذين يهاجمونهم أو يعملون على تخريب ممتلكاتهم، و يفرضون القيود على وصولهم إلى البلدة الرئيسة في المنطقة وهي بلدة يطا»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news