يطالبون بعدم تجاوز الحدّ المسموح لزيادة حرارة الأرض

قادة جزر المحيط الهادي أمام «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ أوطانهم

صورة

يهدد ارتفاع منسوب المياه في المحيط الهادي العديد من الجزر، ولم تفلح المساعي لوقف الانبعاثات التي تقف وراء هذه الكارثة. ويقول مسؤولون في جزر المحيط الهادي، وناشطون في مجال البيئة، إن محادثات باريس المقبلة حول المناخ ربما تكون «الفرصة الأخيرة»، لإنقاذ هذه الجزر من الزوال. وجاءت هذه التحذيرات في الوقت الذي وجهت فيه انتقادات لاذعة لكل من أستراليا ونيوزيلندا، لتجاهلهما دعوات جيرانهما الفقراء، وعدم القيام بجهود ملموسة من أجل خفض انبعاثات الكربون. ويقول رئيس جزيرة كيريباتي، أنوت تونغ، إن الأمر يتعلق بحقنا في البقاء، وليس بتحسين ظروف معيشية معينة؛ مشيراً إلى ارتفاع مخيف لمنسوب الماء فوق مستوى سطح البحر.

كفاح ضد الغرق

الدول الجزرية الصغيرة لديها موارد اقتصادية محدودة للغاية، وهي غير قادرة على لفت الانتباه في المحافل الدولية، لهذا السبب قامت 42 من الدول الجزرية بتشكيل اتحاد. وهم يطالبون بدعم الدول الصناعية الغنية لهم، في كفاحهم ضد الغرق، وللحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. والواقع أن دولاً مثل «توفالو» أو «ناورو» لم تسهم في التغير المناخي بأي شكل من الأشكال، إلا أنها تعتبر من أكثر الدول المتضررة من تبعات هذه الظاهرة. كما أن البلدان المتحدة تحت مظلة اتحاد جزر المحيط الهادي، تشتكي تأثير هذا التغير في اقتصادها، علماً بأن قسماً كبيراً من بنيتها التحتية والاقتصادية تتركز في المناطق الساحلية.

وعلى المدى الطويل، فإن إيقاف زيادة حرارة كوكب الأرض، أو الإبطاء من وتيرتها، هو الخيار الوحيد المتوافر في سبيل إبعاد خطر الغرق عن تلك الجزر النائية. ويتنقل ممثلون عن تلك الدول الصغيرة بين الحين والآخر، بهدف تنبيه الدول المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى المشكلات والأخطار التي تواجهها شعوب منطقة المحيط الهادي.

ولم يحالف هؤلاء النجاح إلى الآن، كما يبين الحد الأدنى من الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مؤتمرات المناخ السابقة، وكانت تلك الاتفاقات أقل بكثير من التوقعات المرجوة. ويواصل المسؤولون محاولات لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى هذه المشكلات، لأن الجزر تمثل الجبهة الأمامية التي تواجه الخطر. وكانت مسؤولة المناخ في الأمم المتحدة، كريستيانا فيغويريس، قد قالت في مؤتمر صحافي قبل سنوات: «ما يثير إحباطي هو أننا بعيدون جداً عما يطالبنا العلماء بالقيام به لاحتواء الاحتباس الحراري»، مضيفة: «لكن ما يمنحني بعض الأمل، هو أن ما حققته هذه العملية من تقدم منذ عامين أو ثلاثة، يزيد عما أحرزته في السنوات العشر الماضية».

رحلة إلى كيريباتي

قبل أربع سنوات، قام مساعد وزيرة الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي، كيرت كامبل، برفقة قائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادي الأدميرال باتريك ولش، بقيادة فريق مؤلف من عاملين بوزارة الخارجية، ووزارة الدفاع والوكالة الأميركية للتنمية الدولية في رحلة إلى كيريباتي، وساموا، وتونغا، وجزر سليمان، وبابوا غينيا الجديدة، وبالاو، وولايات ميكرونيزيا الموحدة، وجزر مارشال.

وقال كامبل «إننا ندرك أنه تجب مواجهة التحديات التي تؤثر في منطقة المحيط الهادي، بدءاً من تغير المناخ إلى الفقر المدقع، لما لها من أهمية، وأميركا تريد أن تكون في طليعة هذا الجهد، لتجسير الهوة في وجهات النظر».

ومضى كامبل يقول إن تشكيلة الوفد تؤكد «التزام الولايات المتحدة المدعم بكامل أجهزتنا الحكومية بالوفاء بمصالحنا الأخلاقية، والاستراتيجية والسياسية، وأيضاً بالمصالح طويلة الأمد في منطقة المحيط الهادي». وفي كل محطة حاول الوفد توضيح خطوات محددة، بشأن تقديم المساعدة للتعامل مع تغير المناخ، وتحسين أحوال شعب جزر المحيط الهادي.

وناشد قادة جزر المحيط الهادي، مرات عدة، بقية العالم بضرورة الالتزام بالجهود الرامية للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وفي ذلك قال وزير خارجية جزر مارشال، توني دي بروم، إن مستويات الحرارة ارتفعت كثيراً مقارنة بالمعدلات قبل الثورة الصناعية، مؤكداً أن الجزر ستغرق في حال ارتفعت الحرارة درجتين مئويتين.

كونهما أغنى البلدان في منطقة المحيط الهادي، والأكبر من حيث استهلاك الفرد للطاقة، ينظر إلى أستراليا ونيوزيلندا على أنهما جزء لا يتجزأ من المشكلات التي تواجهها الجزر الصغيرة، التي ترى أن التوصل إلى حل أمر ممكن. وقبل أيام، انتقد رئيس وزراء فيجي، فرانك باينيماراما، الحكومة الأسترالية لوقوفها مع «ائتلاف الأنانية»، مشيراً إلى الدول الصناعية التي تضع الصناعات المسببة للتلوث الكربوني في مقدمة أولوياتها، متجاهلة حق سكان جزر المحيط الهادي في البقاء.

وأشار تقرير لمؤسسة «أوكسفام» أن أستراليا ونيوزيلاندا لم تلتزما ببرنامج خفض الانبعاثات الكربونية، وتطمح الأولى في خفض الانبعاثات بنسبة 26% بحلول 2030، بينما تقول نيوزيلندا إن هدفها هو 30%. وانتقد التقرير البلدين، أيضاً، لفشلهما في نداء «الطوارئ»، قبل أن يضرب إعصار «بام» المحيط الهادي، والذي دمر جزيرة «فانواتو» قبل ستة أشهر، والفيضانات الكارثية في «كيريباس» و«توفالو» في وقت سابق من هذا العام.

وفي الأسبوع الماضي، انتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما القادة السياسيين، الذين لا يأخذون مسألة تغير المناخ بجدية، قائلاً إنهم «لا يصلحون للقيادة». وقال زعماء ست دول جزرية، في بيان عقب اجتماع ما قبل قمة باريس: كانت محادثات باريس «فرصة أخيرة للتوصل إلى نتيجة واحدة، وهي عكس مسار الاحترار العالمي، لضمان البقاء في المستقبل. وطلبت الجزر الصغيرة من أستراليا ونيوزيلندا استخدام «عضلاتهما الإقليمية»، للنضال من أجل قضيتها على المسرح العالمي. وقال تونغ: «إذا كانتا حقاً صديقتين لنا، فيجب أن تهتما بمستقبلنا». من جانبها، قالت الرئيسة التنفيذية لمنظمة «أوكسفام»، هيلين سزوكي: «اثنتان من الإخوة الكبار (أستراليا ونيوزيلندا) في المحيط الهادي، تجاهلتا إلى حد كبير دعوة جيرانهما إلى عدم زيادة الانبعاثات، وعدم التصدي لتحديات تغير المناخ».

حياة أو موت

تنظر سلطات الجزر الصغيرة الواقعة في المحيط الهادي، إلى التوصل إلى اتفاق عالمي حول المناخ، على أنه قضية حياة أو موت، فهذه الجزر هي الأكثر تأثراً بزيادة حرارة الكرة الأرضية، التي ترفع منسوب المحيطات بشكل قد يغرقها تماماً، وترفع هذه الدول الصوت عالياً بشكل مستمر، لحض العالم على التوصل إلى اتفاق يحد من ارتفاع حرارة الأرض، وما يسببه من آثار كارثية.

وقبل أيام، أطلقت هذه الجزر نداء استغاثة للدول المشاركة في القمة الدولية حول المناخ، المقرر عقدها في باريس آخر العام الجاري، فبعض هذه الجزر الصغيرة التي تكون «منتدى جزر المحيط الهادي»، لا يزيد متوسط ارتفاع أراضيها على سطح المياه أكثر من بضعة أمتار، لذا فإن ارتفاع منسوب البحار الناجم عن ظاهرة الاحترار قد يزيلها من الوجود، مع أنها غير مسؤولة سوى عن جزء لا يذكر من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لهذه الظاهرة. وسجلت المحيطات في القرن العشرين ارتفاعاً في منسوبها بلغ 20 سنتيمتراً، ومن المتوقع أن يرتفع المنسوب إلى 80 سنتيمتراً في بعض المناطق من العالم.

تغيير المعالم

أكد خبراء في الولايات المتحدة أن ارتفاع منسوب المحيطات متراً واحداً على الأقل، بسبب ارتفاع حرارة الأرض، يبدو حتمياً خلال العقود المقبلة، وهو ما قد يصيب مدناً مثل طوكيو وسنغافورة بأضرار بالغة، فضلاً عن زوال كثير من الجزر الصغيرة في المحيطات. وتذوب الثلوج في «غرين لاند» وفي القطب الجنوبي، بوتيرة مرتفعة لم يسبق لها مثيل، لكن العلماء غير قادرين بعد على تحديد موعد دقيق لذوبان أكبر المساحات الجليدية في القطبين. ويعيش أكثر من 150 مليون شخص، معظمهم في آسيا، في مناطق ترتفع أقل من متر واحد على سطح البحر. أما في الولايات المتحدة، فإن ارتفاع منسوب البحار سيغير معالم سواحلها، لاسيما في ولايات مثل فلوريدا.

وتنوي جزر مارشال تخفيض انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحترار بنسبة 32% بحلول عام 2025. وبلغت انبعاثات هذه الدولة الصغيرة البالغ عدد سكانها 68 ألف نسمة ذروتها في عام 2009، ثم انحسرت. وهي تعمل على الاعتماد بشكل متزايد على مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية وقوة الرياح. وقال وزير خارجية جزر مارشال، توني بروم «رسالتنا واضحة، اذا كان بلدنا الصغير والفقير والنائي قادراً على فعل ذلك، فالبقية أيضاً يمكنهم أن يفعلوا مثلنا. وانتقد بروم البلدان الصناعية الكبرى.

والجزر الصغيرة هي الأكثر تضرراً من آثار التغير المناخي، خصوصاً بسبب ارتفاع منسوب المحيطات الذي يهددها بالغرق، لذا فإنها تنشط كثيراً في مفاوضات المناخ. ويشكل مؤتمر باريس الذي يجمع ممثلين من 195 بلداً تحت مظلة الأمم المتحدة مرحلة مهمة من المفاوضات المناخية طويلة الأمد، على أمل أن يتم التوصل إلى اتفاق أكثر طموحاً لتقليص انبعاثات الغازات، بهدف الحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى درجتين فقط مقارنة مع ما قبل الثورة الصناعية.

لاجئ المناخ

حذر رئيس كيريباتي أنوت تونغ، بداية الشهر الجاري، من دخول منطقة المحيط الهادي في أزمة إنسانية تشبه الأزمة المنتشرة في أوروبا، إذا لم يتم التعامل مع التغير المناخي بشكل مناسب. وتوقع تونغ أن بعض المجتمعات في دول الجزر الصغيرة سيكون عليها أن تنتقل إلى مكان آخر بشكل كامل، خلال الأعوام الخمسة المقبلة؛ قائلاً: «خلال 20 عاماً، ستكون لدينا مشكلة كبيرة حقيقية».

وذكر تونغ أن منتدى جزر المحيط الهادي سيخون ثقة الشعوب، إذا لم يؤيد اتخاذ إجراءات للحفاظ على ارتفاع درجة الاحترار العالمي دون 1.5 درجة. وأضاف الرئيس «هذا اختبار، فحياة أجيالنا المقبلة لا تقبل التفاوض، ولا يمكن شراؤنا بالمعونات».

وتعد دول الجزر الصغيرة في المحيط الهادي الأكثر تأثراً بالتغير المناخي، الذي يحدث بفعل الإنسان. ويهدف القادة المشتركون في المنتدى إلى حث العالم على تقييد درجة الاحترار العالمي دون 1.5 درجة، خوفاً من أن يؤدي ارتفاعها درجتين إلى تعريض العديد من الجزر للخطر.

وثمة مخاوف سائدة بين القادة من أن الدول الكبرى في المحيط الهادي، مثل أستراليا ونيوزلندا، ستحاول تخفيف لهجة إعلان منتدى التغير المناخي، قبل انعقاد قمة التغير المناخي في باريس في شهر ديسمبر المقبل.

 

تويتر