هرباً من غلاء المعيشة
بريطانيون يهاجرون إلى برلين بحثاً عن فرص أفضل
تبدو البنايات القديمة في حي «نيوكولن» والشوارع العتيقة بأحياء في برلين غير جذابة لمن يراها لأول وهلة، إلا أن عدداً من الشباب البريطاني وجدوا في هذا الحي وجهة مفضلة لبداية حياة جديدة في ألمانيا. ويمكن لمن يزور المكان أن يرى العديد من الشباب والفتيات القادمين أساساً من لندن، وهم يتجاذبون أطراف الحديث في المقهى الشعبي، كما تسمع الدردشات باللغة الانجليزية وحتى الأغاني، فإن مرتادي المقاهي في الحي وكثيراً من السكان يفضلون سماع الأغاني بلغتهم الأم. ويقول بعضهم إن الحياة تغيرت بعض الشيء بسبب الأوضاع الدولية وقدوم الكثير من اللاجئين خلال السنوات القليلة الماضية في أعقاب اندلاع الصراعات في الشرق الأوسط وإفريقيا.
أكثر المدن استقطاباً للسياح تعد العاصمة الألمانية التي أعيد توحيدها عام 1991، إلى جانب لندن وباريس وروما من أكثر المدن الأوروبية التي تستقطب السياح والراغبين في الإقامة الدائمة. وتقف البنايات التي صممها أشهر المعماريين العالميين شاهدة على نهضة المدينة إلى عصر جديد. ويعمل ما يزيد على 80% من شركات مدينة برلين في قطاع الخدمات. وتوفر القطاعات الاقتصادية القوية علمياً وتكنولوجياً آفاقاً مستقبلية للشباب البريطاني والأوروبي بشكل عام. ويبلغ عدد الطلبة في المدينة نحو 135 ألف طالب يدرسون في 31 جامعة ومعهداً، منهم الكثير من الأجانب. ويشكل الاقتصاد الثقافي والإبداعي خُمس القوة الاقتصادية للمدينة، وهي نسبة لا نجدها في أي مدينة ألمانية أخرى. |
ويضطر زبائن المقهى الرئيس في حي «نيوكولن» إلى استخدام اللغة الإنجليزية لطلب ما يريدونه من طعام وشراب، لأن عمال المقهى لا يتحدثون سوى الإنجليزية. وتدير البريطانية داني بيرغ العديد من المحال في المنطقة بما في ذلك المقهى والبقالة. وقد انتقلت إلى برلين العام الماضي بعد أن أنهت نشاطها في العاصمة البريطانية، الذي دام 10 سنوات. وتقول داني «أول مرة أزور فيها برلين كان قبل ثماني سنوات، ونصحني بعضهم بعدم المجيء إلى نيوكولن»، مضيفة «واليوم ها أنا أعيش وأعمل هنا في حي بات يستقطب الكثير من السياح والأجانب الراغبين في الإقامة بشكل دائم»، وذلك بعد أن كان الحي غير موجود على الكتب الإرشادية لمدينة برلين ولا أحد يعرف عنه شيئاً، وفقاً للسيدة البريطانية.وكان السبب وراء مغادرتها لندن مادياً بالدرجة الأولى، وتروي داني، «كنت أعمل سبعة أيام في الأسبوع وأدفع 800 جنيه إسترليني سنوياً مقابل إيجار شقة في لندن أتشارك فيها مع آخرين». وبسبب غلاء الإيجارات اضطرت داني للابتعاد عن مركز المدينة نحو جنوب لندن مرات عدة، إلى أن اقتنعت بضرورة الرحيل من المدينة بشكل نهائي.
مساهمة فعالة
وتقول داني إنها ليست الوحيدة التي قررت الرحيل من لندن، «أنا أدخل ضمن عدد كبير من المهاجرين. أعرف العديد من سكان العاصمة الذين اضطروا للانتقال مرات عدة من شرق المدينة إلى جنوبها، ثم إلى برلين، حيث استقروا بشكل نهائي في حي نيوكولن». وتقول مصادر في برلين إن المشروعات الصغيرة التي أطلقها البريطانيون في المدينة ستشغل نحو 100 ألف شخص بحلول 2020. وإضافة إلى مجال الأغذية يعمل العديد من القادمين الجدد في المجال الرقمي، ويدرك هؤلاء أنهم يسهمون بشكل فعال في التحول الذي تشهده برلين حالياً، الأمر الذي لا يحبذه كثيراً بعض الألمان. ويوجّه سكان في برلين انتقادات حادة للقادمين الجدد، ويقولون إنهم يفسدون نمط حياتهم، ولا يريدون الاندماج في مجتمعهم. ويستغرب البعض عند سماع الوافدين وهم يتحدثون الإنجليزية، إذ يرون فيه أمراً غريباً، فالبعض يخشى من موجات السياحة والوافدين الجدد التي قد تؤثر في نظرهم على أصالة المكان وخصوصيته، على الرغم من السمات الايجابية كازدهار العمارة وانتشار الفنادق، والبنى التحتية الحديثة، وغيرها من معالم الحداثة، لكن الكثير من سكان المدينة يفضلون المدينة كما هي، بأحيائها الرثة الأنيقة وطرقها الباردة، والاستمتاع بكوب القهوة الذي يكلف يورو واحداً فقط، فضلاً عن تناول وجبة إفطار بأسعار زهيدة، ومن ثم فهم لا يريدون لهذا المشهد التقليدي أن يندثر.
مدينة متواضعة
ويتزايد باستمرار عدد السياح في برلين الذين تجذبهم معالمها السياحية ونمط حياة سكانها، في حين يقرر عدد متزايد منهم الاستقرار في المدينة. ورغم أن هؤلاء السياح يساعدون في دعم ميزانية المدينة، فإن بعض سكان برلين ينفقون من مالهم الخاص للحفاظ على جاذبية العاصمة. مع بقاء الأسعار مناسبة لكل فئات المجتمع. وما يميز سكان العاصمة الألمانية، الذين يرددون دائماً أنهم «برلينيون»، وأنهم فخورون بمدينتهم المتواضعة ويرفضون الحداثة التي تغير ملامح المدينة. ويعبر سكان برلين عن رضاهم التام عن نمط حياتهم، ويقولون إن برلين «فقيرة لكنها مثيرة».
وبلغ عدد زوار العاصمة الألمانية في النصف الأول من العام الماضي نحو 5.3 ملايين زائر، وذلك حسب البيانات الرسمية التي نشرها مركز الإحصاء الرسمي في برلين – براندن برغ، كما تتوقع التحليلات أن برلين على موعد مع تحطيم رقم قياسي جديد للسياحة، وتشير التقديرات إلى نحو 11 مليون زائر مع نهاية السنة. بدوره، تحدث مدير موقع زيارة برلين، بوركارد كيكر، عن «عودة برلين كمدينة للعالم خلال الـ20 عاماً الماضية». كما تشير الإحصاءات إلى أن نحو ثلث الزائرين لبرلين هم دون سن 30 عاماً، الذين يفضلون التعرف إلى نمط الحياة المحلية أكثر من الاهتمام باكتشاف الأماكن السياحية.
ضغوط يومية
وبحلول نوفمبر 2014 قُدر عدد البريطانيين الذي استقروا في برلين بنحو 13500 نسمة. ومن بين هؤلاء المهندس سكوت فان لوي، الذي يقول إن نمط الحياة في برلين مختلف عن نظيره في لندن، «هنا في برلين يراودك شعور بأن الناس يفعلون كل شيء لأنفسهم ولغايات صحيحة، أما في لندن فالحياة روتينية للغاية.. من المكتب إلى الحانة ثم النوم وهكذا كل يوم!». ومع ذلك فقد لاحظ سكوت، الذي جاء إلى المدينة قبل ثلاث سنوات، أن أسلوب الحياة قد تغير بعض الشيء، وأن عدد السكان قد زاد بشكل لافت. وبات من السهل التجوال في المدينة والتسوق وقضاء الحاجات دون الحاجة للتحدث بالألمانية في معظم الأحيان. ويقول زميل يدعى جونتات ستوارت «لا أعتقد أني سأعود إلى لندن، فالحياة هنا رخيصة جداً»، إلا أنه يعتقد أن المدينة «مثالية للشباب والأشخاص المبدعين».
وقد شجع غياب الضغوط اليومية الكثيرين على الاستقرار في برلين، ومن بين هؤلاء كافيتا ميلو، التي جاءت في بادئ الأمر لتستكشف المدينة وتبقى أشهراً قليلة، إلا أن الفتاة البريطانية ظلت في ألمانيا خلال السنوات الست الأخيرة. وتقول كافيتا «انتقلت إلى هنا لأني اعتقدت أني سأحصل على فترة راحة، ولندن باتت مركز الكون، ولم أعد أهتم بالعيش فيها».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news