التقاليد السارية في بعض مناطق البلاد لا تسمح للفتيات بالسباحة
فتيات في بنغلاديش يستعِنّ بركوب البحر لتحقيق أحلامهن
يرتاد الكثير من الفتيات شواطئ بنغلاديش، كل صباح، للاستمتاع بالجو الجميل والمنظر الخلاب، لكن القليل منهن ينزلن إلى الماء، فالتقاليد السارية في جنوب البلاد، لا تسمح للفتيات بالسباحة. قبل ثلاث سنوات، كانت مجموعة من الفتيات الشقيقات على الشاطئ، وكنّ يشاهدن أحد عناصر الإنقاذ وهو يمتطي لوحاً فوق الأمواج. عندما خرج المنقذ راشد علم إلى اليابسة تقدمت إليه الأخت الصغرى، شوما أختر، وطلبت منه أن يعلّمها ركوب الأمواج بذلك اللوح، قائلة بكل ثقة، «أريد أن أفعل ذلك». إنها لا تريد أن تتحدى البحر، وحسب، بل تتحدى تقاليد مجتمع راسخة.
الإنقاذ والتدخل لإقناع الأهالي بأن ركوب الأمواج قد يساعد في الحصول على وظيفة، بدأ راشد علم في تدريب الفتيات على الإنقاذ والتدخل في الحالات الطارئة على الشاطئ، على أمل أن يصبح بعضهن منقذات عند بلوغ سن الـ18. في حين تسهر زوجته، فانيسا رود، على تعليم الفتيات اللغة الإنجليزية لتحضيرهن للعمل في المجال السياحي أو المكتبي. عندما علمت المصورة الأميركية، أليسون جويس، بقصة الفتيات، بدأت تزورهن بشكل منتظم لتوثيق تجربتهن. وقد أطلقت أليسون، التي تقيم في بنغلاديش منذ سنوات، موقعاً الكترونياً لدعم عائلات الفتيات. وتتلقى كل عائلة ما قيمته 50 دولاراً من الأرز والحبوب وزيت الطهي وبعض المواد الأخرى؛ الأمر الذي أسهم إلى حد كبير في تخفيف العبء على تلك العائلات، وفي ذلك تقول إحدى المتدربات: «من دون هذه المساعدة، قد لا أتمكن من مواصلة ركوب البحر لأن أمي ستمنعني». |
لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لشوما، واستغرقت المسألة أسابيع لتتمكن من طلب السماح لها بممارسة هذا النشاط «الممنوع» بحكم الأعراف المحلية. وكانت على يقين بأن والدتها لن تقبل ذلك، «إذا لم أتمكن من الحصول على المال، فإن أمي ستصرخ في وجهي وأنا خائفة منها». المال مهم بالنسبة لعائلة شوما الفقيرة، لأن مواردها محدودة للغاية. ولأن الفتاة الصغيرة عقدت العزم على «الثورة» ضد هذه التقاليد، فقد بدأت في ركوب الأمواج سراً، واختارت الساعات الأولى من النهار لتتعلم هذه الهواية الجديدة، ومع مرور الأيام التحق بها العديد من فتيات القرية.
بالنسبة لهؤلاء الفتيات اللاتي تراوح أعمارهن بين 11 و14 عاماً، يعتبر ركوب الأمواج فرصة لاستعادة بعض ما ضاع من طفولتهن. إنه نشاط يشعرهن بالحرية والانطلاق إلى آفاق جديدة، مع خيوط الشمس الأولى، وهي فرصة لا تتوافر لكثير من الفتيات في هذا البلد الذي يشهد أعلى نسب زواج قاصرات في العالم.
وفي مشهد يومي، تنزل الفتيات مع مدربهن الشاب راشد علم، 26 عاماً، إلى المياه الرمادية في تحدٍّ واضح لعادات قديمة مثل قدم خليج البنغال. وتقول شوما (14 عاماً): «كنت خائفة من الأمواج»، مضيفة «لكن ليس بعد الآن». وأبقت الفتيات الأمر سراً لأسابيع، قبل أن يُخبرن أسرهن. ويقول علم: «عائلاتهن تريد منهن العمل والحصول على المال، لكننا نجحنا في إقناع الأسر بأن لدى الفتيات مستقبلاً واعداً خارج المنزل».
العمل والنوم
في سوق «كوكس بازار»، وهي بلدة ساحلية متهالكة بالقرب من الحدود مع ميانمار، سن البلوغ غالباً ما يبدأ في وقت مبكر. يُحرم الأطفال الفقراء من التعليم، لبيع المواد الغذائية والحلي المصنوعة محلياً، بحيث يمكن لأسرهم أن تعيش. وتعمل الفتيات الثماني - أعضاء فريق ركوب الأمواج - في المنازل، مقابل دولار واحد في اليوم. وفي ذلك تقول مياشا (14 عاماً): «كنت أعمل في صناعة الحلي المنزلية، وليس لدي شيء آخر أفعله سوى العمل والنوم»، مضيفة: «عندما انطلقت في ركوب الأمواج، بدأت أفكر في أحلامي، والآن أعتقد أن هناك الكثير من الأشياء التي أريد القيام بها».
ربّما لم تكن الفتيات ليحصلن على هذه الفرصة، لو لم يغادر أسترالي مرّ بـ«كوكس بازار»، في التسعينات، تاركاً وراءه لوح ركوب الأمواج على الشاطئ. فالأولاد الذين وجدوا ذلك اللوح كانوا أول راكبي الأمواج في بنغلاديش، وتعلموا هذه الرياضة فيما بات يوصف بأطول شاطئ بلا انقطاع في العالم. أما المدرب علم فقد كان عاملاً بالشاطئ، يخدم السياح الأجانب مقابل مبالغ زهيدة. وتعلم ركوب الأمواج بنفسه، وأطلق نادي كوكس بازار في 2008. وقد انضم إلى النادي 55 شخصاً، لحد الآن.
أما جوهنارا، 11 عاماً، فقد وجدت صعوبة بالغة في البداية، إذ لم تتمكن من التحكم في اللوح، وكان التوازن من أهم العقبات التي واجهتها. وعندما نجحت في الوقوف على اللوح ولم تسقط، شعرت بسعادة غامرة، «إنها افضل لحظة في حياتي». وبات لوح ركوب الأمواج، من الأشياء الضرورية التي لا تستغني عنها الطفلة الصغيرة. ولأن والدها لم يحصل على عمل مُجزٍ منذ أشهر، فقد اضطرت الأم لإرسال ابنها البالغ من العمر ثماني سنوات، ليبيع الماء والسجائر ورقائق البطاطا على الشاطئ، ويبقى هناك ساعات طويلة.
ويقول والدها، محمد غلاب: «أحاول تشجيع ابنتي، لكنها أكبر أطفالي ونريدها أن تساعد في دعم العائلة».
ولم تكن ردود أفعال الآباء جيدة عند الاستماع إلى أن بناتهم يركبن الأمواج، فإلى جانب الخطر، تخشى العائلات على سمعة الفتيات في مجتمع يهيمن عليه الذكور بشكل كبير.
مضايقات ومخالفات
ويقول الجيران إن الفتيات تعرضن للمضايقات في الشارع، أو أنهن ركبن العربات بمفردهن. في حين قال آباء إن شباباً جاؤوا إلى منازلهم متهمين الفتيات بالتصرف بشكل غير لائق. وتقول زوجة المدرب علم، فانيسا رود: «يقول الناس إن الفتيات يأتين إلى الشاطئ لأغراض سيئة»، مضيفة: «لا أحد معتاد على رؤية فتيات لديهن ثقة بأنفسهن مثل هؤلاء».
تذهب مريم خاتو، لجلب ابنتها شوما من الشاطئ كلما احتاجت إليها لإكمال عمل ما، وتعيش الاثنتان في منزل يتكون من غرفة واحدة، على بعد ميل من الشاطئ. أما والد شوما فقد ذهب للعيش مع زوجته الثانية، في حين تزوج جميع شقيقاتها عندما كنّ في سن المراهقة. تستيقظ مريم قبل الفجر لسلق البيض على موقد صغير، وبعد شروق الشمس بوقت قصير، تحمل شوما البيض المسلوق في إناء قديم لبيعه على الشاطئ، وهو مصدر دخل العائلة الوحيد.
لم تحضر شوما إلى الشاطئ مع زميلاتها، العام الماضي، لمدة أسبوع، لأن والدتها أرسلتها لتعمل خادمة في أحد المنازل القريبة. لكن المدرب علم نجح في إقناع الأم بأن شوما فتاة موهوبة، ولا يجب أن تخدم في المنازل. وبالفعل، شاركت شوما في منافسة ركوب أمواج وفازت بجائزة قدرها 40 دولاراً، ما يعادل راتب شهرين لخادمة منزل. وللاحتفال بهذه الجائزة، استقلت الفتاة ووالدتها الحافلة إلى أقرب مدينة - شيتاكونغ - لاقتناء بعض الحاجيات. وغيرت الأم موقفها من هواية ابنتها، مع مرور الأيام، وعندما سئلت ما إن كانت ستزوج شوما قريباً مثل ما فعلت مع شقيقاتها (في سن المراهقة)، قالت: «ستتزوج متى شاءت.. قد تذهب لركوب الأمواج في هاواي ذات يوم!»، الموقف الذي أسعد شوما كثيراً.
رحلة مراهق
تشتهر «كوكس بازار»، في خليج البنغال، بطبيعتها الجميلة وبأطول شاطئ رملي طبيعي غير منقطع في العالم، وفي الوقت الذي يصعب فيه على الفتيات المحليات الاستمتاع في هذا الشاطئ بحرية، يعتبر هذا المكان جاذباً للسياح الأجانب الذين يتوافدون إليه بكثرة.
وتحاول جهات أجنبية ودولية تمكين الفتاة المحلية من خلال توعية العائلات، وقد أطلقت منظمة الطفولة «يونيسيف»، مشروعاً طموحاً قبل سنوات، لصالح الفتاة البنغالية مركزة على خليج البنغال. ويهدف المشروع الذي أطلق عليه «رحلة مراهق» إلى تمكين المراهقين، خصوصاً الفتيات، كي يشاركوا في القرارات المتعلقة بحياتهم، ويصبحوا قدوة لغيرهم. ويعمل المشروع على تهيئة بيئة داعمة للفتيات في أسرهن وداخل المجتمع المحلي على حد سواء، ويركز القائمون على المشروع على توفير مهارات القيادة، والمهارات الحياتية للفتيات غير المتزوجات، بشأن قضايا من قبيل زواج الأطفال والصحة الإنجابية والأمراض المعدية. كما يقدم تدريباً لكسب العيش من قبيل إنتاج الملابس أو التصوير الفوتوغرافي، فضلاً عن إسداء المشورة بشأن كيفية بدء عمل حر.
وتقول مشاركة في هذه الجهود، تدعى ليزا ميللر: «لقد رأينا فتيات يقمن بنشاطات كانت ممنوعة في السابق، مثل الرياضة وركوب البحر»، مضيفة أن «مزيداً من التوعية والجهد سيساعد آلاف الفتيات العالقات بين جدران التقاليد المحلية التي همشت المرأة لعقود طويلة».
تعليم البنات
في الوقت الذي تسعى مجموعة محدودة من الفتيات لكسر المحظورات المحلية، تواجه البنات في هذا البلد مشكلة كبيرة، إذ يعتبر زواج الأطفال مشكلة شائعة في بنغلاديش، وعلى الرغم من أن سن الزواج القانوني هو 18 عاماً للفتيات و21 عاماً للشباب؛ إلا أن نحو نصف الفتيات يتزوجن وهن في الـ15، ويصبح 60% منهن أمهات عندما يبلغن الـ19. وكثيراً ما يؤدي الحمل والولادة المبكران إلى مضاعفات صحية، إذ يقدّر أن 50% من المراهقات يعانين نقص التغذية وفقر الدم.
وتخشى العائلات من فوات الأوان على بناتهن ويبقين دون زواج. ويعتقد الأهالي أن الانتظار إلى سن الـ18، سيجعل الحصول على زوج مناسب صعباً. إلا أن دائرة الوعي بتعليم الفتيات بدأت تتسع، إذ باتت بعض العائلات لا يمانعن في تعليم البنات أو ممارستهن لهواياتهن المفضلة. وبفضل جهود بعض المنظمات الدولية والجهود المحلية، ظلت مئات الفتيات المراهقات عازبات، فيما التحق عدد كبير منهن بالمدرسة. وترى فتيات في بنغلاديش أن لديهن الحق في الحصول على حريتهن، وتحديد المهنة التي يُردنها، وسيكون تحديد وقت الزواج من اختيارهن.
وتقول المسؤولة في مشروع كيشوري أبهيجان، روزي بارفين، إن قصة نجاح واحدة «يمكن أن تفضي إلى قصص أخرى كثيرة»، مضيفة: «إذا استطعنا وقف نظام الزواج المبكر، فإن هؤلاء الفتيات سيتولد لديهن الوعي الكافي، وسيعرفن ألّا أحد يمكنه أن يجبرهن على الزواج قبل أن يبلغن سن الـ18».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news