السـلام فـي الشـرق الأوســط بعيد المنال
بعثت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة على القلق في ما يتعلق بمستقبل السلام بالشرق الأوسط، حيث من المعروف عن رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بنيامين نتنياهو أنه من صقور حزب الليكود، وأن مواقفه المتطرفة عندما كان رئيسًا للوزراء بين عامي 1996 و1999 لم تؤدِ فقط لتوتر علاقته بعديدٍ من القيادات العربية، بل أدت أيضًا إلى توتر علاقته بالرئيس الأميركي وقتها بيل كلينتون، الذي اعترضت إدارته على إصرار نتنياهو على المضي قدماً في بناء مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة. كما وجدت الإدارة الأميركية وقتها أن تعنت نتنياهو في ما يتعلق برفضه قيام الدولة الفلسطينية باعثا على تأزم الوضع الإقليمي وتقويض فرص السلام. وكانت هذه العلاقة المتوترة مع إدارة كلينتون أحد أسباب هزيمة نتنياهو أمام إيهود باراك في انتخابات عام .1999 والآن ينبغي على نتنياهو التعامل مع رئيس جديد في البيت الأبيض باراك أوباما يحظى بدرجة عالية من الشعبية والصدقية.
ويرى البعض أن نتنياهو تعلم من درس المواجهة مع بيل كلينتون، وسيسعى للتعاون مع إدارة الرئيس أوباما للتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين. ومن أجل تحقيق هذا الهدف سيسعى لتشكيل حكومة يبتعد بها عن سيطرة الأحزاب الدينية المتطرفة، كما حدث في ولايته السابقة. وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن الصدام بين نتنياهو وأوباما حتمي بالنظر لاختلاف الأخير مع رؤى اليمين الإسرائيلي باعتبارها تمثل عقبة رئيسة في طريق السلام، خصوصا بعد أن أعلن نتنياهو نيته السعي إلى «سلام اقتصادي» مع الفلسطينيين تقوم من خلاله إسرائيل بتحسين أحوالهم المعيشية وتخفيف القيود المفروضة على حركتهم، دون مناقشة الانسحاب من الأراضي المحتلة وإنشاء دولة فلسطينية، وهو الطرح الذي واجه رفض الجانب الفلسطيني.
إدارة أوباما والسلام
أكد أوباما خلال حملته الانتخابية أن قضية السلام في الشرق الأوسط ستكون على أولويات أجندة سياسته الخارجية، وأنه لن يفعل كما فعل غيره من الرؤساء الأميركيين وينتظر حتى قرب نهاية ولايته لاتخاذ خطوات جادة لإنهاء الصراع. وبالفعل اتخذ أوباما خطوات جادة في المنطقة بعثت على تفاؤل عديدٍ من الأطراف، ودعا الدول الإسلامية في خطاب تنصيبه لبداية جديدة تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل. كما جاء تعيين الدبلوماسي المخضرم جورج ميتشل مبعوثاً للسلام في الشرق الأوسط باعثًا على الأمل بالنظر إلى خبرته في إدارة الصراعات الدولية ومواقفه التي تتصف بالاعتدال في ما يتعلق بالشرق الأوسط.
ثم جاءت زيارة وفد من الكونغرس بقيادة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جون كيري إلى قطاع غزة لتأكيد الاهتمام الأميركي بالمنطقة. وأخيرا تم الإعلان عن مشاركة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مؤتمر المانحين لإعادة إعمار غزة والذي سيعقد بمدينة شرم الشيخ المصرية غداً الاثنين.
وقد تسربت أخبار بأن الولايات المتحدة ستقدم تسعة مليارات دولار لإعادة إعمار غزة، لن تذهب إلى حكومة حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، حسب تصريح لروبرت وود المتحدث باسم كلينتون، وهو ما يمثل امتدادا لسياسات الرئيس السابق جورج بوش في رفض التعامل مع حماس، وإنما سيتم توجيهها من خلال السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مع إمكانية التعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وفي خطابه الأخير أمام الكونغرس في الرابع والعشرين من فبراير الماضي أعاد أوباما تأكيد التزامه بتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
أمن إسرائيل
على الجانب الآخر لم يأل أوباما جهداً خلال حملته الانتخابية لتأكيد مساندته لأمن إسرائيل ودعمه للعلاقة الاستراتيجية معها، إلا أن هذا لم يمنعه من التلميح إلى عدم ارتياحه للتعامل مع حكومة الليكود، حيث أشار إلى الفصل بين تأييد ما تفعله حكومة ليكودية وتأييده المطلق لإسرائيل. وعلى الرغم من هذا فقد فضل أوباما عدم التدخل المباشر في الانتخابات الإسرائيلية، مع إمكانية قيام الرئيس الأميركي بدور مؤثر في الناخب الإسرائيلي، الذي يجد في الإدارة الأميركية حليفًا مهما لا ينبغي إغضابه باختيار حكومة قد تقع في صدام معه. وقد جاء الإعلان عن توجه هيلاري كلينتون إلى إسرائيل عقب انتهاء مؤتمر المانحين في مصر كإشارة إلى استمرار التزام إدارة أوباما باعتبار إسرائيل حليفها الاستراتيجي الأول في المنطقة.
نتنياهو ودروس الماضي
أظهر عدد من تصريحات نتنياهو إدراكه لأهمية تفادي الصدام مع الإدارة الأميركية، فقد أعلن نتنياهو عزمه التعاون مع الرئيس الأميركي لإحلال السلام في الشرق الأوسط. ويروي نتنياهو كيف جذبه أوباما جانباً في فندق الملك داوود بالقدس المحتلة خلال زيارة الأخير لإسرائيل أثناء حملته الانتخابية، وقال له «أنا وأنت بيننا عدد من النقاط المشتركة. أنا بدأت مع اليسار ثم اتجهت إلى الوسط، وأنت بدأت مع اليمين ثم اتجهت إلى الوسط. إن كلينا برغماتي ويسعى لتحقيق نتائج ملموسة». ويمكن اعتبار علاقة نتنياهو بالرئيس السابق كلينتون أحد أهم محددات هذا التوجه.
فقد رفض الأخير مقابلته خلال زيارتين مهمتين لواشنطن عامي 1997 و،1999 وهو ما أدى لإحراج نتنياهو وإضعاف موقفه على الساحة الإسرائيلية. كما تدخل كلينتون بشكل مباشر لدعم إيهود باراك في انتخابات عام .1999 وقد اعترف نتنياهو بأن أحد أخطائه عندما تولى رئاسة الوزارة عام 1996 أنه لم يقم بعقد تحالف مع رئيس حزب العمل وقتها شيمون بيريز، ومن ثم صار مقيدًا بالأحزاب اليمينية المتطرفة التي تشكلت منها حكومته في تلك الفترة.
نتنياهو يزعم اهتمام أوباما بطروحاته
وأضاف نتنياهو أن أوباما أكد له أيضاً رفضه لطموحات إيران النووية. وجدد نتنياهو بالتالي تحذيره من خطورة هذا الأمر كونه سيولد سباقاً إقليمياً نحو السلاح النووي يطال الكثير من الدول العربية.