شريط الاخبار:

‏‏‏شاعرة إماراتية تتمرّد على الـ «جدران» بـ «ريح يوسف»

الهنوف محمد: قصائدي رصيدي من الألم‏

«جدران» ثاني أعمال الهنوف محمد. تصوير: باتريك كاستيلو

‏‏بنصوص الشاعرة الإماراتية الهنوف محمد عالم مفتوح، على مدى من الصدق والعفوية، إذ تبوح الكاتبة في قصائد بألمها الخاص بحميمية دون وجل، وتستلهم في أخرى وجه أمها الجميل، وتركض في ثالثة وراء حلم الأمومة، وتناجي غارس الأجنّة في الأرحام، وتتمسّح بالأعتاب، مازجة بين الذاتي والإنساني، وكأن المعيار لديها هو إنتاج قصيدة صادقة.

وترى الهنوف أن الشعر هو أعظم الهبات التي منحتها لها الحياة، وتعتبره «جمرة الألم اللذيذ، التي تستحق القبض عليها»، وتعد قصائدها رصيدها من المعاناة، ورغم أن الشعر أشعل حرائق كثيرة على مستويات عدة في حياتها إلا أنها تؤمن بأن «البقاء له»، ذلك الاوكسجين الذي تتغذى عليه روحها.

وتخيرت الشاعرة الإماراتية التمرّد درباً منذ أن أغوتها قصيدة النثر، فتخيرت النص الحداثي مجالاً تسلكه، معلنة أنها «ضد الإبداع الرسمي والعادي والمألوف»، ولذا تتنقل من فضاء إلى آخر، فبعد تأملاتها المحلقة في ديوانها الأول «سماوات» تهبط ساردة هموماً خاصة وعامة في عملها الثاني «جدران»، وتكمل حالياً نصوص ديوانها الثالث «ريح يوسف» والتي نشرت بعضها، ويبدو فيها أنها خرجت من بين جدران تجربتيها السابقتين.

مرآة الذات

وتعترف الهنوف بأن غالبية قصائدها تصغي لصوت الداخل أكثر، وتتأمل في مرآة الذات طويلاً، مضيفة لـ«الإمارات اليوم»: «المبدع الصادق ينبغي ألا يزوّر إحساسه، ويجب أن ينطلق نصه من نقطة ما في أعماقه، ألم حياتي، تجربة شخصية، معاناة ما، شريطة ألا يختلق ذلك، فحينها ستتماس تجربته مع كثيرين»، مشيرة إلى أنها حين تطرقت لحلم الأمومة في بعض نصوصها كانت تنطلق من هم شخصي، ورحلة انتظار طالت بالنسبة إليها، لكنها كانت تستشعر معاناة كثيرات، يرمقهن المجتمع بنظرة غريبة، و«كأنهن أشجار بلا ثمار ينبغي قطعها، ولا تشفع الظلال الأنثوية ما لم تكتمل بامتداد يخرج من رحم المرأة». 

 ‏قالت الشاعرة الإماراتية الهنوف محمد إنني «أعتز بتكريم صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لي، خلال احتفالات العيد الوطني الأخير، وأعتبره تشجيعاً لكل من يكتبون قصيدة النثر».

يشار إلى أن الهنوف ولدت في دبي، في منطقة الضيافة تحديداً، وحصلت على بكالوريوس في الأدب الانجليزي من جامعة الإمارات في العين، وأصدرت ديوانين شعريين، الأول «سماوات» الصادر في عام ،1996 والثاني «جدران» عام ،2005 وينتظر خروج عملها الثالث «ريح يوسف» قريباً، ولها بعض القصص القصيرة المنشورة، وترجمت مسرحية «ليل زفاف» للمبدع الإماراتي الراحل سالم الحتاوي إلى الإنجليزية، وهي عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، واتحاد الكتاب العرب. ‏

وتقول الهنوف في قصيدتها «أمومة» في ديوان جدران «الفلاة.. قد تكون قبراً أو مستقبلاً.. نردم فيها أمانينا.. أو نزرع فيها وروداً قصار القامة.. قالوا عن الصحراء تعلم كيف يلبس المرء ثوب الزهد.. كيف يقيس ما تبقى من ظلال الشمس بوثن أو سلام. الفلاة أنثى لا تعرف كم تبقى لها من الصلوات أو من الأمومة.. قيل إن الأمومة نسج.. فرح، موت، حرائر.. مثنى (مثنة) المعنى.. لا تنفرد بها إلا من كانت تمتلك ماءً، وقطيع حاشية...».

دمعات لا تجف

وتفسر الهنوف ملمح الحزن والدمعات التي لا تجف في نصوص كثيرة لها قائلة: «قدرنا كشعراء أن نرى الأمور بشكل مختلف، وكأننا نمتلك مجهراً لا عيناً، ونستشعر ما يحدث حولنا أكثر من الأناس العاديين، وقدرنا أيضاً أن نعيش حالات صدام مع من حولنا، ومع الحياة نفسها، باحثين عن وجهها الأبهى، وقيمها النبيلة التي غابت إلا قليلاً، وطبيعي أن يولد كل ذلك معاناة لا نستطيع أن نواريها عن نصوصنا، خصوصاً عندما يكون الألم قاسياً، وقريباً جداً، لذا نستشعر حينها بأننا لا شيء أمامه، فيجري ذلك دموعاً في قصائدنا، إذ لا نستطيع أن نحول شوكة الحزن إلى وردة»، مستدركة بأن «كبرياء الشعر يأبى الانكسار أمام ذلك المد الطافي من القبح والالم، وأنا شخصياً متمسكة بذلك الكائن (الشعر) الجميل الذي يلون الحياة، ويسرق البهجة، ويخفف حقيقة لا مجازاً الألم، ويجعلني سعيدة لكوني أنتمي إليه، وأعتبر ذلك من أعظم الهبات التي منحتها لي الحياة، وأرى الشعر قارب النجاة، أو حتى خشبة الغريق وسط محيطات العبث».

وتقول الهنوف في نص بعنوان «كبرياء»: «للتو تركت سادياً بين دبي والشارقة.. محوته من ذاكرتي.. لكنني سوف أبقى في ذاكرته لا محال.. أراد أن يهشم كبريائي.. مسكين.. لم يعلم يوماً بأنني أنثى مولعة بعد الخسائر.. وبأنني لو خيرت بين أطرافي ورأسي.. لقطعت قلبي وأطرافي.. ورميتها في الحرائق.. وحافظت على رأسي لأن به أنفاً ورثته عن أبي.. وعينين ورثتهما عن أمي الجميلة.. وكبرياء أجدادي الذين كانوا يلفون تبغهم وهم كالاشجار التي لا تنام».

مولعة بالازدواجية

ولا ترى الهنوف انه يوجد تناقض في أن تبوح في قصائدها، بينما تخفي اسمها الحقيقي عن قارئها، مكتفية بلقب الهنوف (ضحك فوق التبسم)، موضحة «أتلذذ بالازدواجية، وأحتاج إليها في أوقات مختلفة، ولماذا لا نحافظ على بعض مشاغباتنا؟ فأنا اشعر بمتعة ما لأن لي اسماً في العمل الرسمي، وآخر أذيّل به كتاباتي، ومنذ دخولي إلى المجال الثقافي حرصت على إقامة نوع من الخصوصية، رغم معاملتي للجميع بأريحية، وعلاقتي الجيدة بالمبدعين، واحترامي لهم جميعاً، وفي النهاية الناس يتعاملون مع النص لا مع اسم صاحبه».

وعن حكاية اللقب تفيد الشاعرة بأن من أطلقه عليها هو المبدع السينمائي الإماراتي مسعود أمر الله حينما كان مشرفاً على بريد القراء في جريدة «البيان»، وكانت ترسل الهنوف بعض كتاباتها الأولى إلى البريد، فأطلق عليها أمر الله بداية «أجراس»، ثم «الهنوف».أما عن الدفتر القديم الذي تحفظ فيه الهنوف محاولاتها المبكرة، فتلفت إلى أن ذلك كان وهي في الحادية عشرة من عمرها، حين شعرت بفضول نحو المعرفة، ومن ثم إلى القراءة، وبعدها سطرت الخربشات الاولى، وتقول: «للأسف ضاعت مني أغلبية المحاولات الأولى، مع كثرة تغيير البيوت، والتنقل بين أكثر من سكن، لكنني أذكر أنها كانت مشاعر تحاول ان ترقى الى مرحلة التأمل المراهق، تحاول استكشاف المختلف وإبرازه، والتمرد على بعض السائد حينها، ونشرت جزءاً منها في صحف ومجلات مختلفة، وأذكر منها تحديداً نشرة (تراتيل النوارس) التي اشتركت في إصدارها مع بعض المبدعين الإماراتيين»، مشددة على أن تمردها كان واعياً، لا ذلك الذي يكسر «خشم العائلة».

وتكمل «مِلت إلى قصيدة النثر تحديداً خلال دراستي الجامعية في العين، حيث أظل لساعات طويلة في المكتبة، واستهوتني تجارب مبدعي النثر، وشعرت بتجاوب خاص مع تلك النصوص المغايرة، ربما لأنني احسست انها غير رسمية وتتمتع بألق حداثي، ووجدت فيها من المتعة ما لم أجده في غيرها من الفنون الأدبية».‏

تويتر