نعتقد في كثير من الأحيان أن الفنانين الكبار لديهم متلازمة «الديفا» 24 ساعة، ولكن في حقيقة الأمر قد تتعجب من بعض طقوس وتصرفات بعض هذه الشخصيات، والتي تجعلك تكتشف سر الاسم والصورة الكبيرة التي بنوها، خصوصاً أولئك الذين ينجحون في الاستمرارية لعقود من الزمن. هؤلاء لا يبنون مسيرتهم على عمل واحد ناجح، أو فقاعة شهرة مؤقتة، أو الشكل الخارجي أو حتى كثافة التواجد الإعلامي، بل يراهنون على ما هو أغلى وأكثر استدامة!
خلال العمل التلفزيوني والإذاعي، لاحظت أن أضخم الأسماء الفنية، هم في الحقيقة أكثر الناس تواضعاً في الواقع، وتستطيع أن تلمس ذلك في تصرفات بسيطة يقومون بها قد لا تعني شيئاً للشخص العادي، ولكنها في الحقيقة مفتاح تميزهم ونجاحهم.
فمثلاً عندما قمت بتسجيل حلقة مع الفنانة القديرة نبيلة عبيد، دخلت الاستوديو وحرصت على السلام باليد على كل شخص يعمل في الموقع، من عامل النظافة إلى المصورين إلى تقنيي الإضاءة والصوت والمخرج، وكانت مواعيدها مضبوطة لا تتأخر عنها دقيقة واحدة، وكانت حريصة على جعل كل شخص في الاستوديو يبتسم قبل تصوير الحلقة!
وقمت أيضاً بحضور بروفات حفل الفنانة لطيفة التونسية في قرطاج في صيف 2023، ولا أستطيع أن أنسى اللحظة التي رأيت فيها مجموعة من الرجال والنساء ينتظرونها أن تنتهي من العمل اعتقدت بأنهم مجرد معجبين، ولكنني اكتشفت أنهم أبناء الحي الذي ترعرعت فيه وهم من جيلها، ورغم كل مشاغل الحياة والزمن الذي غير حياتهم، إلا أنها حريصة على أن تلتقي بهم، فيجتمع أبناء الحي القديم لحضور جميع حفلاتها في تونس، وكأنهم أطفال الأمس، يضحكون ويمرحون ويشجعون ابنة الحي الموهوبة، التي لم تتغير عليهم، رغم أنها جالت العالم بأسره بنجاحاتها الفنية!
في الإمارات مثلاً، إذا أردت أن ترى كبار الفنانين، أدعوك لأن تذهب إلى كافتيريا بسيطة بجانب معهد الفنون المسرحية في الشارقة بعد كل عرض مسرحي ضخم، وأراهن على أنك ستجد أكبر الفنانين هناك يتناولون «الباراتا» و«الكرك» مع بعضهم بعضاً مستغنين عن كل اللمعان والوهج الذي كانوا يتمتعون به على خشبة المسرح قبل دقائق!
ولو قرأت سيرة أكبر الفنانين في التاريخ، ستجد أنهم كانوا دائماً حريصين ألا يكونوا دائماً ذلك الفنان الذي تحت الضوء، فكل «الهيلمان» وتضخيم «الأنا» الذي يعيشه البعض قد يعطيهم وهجاً لمدة بسيطة، ثم لابد لهذا الوهم أن يتبدد، فالواقعية والالتزام المهني البحت، إلى جانب التواضع الإنساني، هما أساس استمرار أي فنان!
ibrahimustadi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.