يملكون دخلاً أعلى من الشباب.. وخبراء يدعون إلى مراعاة متطلباتهم بذكاء
كبار السن شريحة تسويقية مهمة تتــجاهلها الإعلانات التجارية
ينبغي أن يتعلم المنتجون والمسوقون كيفية استقطاب كبار السن لشراء منتجاتهم، وذلك بابتكار أسلوب ذكي يتناسب مع متطلبات هذه الفئة العمرية التي تتزايد أعدادها باستمرار، والتي أصبحت تشكل جزءاً كبيراً من المجتمع.
وهناك أفكار عدة للإعلانات الذكية، مثل الإعلان الذي نشر أخيراً لفتاة أميركية تبلغ 20 عاماً من عمرها، تقف أمام الكاميرا لتقول إنها جعلت والديها يشتركان في موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي، لأنها قرأت مقالاً يشير إلى أن كبار السن غالباً ما يصبحون معادين للمجتمع، وانتقلت الكاميرا بعد ذلك بعيداً لتنقل صورة سيارة «تويوتا فنزا» مسرعة عبر الريف، وعلى سطحها دراجات جبلية، وزوجان مسنان يضحكان ويتحدثان، وفي الوقت الذي أشارت الشابة بازدراء إلى أن والديها ليس لديهما في حسابهما على «فيسب وك» سوى 19 صديقاً، أنزل الزوجان دراجتيهما وأسرعا داخل الغابة مع زوجين آخرين في سنهما، وتتحدث الفتاة أمام الكاميرا قائلة: «لدي 637 صديقاً»، مضيفة: «هذه هي الحياة».
مؤسس الشركة الاستشارية في التسويق «30 بلس 20»، المتخصصة في الترويج لمن هم في سن أكثر من 50 عاماً، ديك ستراود، ، يقول إن «هذا الإعلان، الذي يعكس زوجين كبيرين في السن نشطين، متعاونين، في الوقت الذي تخفي ابنتهما نفسها وراء جهاز كمبيوترها المحمول، يلخص التحدي الأكبر الذي يواجهه التسويق اليوم».
واستطرد أن «التحدي الذي يواجهه المنتجين هو أن العديد من المستهلكين الكبار في السن لا يرغبون في أن يذكرهم أحد بسنهم»، مضيفاً أن «(تويوتا فنزا) فعالة في الإعلان لأنها ترتبط بأسلوب الحياة النشط، بصرف النظر عن العمر».
وقال: «بالنسبة لمعظم المنتجات التي يحاول المسوقون اعتبارها خاصة بكبار السن، فإن الإعلان عنها ميؤوس منه».
وعلى سبيل المثال، فإن الهاتف المحمول «كاترينا»، الذي طورته الشركة الألمانية «فت ـ إيج»، والذي تم تسويقه لكبار السن، وجرى تزويده بمفاتيح كبيرة ولوحات مميزة بسيطة، كان فاشلاً، إذ أصبحت الشركة المصنعة له معسرة في عام 2010.
ولاحظ الباحث الزائر بمعهد «أكسفورد لدراسات الشيخوخة»، المتخصص في كبار السن، البروفيسور نوربرت مينرز، أن «صناعة الإعلان كانت بطيئة في إدراك ضرورة التكيف مع التغيرات الديموغرافية، خصوصاً في ألمانيا التي يبلغ العمر المتوسط فيها أكثر من 45 عاماً، وفي المقابل، فإن متوسط أعمار الموظفين في الوكالات الإعلانية هو 33 عاماً، فيما تصل نسبة موظفي وكالات الإعلان الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً، إلى 5٪ فقط».
وفي الولايات المتحدة، شهدت الفترة من عام 1970 وحتى 2009 ازدياداً لأكثر من 100٪ في عدد الأسر التي يرأسها أشخاص تبلغ أعمارهم 55 عاماً وأكثر، إذ بلغ عددهم 4.47 ملايين شخص، وفي المملكة المتحدة ارتفعت نسبة الأسر التي يعولها شخص يبلغ من العمر 55 أو أكثر من 38٪ في عام 1986، إلى 43٪ في آخر تعداد سكاني.
وفي الوقت ذاته نجد أن معدل الأعمار المتوسطة آخذ في الارتفاع في العالم المتقدم، وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن معدل الأعمار المتوسطة في الولايات المتحدة ارتفع من 35.5 عاماً إلى 39.3 عاماً بين عامي 2000 و2010؛ وفي أوروبا ارتفع المعدل من 37.5 عاماً إلى 39 عاماً خلال الفترة نفسها، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن يرتفع المعدل إلى 49.5 عاماً.
ومن الملاحظ أن كبار السن غالباً ما يكونون أكثر ثراء من الشباب، وفي المملكة المتحدة كانت 10٪ من الأسر، التي يعولها أشخاص تراوح أعمارهم بين 50 و55 عاماً في عام 2011، تمثل 15٪ من الفئة ذات الدخل الأعلى في البلاد، أي بما لا يقل عن 1405 جنيهات في الأسبوع.
وبالمثل، أظهرت بيانات التعداد لعام 2009 في الولايات المتحدة، أن الأسر التي يعولها أشخاص تراوح أعمارهم بين 55 و64 عاماً، تلقوا متوسطاً سنوياً فاق دخل الأسر التي يرأسها أفراد تراوح أعمارهم بين 25 سنة و34 سنة بنحو 56.9 ألف دولار؛ وفي ألمانيا فإن الأسر التي يعيلها أشخاص تراوح أعمارهم بين 55 و64 عاماً يتلقون متوسط دخل صافٍ يبلغ 2357 يورو في الشهر، وهو أعلى من المعدل الوطني البالغ 2125 يورو.
أما في اليابان، التي ارتفع معدل العمر المتوسط فيها إلى 45 عاماً مع تراجع معدلات الخصوبة، أدرك منتجو السلع منذ فترة طويلة الحاجة إلى صناعة منتجات مصممة خصيصاً لكبار السن، وفقاً لستراود، وبدأت شركات مثل «إن تي تي دوكومو» تصمم منتجات ذات مواصفات صديقة للكبار، مثل ابتكار هواتف نقالة نقية الصوت ومسموعة بوضوح، وذلك من أجل الحصول على مساحة كبيرة في الأسواق الرئيسة.
وبدأت الشركات في الأسواق الغربية تفعل الشيء ذاته.
وقال المدير التنفيذي للاستراتيجية في الشركة الإعلانية «هافاس ورلد وايد نيويورك»، توم مورتون، إن شركته بدأت دراسة ما يريده الكبار من منتجات، بعد أن أدركت اتجاه النمو السكاني والتركيبة السكانية.
وأجرت «هافاس» دراسة استقصائية شملت أكثر من 7000 شخص مسن من جميع أنحاء العالم، وخلصت إلى أن ما يثير هواجس الجيل السابق من الشباب (كبار السن حالياً) لم يعد يستهوي شباب اليوم، مشيرة إلى أنه «بدلاً من إنكار كبر سنهم، فإن معظم الناس بدأوا يتقبلون ما تحمله إليهم حقبة أعمارهم من منتجات خاصة بهم، ويعبرون عن رضاهم بها».
وأوضحت أن «جمال شكل المنتج أقل أهمية بالنسبة للفئة العمرية مما كانت عليه الحال قبل ذلك، وأن فقدان الاستقلال الذاتي هو الهاجس الأكبر لهذه الفئة».
وتأتي العزلة الاجتماعية في المرتبة الأولى من بين مخاوف هذه الفئة، وفقاً للدراسة، وهي النقطة التي يقول عنها البروفيسور مينرز إن «المعلنين الألمان وضعوها في الاعتبار»، مضيفاً أنه «ليس من اللائق إصدار إعلان يظهر فيه شخص واحد فقط من كبار السن من دون شخص غيره»، ويشير إلى إعلان (تويوتا فنزا) الذي يضع كبار السن في مجموعات، يلهون ويمرحون، بوصفه «مثالاً طيباً».
واستهجنت الدراسة أيضا مفهوماً درجت عليه وكالات الإعلان منذ فترة طويلة، ويتلخص في أنه من الصعب استدراج كبار السن لشراء السلع بسبب أنهم يفضلون نماذج بعينها ويصرون على شرائها ومن الصعب تغييرها.
وقال خبير الإعلان المتخصص في الاتجاهات الديمغرافية في إحدى شركات «كونيكتيكت»، كين غرونباش، إن «بعض المنتجات من الصعب بيعها للمسنين، إذ إن مثل هذه المنتجات تركز على الفئة العمرية بين 18 و34 عاماً، مثل السيارات الرياضية والملابس اللافتة التي يشتريها من هم في هذه المرحلة عادة لتكون وسيلة للعثور على رفيقة».
واستطرد: «لكن صناعة الدراجات النارية مثال واحد جيد للمنتجات التي تتكيف مع التغيير الديموغرافي، ففي عام 2010 كان متوسط عمر متسابقي الدراجات النارية في الولايات المتحدة 49 عاماً، مقارنة بـ40 عاماً في عام 2001، ووفقاً لبعض البحوث في هذا الخصوص بدأت أعداد مشتري الدراجات النارية الأصغر سناً في التناقص في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وفي وقت مبكر من تسعينات القرن الماضي أغلقت معظم وكالات بيع الدراجات اليابانية أبوابها في شمال شرق الولايات المتحدة، لأن الجيل المقبل آنذاك كان أقل بتسعة ملايين شخص عما سبقه من جيل».
إلا أن الصانعين صاروا يتكيفون مع الظروف من خلال جعل منتجاتهم ـ التي هي في الواقع أكثر كلفة من أن يشتريها الشباب ـ تبدو أكثر سهولة لاستخدامها من قبل كبار السن.
ووفقاً لدراجات «هارلي ديفيدسون» النارية بالمملكة المتحدة، فإن العديد من الموديلات، يتميز بسروج ومقاود كلاسيكية، وعتلات تغيير سرعة يمكن تغييرها بضغطة واحدة من قدم صاحب الدراجة، وهو ما يعني قيادة الدراجة النارية من دون الحاجة ليحني الراكب قدميه، وهو الوضع المثالي للمستخدمين الشباب ذوي الأرجل القوية. وقال غرونباش أن «هذه الدراجات مناسبة لأصغر جيل من كبار السن». ويشير بحث بروفيسور مينرز إلى أن «الناس كثيراً ما يرون أنفسهم أصغر بـ10 أو 15 سنة من عمرهم الحقيقي، إذا كنت تبيع لشخص عمره 60 عاماً، فإن إعلانك ينبغي أن يناسب من هم في عمر 45 عاما». أما المستشار الاستراتيجي في شركة «ريد 23» للتسويق، هاميش برينغل، فيوضح أن «شركات منتجات التجميل، مثل (لوريال)، استغلت بنجاح صور الممثلة المسنة، جين فوندا».
ووجدت دراسة «هافاس» أن أفضل شيء هو ألا يخفي أي شخص عمره الحقيقي، وإنما يظهر بالمظهر الجذاب الطبيعي الجميل والقوي، إذ إن الهدف يجب أن يتجلى في ظهور مناسب وقوي ومشع بالرضا، وليس متحجراً وغبياً مثل لعبة «باربي»، بحسب وصف الدراسة.
وقال مورتون إن «الخطأ الأكبر الذي ارتكبه المعلنون هو تركيزهم الأكبر على التركيبة السكانية، وتجاهلهم حقيقة أن المنتجات التي تكون جذابة للصغار يمكن أن تكون كذلك لكبار السن، إذ إن الأجهزة الذكية النقالة على غرار (آي باد) و(آي فون) التي تتميز بسهولة استخدامها، سرعان ما وجدت طريقها إلى قلوب المسنين، إذ إن هناك أعداداً متزايدة من المسنين الذين يستخدمون الإنترنت».
ويقول غرونباش إن «المسوقين يريدون هذه الشريحة من كبار السن»، مضيفاً أنه «ليس هناك متعاملون شباب أقل فقط، وإنما أفقر أيضاً، كما أنهم لا يستطيعون الحصول على وظيفة بعد تخرجهم مباشرة في الكلية».
وقال ستراود إن «التعامل مع كبار السن يختلف عن التعامل مع أي فئة عمرية أخرى، وبما أن المفهوم الذي ينادي بـ(التصميم للعجزة والضعفاء) أثبت فشله، فإن على صانعي المنتجات الاستهلاكية البحث عن استراتيجيات أخرى لتنير لهم الطريق للتعويض عن هذا الفاقد في السوق.
ويقترح مينرز في هذا الصدد التعامل بأسلوب «الحزم»، مشيراً إلى أن «كبار السن في ألمانيا تم إقناعهم باستخدام أطعمة الأطفال الصغار، لكن ليس في أوعية كبيرة ـ كما الحال مع الأطفال ـ لكي يستطيع المشترون التفريق بينها». وتابع: «إن المنتجات الناجحة في السوق ترسل إشارات ذكية للمشترين، إذ تتميز أوعية الطعام بسهولة الإمساك بغطائها ومكان لاستقرار الإبهام في الزجاجة، ويدل ذلك على أن كل مستهلك مهما كان ضعيفاً يستطيع فتح القارورة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news