مفهوم جديد للتعلم عبر«آي بـاد» في هولندا
تتجه مدارس ومؤسسات تعليمية في أماكن مختلفة حول العالم للاستعانة بالحواسب اللوحية، بهدف تحسين العملية التعليمية، وبديلاً عن الكتب الدراسية التقليدية، لكن مجموعة من المدارس الهولندية تسعى للانتقال إلى مرحلة أبعد، وإحداث ما تراه «تغييراً جذرياً» في طبيعة عمل المدرسة والعلاقة مع التلاميذ، وتعتمد في ذلك بشكل أساسي على الحواسب اللوحية «آي باد»، وهو ما سيؤثر في تنظيم المدرسة والفصول واليوم الدراسي ونظام التقييم. وتشهد مدن هولندية عدة، من بينها العاصمة أمستردام، في أغسطس المقبل افتتاح 11 مدرسة تضم 1000 تلميذ تراوح أعمارهم بين الرابعة والـ12، لن يضطر التلاميذ فيها إلى جلب الأقلام والكراسات والكتب وحمل حقائبهم إلى المدرسة كل صباح، فكل ما يلزمهم هو حاسب «آي باد» يستخدم للتعلم وممارسة الألعاب أثناء اليوم الدراسي، من دون أن يتعرضوا لتوبيخ المعلمين.
وتُشرف على تطوير هذا النموذج منظمة «أو فور إن تي»، ويختصر اسمها الحروف الأولى لعبارة «التعليم لعصر جديد» باللغة الهولندية.
ولا يقتصر التجديد في هذه المدارس على الاستخدام الواسع لحواسب «آي باد»، بل يمتد التغيير إلى شكل المدرسة، وتنظيم اليوم الدراسي، وطبيعة العلاقات التي تربط بين أطراف العملية التعليمية.
وستفتقد المدرسة كثيراً من العناصر المألوفة، وتختفي منها الفصول الدراسية التقليدية وحجرات المعلمين، والسبورات والطباشير وجداول الحصص وأقلام الكتابة وصوت الجرس، ومشهد المعلم في مقدمة الفصل يشرح الدروس، والدرجات، كما ستتراخى الحدود الفاصلة بين دور التلاميذ والمعلمين والأسر، وسيقترب كل طرف من الآخر، بحيث يكون للتلاميذ أنفسهم دور كبير في تحديد ما يريدون دراسته وتجربته.
وتقدم هذه المدارس مفهوماً جديداً لليوم الدراسي وللعطلات، فعملياً لن تتوقف الدراسة؛ فباستطاعة التلاميذ إكمال ما يتعلمونه في المنزل باستخدام حواسب «آي باد»، سواء في الأيام التي يذهبون فيها للمدرسة أو العطلات، كما يمكنهم السفر مع أسرهم في أوقات مختلفة من العام من دون القلق من غيابهم عن الحصص المدرسية، التي لن تُقدم بمعناها المعروف.
وستسمح المدارس للتلاميذ بمزيد من حرية الحركة طوال اليوم، ومن المقرر أن تفتح المدرسة أبوابها في السابعة والنصف صباحاً وحتى السادسة والنصف مساء طوال العام، باستثناء عيد الميلاد وبداية السنة الجديدة، وسيأتي التلاميذ في الوقت الذي يرغبون فيه طالما حضروا فترة الدراسة الأساسية بين الساعة العاشرة والثالثة والنصف. ويؤكد القائمون على التجربة أنها لن تقتصر على بقاء التلاميذ طوال اليوم أمام شاشات «آي باد»؛ فيظل التفاعل بينهم وبين المعلمين هو أساس العملية التعليمية، بحسب مدير إحدى المدارس الداعمة للمبادرة الجديدة في مدينة «بريدا» جنوب هولندا، جيرتجان كلينبستي؛ لكن سيتحول دور المعلم من ناقل للمعرفة إلى مُدرِّب على التعلم، وفي حالات استثنائية يُشرف المعلمون على مجموعات التلاميذ في فصول الدراسة.
ويمر كلينبستي ومدرسته، التي يجري العمل فيها على قدم وساق للانتهاء من تجهيزها قبل أغسطس المقبلة، بنقلة كبيرة، فحتى العام الماضي لم يكن فيها سوى ثلاثة حواسب فقط، وهو ما يراه المدير مخالفاً لروح العصر الحالي، ويضيف أن الاتجاه الذي يسيرون فيه حالياً سيصبح أمراً عادياً تماماً في عام 2020.
وفي ما يخص أنشطة التلاميذ طوال اليوم، فسيستخدم كل منهم تطبيقات تعليمية تكون بمثابة كتاب مدرسي تفاعلي يعتمد على الأصوات والرسوم المتحركة، ويمنح كل تلميذ الوقت الذي يريده للتعلم والتجربة، وتشمل المواد الأساسية في المرحلة الابتدائية الحساب ومهارات القراءة وفهم النصوص، وتندرج الكتابة اليدوية ضمن المهارات الثانوية، وينتقل التلميذ إلى المستوى التالي بحسب سرعة تقدمه، إلى جانب ذلك سيكون اليوم المدرسي حافلاً بالرسم واللعب والأنشطة البدنية.
لكن مع حرية اختيار الوقت والمكان، تستمر متابعة إدارة المدرسة والعائلات لمدى تقدم أطفالها في الدراسة؛ فتُزوِّد التطبيقات المستخدمة الآباء والمعلمين بصفة مستمرة بما تعلمه أطفالهم ومستوى تقدمهم ليمكنهم التدخل عند الضرورة.
وتخط هذه الطريقة في التعليم مبادئ جديدة في العلاقة بين أسر التلاميذ والمعلمين، وبدلاً من اللقاءات المحدودة وغير المنتظمة، سيلتقي التلاميذ والأسر والمعلمون كل ستة أسابيع، عبر «سكايب» أو في المدرسة، ليتناقشوا حول ما يريدون إنجازه في الفترة التالية.
من جانبها، ترى إحدى الأمهات، التي قررت إلحاق طفليها بمدرسة جديدة تتبنى هذا النهج، أن هذا النوع من المدارس يحافظ على شخصيات التلاميذ وفطرتهم التي تدفعهم لتعلم الأشياء، من دون أن يتحكم في تشكيلهم المدرسون وخطط الدراسة.
وتعود بداية المبادرة إلى موريس دي هوند، الذي يدير شركة متخصصة في استطلاعات الرأي العام، وانبهر دي هوند بتعلم ابنته دافين، التي وُلدت عام 2009، لكثيرٍ من المعارف بسهولة ومن دون توجيه من خلال استخدامها لحاسب «آي باد»؛ فقبل أن تُكمل عامها الثالث تدربت على كيفية رسم الحروف بواسطة أحد التطبيقات. ويرى أن المدارس التقليدية تهدد طبيعة حياة الأطفال، وقال: «في المنزل، تتعلم دافين بطبيعتها وفقاً لسرعتها، وبطريقة تفاعلية، وباستخدام أدوات الوسائط المتعددة، لماذا يتوجب عليها أن تشعر كما لو كانت في متحف عندما تكون في المدرسة؟»، مضيفاً: «المعلمون التقليديون من مستخدمي السبورات والطباشير يعدون التلاميذ لعالم لم يَعُد موجوداً».
وانطلقت المبادرة في أكتوبر 2011، وسرعان ما انضم إليها معلمون وأساتذة في التعليم وآباء، وقرروا معاً النظام الذي ستسير عليه المدارس، وتلقت الفكرة مجموعات في مدن مختلفة وبدأوا تأسيس مدارس تتبنى المنهج ذاته. وتفتح كل مدرسة أبوابها لجميع التلاميذ من دون تمييز، وتقدم مؤسسات تكافلية إعانات مالية للآباء غير القادرين على تحمل شراء «آي باد» لأطفالهم، كما حظيت الفكرة بتأييد الأحزاب الممثلة في البرلمان الهولندي، بحسب استطلاع أجرته صحيفة «دي فولكسكرانت» اليومية، باستثناء حزب «من أجل الحرية» اليميني.
ويأمل أصحاب المبادرة أن تحمل هذه المدارس اسم «مدارس ستيف جوبز»، تكريماً لأحد مؤسسي شركة «أبل»، ومديرها التنفيذي الراحل، ستيف جوبز، واعترافاً برؤيته التي غيرت كثيراً في مجالات الحواسيب والموسيقى والهواتف المحمولة، وتُسهِّم في تغيير صناعة النشر والتعليم.
وقال دي هوند: «نود أن نحتفي بالرجل بهذه الطريقة»، لكنه اعترف بأنه لم يتواصل بعد مع الشركة أو أسرة جوبز بهذا الخصوص.
ومنذ إطلاق أجهزة «آي باد» للمرة الأولى قبل أكثر من ثلاث سنوات، زاد الاتجاه لاستغلال الحواسيب اللوحية عموماً في التعليم بديلاً عن الكتب المطبوعة، ووسيلة أكثر جاذبية وقرباً من الأطفال، وتبنت مدارس في دول عدة في أوروبا، إضافة إلى الولايات المتحدة والهند والإمارات استخدامها في المدارس. وأخيراً، أقرت ولاية لوس أنجلوس الأميركية صفقة بقيمة 30 مليون دولار لتوزيع أجهزة «آي باد»» على أكثر من 640 ألف تلميذ في مراحل تعليمية مختلفة، إلا أن هذه المشروعات لاتزال في مهدها، وتحتاج إلى مزيد من التجربة والانتظار لبحث تأثيرها في تعليم الأطفال على المدى الطويل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news