الحكومة الصينية تقاوم المعلومات الخاطئة التي ينتج عنها احتجاجات واسعة أو اضطرابات عرقية ودينية. أرشيفية

الصين: عقوبات صارمة على نشر الشائعات عبر الإنترنت

تضم الصين العدد الأكبر من مستخدمي الإنترنت في العالم، ووصل عددهم حتى الآن بحسب الأرقام الرسمية إلى 591 مليون مستخدم، ما يُعادل 44% من عدد سكانها الذين تعدوا مليار نسمة، وفي الوقت نفسه، فإن الصين تُعد من أكثر الدول التي تفرض رقابة مُشددة على الإنترنت بسبلٍ عدة، منها حجب آلاف المواقع، وإلزام شركات الإنترنت بمراقبة أنشطة المستخدمين، فضلاً عن اعتقال المدونين، وقوانين صارمة كان أحدثها الأسبوع الماضي.

وكشفت الحكومة الصينية أخيراً، عن قوانين جديدة تستهدف محاربة ما أسمته نشر الشائعات غير المسؤولة عبر الإنترنت، ضمن محاولتها لفرض السيطرة على الإنترنت، خصوصاً الشبكات الاجتماعية التي وفرت لمواطنيها فرصةً غير مسبوقة لمناقشة المخالفات الحكومية، والوقائع المتعلقة بالفساد، والمشكلات الاجتماعية.

وتهدد الأحكام الجديدة مستخدمي الإنترنت بعقوبة السجن فترة تصل إلى ثلاث سنوات، في حال انتشرت تدويناتهم التي تتضمن معلومات غير صحيحة على نطاقٍ واسع.

وبحسب التفسير القانوني الذي أصدرته محكمة الشعب العليا والمدعي العام، سيواجه مستخدمو الإنترنت تهمة التشهير في حال وصل ما كتبوه إلى 5000 مستخدم، أو أعيد نشره 500 مرة، وفق ما نشرت وكالة «رويترز».

وأوضح التفسير الشروط التي تُوجب عقاب المستخدمين، وتتضمن المنشورات التي تتضمن معلومات خاطئة تتسبب في آلام نفسية أو حوادث الانتحار، وكذلك المعلومات الخاطئة التي ينتج عنها احتجاجات واسعة، أو اضطرابات عرقية ودينية، أو تؤثر سلباً في صورة الدولة.

ولا تقتصر التهم الناتجة عن نشر الشائعات على التشهير، بل قد تشمل إثارة المتاعب والأعمال التجارية غير المشروعة والابتزاز، والتي تُفرض للمرة الأولى.

وفي الوقت نفسه، استبعد المتحدث باسم المحكمة، المستخدمين الذين يوجهون اتهامات خاطئة بالفساد إلى مسؤولين عبر الإنترنت، مشيراً إلى إعفائهم من التهمة طالما ثبت عدم تعمدهم نشر محتوى ملفق، بحسب صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» اليومية التي تصدر في «هونغ كونغ».

من جانبها، تؤكد الحكومة الصينية حاجتها لإيقاف انتشار الشائعات غير المسؤولة، مدللة على ذلك بانتشار بعض الأمور السخيفة على الإنترنت، ومنها قصة نُشرت أخيراً عن بيع حساء مصنوع من جثث لأطفال رُضع في مقاطعة «جوانجدونغ».

لكن الحجج التي قدمتها الحكومة لم تُفلح في إقناع كثيرين، فنقلت الصحيفة عن أحد مستخدمي الإنترنت قوله: «سأصمت عن الحديث على الإنترنت اعتباراً من الآن. إذا أردت أن تضع شخصاً في السجن، فالطريقة الأسهل ستكون أن تعيد تمرير منشوره غير الصحيح 500 مرة».

كما انتقد عدد من مستخدمي موقع «ويبو»، البديل الصيني لموقع التدوين المصغر «تويتر» القانون، وكتب أحدهم: «إن من السهل للغاية أن يُعاد نشر مادة منشورة 500 مرة، أو أن يشاهدها 5000 شخص. من سيجرؤ على قول شيء الآن؟». فيما أشار آخر إلى أن التفسير القانوني ينتهك الدستور، ويصادر حق الناس في حرية التعبير.

وبحسب ما نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية، يرى المدون والمعلق في وسائل الإعلام في بكين، مايكل آنتي، أن «القانون يمنح كل مسؤول محلي فاسد أداة مريحة لاعتقال أي شخص ينتقده»، معتبراً القانون «نهاية الحركة المناهضة للفساد على الإنترنت».

وأضاف آنتي أن «القانون يختلف عن الحملة السابقة للرقابة على الإنترنت في عام 2011 التي استهدفت المعارضين والنشطاء، إذ يمتد نطاقه لمدى أوسع، إذ يحظى العديد من الكتاب والمشاهير ورواد الأعمال بملايين المتابعين في موقع (ويبو)، وسيتعين على كثيرٍ منهم توخي الحذر في منشوراتهم».

وقال إنه «يمكن لهذا النوع من الحملات السياسية ــ حملة مكافحة الشائعات ــ أن يُحدث في الواقع تأثيراً سلبياً في عالم التدوين».

وتأتي القوانين بعد اعتقالات طالت عددا من المدونين والصحافيين المعروفين خلال الأشهر الماضية، وذلك على خلفية مزاعم مثل نشر ملاحظات مثيرة للجدل، والتحريض على الاضطرابات الاجتماعيىة، وترويج الشائعات على الإنترنت.

وتعد القوانين الجديدة وغيرها، مثل فرض التسجيل بالأسماء الحقيقية على المستخدمين، واحدة من صور الرقابة المشددة على الإنترنت، التي تنظر إليها حكومة الحزب الشيوعي الحاكم، أداة لا غنى عنها لإحكام سيطرتها على السلطة، وفي الوقت نفسه ترغب في الإبقاء على هامش يسمح للمستخدمين بالتنفيس عن بعض من غضبهم تجاه الأداء الحكومي أو معدلات الفساد، في ظل حظر أدوات الاحتجاج السياسي الأخرى.

ولا تقتصر مهمة الرقابة على الحكومة بل تفرض على شركات الإنترنت مراقبة ما يكتبه الناس، ونشرت وكالة «رويترز» تقريراً تناول جانباً من نظام الرقابة داخل شركة «سينا كروب» مالكة موقع «ويبو» الذي أعلن في فبراير تجاوز عدد مستخدميه 500 مليون شخص.

ويراقب نظام الكمبيوتر في الموقع، جميع ما ينشره المستخدمون، ويُصنف بعضاً منها، باعتبارها منشورات حساسة تتضمن عبارات مسيئة أو غير مقبولة سياسياً، ومن ثم يجب مراجعتها من قبل الرقباء، وهم عشرات من خريجي الجامعات الشباب يعملون في نوبات تمتد طوال ساعات اليوم، لفحص المنشورات ليُقرروا ما إذا كانت ستبقى أم تُحذف، ويعتمدون على قوائم تتضمن الكلمات الحساسة، ويجري تحديثها باستمرار لتشمل عبارات يستحدثها المدونون.

وعادةً، يفحص الرقباء نحو ثلاثة ملايين منشور يومياً، ويعمد الرقباء في معظم المنشورات إلى تركها مرئية لكاتبها فقط دون أن يراها المستخدمون الآخرون، بينما تُحظر بعض المنشورات وتُحذف يدوياً، وفي بعض الحالات قد يُمنع المستخدم من التعليق، أو يتم إغلاق الحساب.

وتضمن تقرير الوكالة لقاءات مع أربعة من الرقباء ممن تركوا عملهم، وذكر أحدهم أن الهدف من الرقابة حماية «ويبو» من الإغلاق، ومنح الناس منصة يمكنهم التحدث من خلالها. وقال: «إنها ليست حُرة بشكل مثالي، لكنها لاتزال تمنح الناس فرصة للتنفيس».

الأكثر مشاركة