قيمتها تقدر بـ 6 مليارات دولار رغم أنها تضم 100 مليون مستخدم
خرائط «نوكيا».. كنز الشركة الخفي
للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود تتغيب شركة «نوكيا» عن دورها لاعباً مؤثراً في مجال الهواتف المحمولة في العالم، وذلك بعد إتمام صفقة بيع قطاع الأجهزة المحمولة التابع لها إلى شركة «مايكروسوفت» الأميركية مقابل 7.5 مليارات دولار نهاية الأسبوع الماضي.
ويُسلط إتمام صفقة البيع الضوء على ما تبقى من أعمال الشركة الفنلندية، ويتضمن أعمالها في شبكات الاتصالات ووحدة الملكية الفكرية، وكذلك نظام الخرائط الرقمية المعروف باسم «هير» here، الذي يمكن اعتباره جوهرتها الخفية، أو على الأقل هدفاً مغرياً لعملية استحواذ أخرى بمليارات عدة من الدولارات، وفق ما تناول تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.
ويرمي نظام الخرائط من «نوكيا» إلى هدف بسيط وطموح في الوقت نفسه؛ يتمثل في بناء أكثر الخرائط الرقمية للعالم تفصيلاً وتحديثاً.
ويرى محللون أن اعتماد عدد متزايد من الشركات على الخرائط في منتجاتها، يزيد من أهميتها لمجالات متنوعة، منها النقل والشحن وتجارة التجزئة.
وفي ما يتعلق بخرائط الهواتف الذكية، حققت «خرائط غوغل» أو «غوغل مابس» تفوقاً ملحوظاً على خدمة «هير»، ويُقدر عدد مستخدميها بمليار مستخدم، بفضل اعتمادها خياراً افتراضياً في الهواتف العاملة بنظام تشغيل «أندرويد» من «غوغل».
وفي المقابل، تأتي «هير» كخدمة الخرائط الافتراضية للهواتف التي تعتمد نظام «ويندوز»، ويصل عدد مستخدميها عبر الهواتف الذكية إلى 100 مليون مستخدم فقط، لكن يختلف وضع خرائط «هير» في صناعة السيارات؛ إذ تهيمن على 80% من السوق العالمية لنظم الملاحة المدمجة في السيارات، وتتدافع كلٌ من «غوغل» و«أبل» للحاق بها.
وبحسب «نوكيا»، يجرى تحديث منتجاتها من الخرائط 2.7 مليون مرة يومياً، ما يجعلها أكثر دقة من منافسيها، كما تقول إن قدرتها على تخصيص الخرائط لتلائم الحاجات المختلفة للمستهلكين يميزها عن سواها.
وتمثل «أبل» منافساً آخر، إلا أن محاولتها للدخول إلى مجال الخرائط الرقمية لم تلقَ نجاحاً كبيراً حتى الآن، ما يجعل نظام خرائط «نوكيا»، الذي يمتد تاريخه لـ29 عاماً، المنافس البارز أمام الشركات والمستهلكين الباحثين عن بديل لخرائط «غوغل».
وقال المحلل في شركة «غارتنر» للأبحاث، أنيت زيمرمان: «رسم الخرائط عملٌ مكلف»، مضيفاً أنه «بالنسبة للاعبين الجدد، إذا لم يكونوا قد بنوا بالفعل مثل ما وصلت إليه الشركات القائمة، فليس من المعقول أن يبدأوا العمل حالياً».
ومع ذلك، لا ينعكس المركز القوي لخدمة خرائط «نوكيا» على إيراداتها التي بلغت العام الماضي 1.2 مليار دولار، ما يعادل 7% فقط من إجمالي عائدات الشركة، وفقاً لسجلات رسمية لشركة «نوكيا»، إذ شهد قسم الخرائط خسائر تشغيل بلغت قيمتها 212 مليون دولار خلال الفترة نفسها.
وتواصل «نوكيا» الاستثمار في تطوير خدمة خرائطها التي يعمل بها 6000 موظف، يمثلون نحو 11% من العاملين المتبقين في الشركة، والبالغ عددهم 55 ألف شخص.
وتدفع النتائج المالية الضعيفة المحللين للتساؤل عما إذا كان لدى «نوكيا» ما يلزم من الموارد المالية لمواصلة العمل في خدمة الخرائط، ولاسيما مع قلة الروابط القائمة التي تصلها بالأعمال الأخرى للشركة.
وحالياً تضم قائمة متعاملي خرائط «هير» من «نوكيا» شركات السيارات، إضافة إلى «مايكروسوفت» التي تستخدمها في محرك البحث التابع لها «بينغ»، و«أمازون» من أجل حواسيبها اللوحية «كيندل فاير»، و«ياهو» للاستعانة بها في خدمة الصور التابعة لها «فليكر»، كما تستعين بها شركة «فيديكس» لخدمات الشحن والبريد السريع؛ لإدارة أسطولها من شاحنات النقل في مختلف أنحاء العالم.
وتتردد أحاديث حول إمكانية لجوء «نوكيا» إلى بيع قسم الخرائط أو فصله عن الشركة؛ ليتسنى لها التركيز على وحدتها للشبكات التي تُصنع أبراج الهواتف المحمولة وغيرها من عتاد الاتصالات السلكية واللاسلكية لشركات الاتصالات، ومن المقرر أن تُحقق نحو 90% من الإيرادات السنوية بعد إتمام صفقة بيع وحدة الهواتف المحمولة، وهو ما يشير إلى أن «هير» قد تكون أكثر أهمية لجهة أخرى غير «نوكيا».
وأشار المحلل في «سيتي غروب»، إيهود جيلبلم، إلى وجود القليل من الشركات المتخصصة في رسم الخرائط في العالم، وإلى قيمتها المرتفعة قائلاً: «إنها رصيد قيم».
وكانت «مايكروسوفت» حاولت جهدها لشراء وحدة الخرائط كجزء من صفقة استحواذها على أعمال «نوكيا» في الهواتف المحمولة، إلا أن الطرفين أخفقا في الاتفاق حول السعر، حسبما نقل تقرير الصحيفة الأميركية.
ويرى محللون أن قيمة قسم الخرائط في «نوكيا» قد تزيد على ستة مليارات دولار، كما قد تجذب شركات مثل «سامسونغ» وغيرها من أكبر الشركات المُصنعة للهواتف والراغبة في تقليل اعتمادها على «أندرويد» في الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية.
وفي الوقت الحاضر، يعتمد منتجو الهواتف على «غوغل» في خدمات الخرائط، لكن تطور وتعقد المنتجات يدفع الشركات لمحاولة السيطرة بصورة أكبر على الجزء الحيوي من تفاعل المستهلك، من خلال امتلاك بديلها الخاص لخرائط «غوغل».
وأياً كان مصير خدمة «هير» للخرائط، يرى محللون أن أمامها العديد من الفرص للنمو؛ فعلى سبيل المثال، تُضمن شركات مثل «أوراكل» و«فيديكس» الخرائط في نظمها التقنية لتوجيه عمليات التوصيل حول العالم، ولإدارة سلاسل التوريد العالمية التابعة لها.
كما تطور شركات الهواتف المحمولة مثل «دويتشه تيلكوم»، التي تمتلك «تي موبيل»، خدمات جديدة تتيح للمستهلكين متابعة أصدقائهم وأفراد عائلاتهم عبر تطبيقات الهواتف المحمولة المعتمدة القائمة على الخرائط الرقمية.
وتمثل التحديثات اليومية لخدمة الخرائط جزءاً أساسياً من جهود «نوكيا» للحفاظ على صلات وثيقة مع أكبر مصنعي السيارات في العالم، التي تُثمر ما يزيد على 50% من العائدات السنوية لقسم الخرائط.
ولاتزال «نوكيا» تسيطر على معظم سوق السيارات؛ بفضل علاقاتها مع شركات كبيرة منها «تويوتا» و«فولكس فاغن».
وتبذل كلٌ من «غوغل» و«أبل» جهوداً كبيرة لدفع خرائطهما إلى مجال السيارات، من دون أن يحالفهما كثير من الحظ حتى الآن، وفقاً لشركة «غارتنر» للأبحاث.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news