الرابحون والخاسرون في انخفاض أسعار النفط (2 - 2)

تراجع النفط ينقذ أوروبا مـن «شبح» الركود.. وأميركا الرابح الأكــبر

كفاءة منتجي النفط الأميركيين سترتفع مع تراجع الأسعار على المدى الطويل بعد تركز الإنتاج بين المنتجين الكبار. غيتي

قال محللون وخبراء اقتصاديون إن تراجع أسعار النفط أنقذ الاقتصاد الأوروبي من «شبح» الركود، موضحين أن هذا التراجع سيسهم في زيادة معدل التضخم ونمو الاستهلاك عبر تعزيز إنفاق المستهلكين في قطاعات أخرى تساعد الاقتصاد على النمو، وتزيد حصيلة ميزانيات الدول الأوروبية من الضرائب بعيداً عن الإنفاق على الطاقة والمحروقات فقط.

واعتبر المحللون والخبراء الذين استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم، أن الصين تعد رابحاً من تراجع أسعار النفط على المديين القصير والمتوسط، فيما رأوا أن كفاءة منتجي النفط في الولايات المتحدة سترتفع مع تراجع الأسعار على المدى الطويل، بعد تركز الإنتاج بين المنتجين الكبار، الأمر الذي سيؤدي إلى خروج المنافسين الصغار من السوق، وهو ما يعني تحسين جودة الإنتاج وزيادة الإنفاق، وبالتالي أميركا هي الرابح الأكبر.

وأفادوا بأن قطاع الصناعة من أكثر القطاعات ربحاً على المدى القصير جراء انخفاض أسعار النفط، لأنه يستطيع الحصول على مواد خام بسعر أقل.

وأوضحوا أن من أبرز أسباب انخفاض أسعار النفط، تراجع الطلب، خصوصاً من ألمانيا والولايات المتحدة والصين واليابان، مع وفرة العرض نتيجة توسع أميركا في إنتاج النفط الصخري في السنوات الماضية، داعين إلى التكيف مع هذا الحدث لتلافي سلبياته والاستفادة من إيجابياته.

التيسير الكمي

وتفصيلاً، قال كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «بوسطن ميرشانت فاينانشيال»، للوساطة المالية، وليد جرادات إن «رفع الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة يعطي دفعة للدولار أمام اليورو»، مشيراً إلى أن «تراجع أسعار النفط أدى إلى تأجيل خطة البنك المركزي الأوروبي للتيسير الكمي، وهي مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى خفض سعر العملة لزيادة الصادرات وزيادة الإنفاق وتحفيز النمو الاقتصادي»، وذلك تجنباً لـ«شبح» الركود.

وكشف أن «(المركزي الأوروبي) فوجئ بتراجع أسعار النفط، فيما كان يستعد لإجراءات التيسير الكمي، وبالتالي لن يعمل أي سياسات تحفيزية في المستقبل القريب».

وأضاف أن «تراجع أسعار النفط سيهبط بأسعار السلع والخدمات، وسيؤدي إلى توفير سيولة كبيرة للمستهلك الأوروبي، تمكنه من زيادة الإنفاق وبالتالي ارتفاع قيمة الضرائب، وتحرك معدل التضخم صعوداً».

وأوضح أن «هبوط أسعار النفط بنسبة 50% تعني مباشرة أن المستهلك الأوروبي يستطيع توفير 50% مما كان ينفقه على الطاقة والمحروقات، وبالتالي زيادة الدخل المتاح للإنفاق الاستهلاكي والإنفاق على التكنولوجيا، وبالتالي ترتفع معدلات التضخم».

وأشار إلى أن «تراجع أسعار النفط ليس سيئاً للاقتصاد العالمي، بل هو محفز للنمو الاقتصادي وجيد للاستهلاك الذي يرتفع ويزداد معه معدل التضخم الذي تحتاج إليه بعض الاقتصادات الكبرى في الولايات المتحدة وبريطانيا».

 

التكيف مع الانخفاض

من جهتها، قالت منسق برنامج تحليل التوجهات الاقتصادية في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي، رضوى رضوان، إنه «من المتوقع أن تشهد أسعار الذهب هبوطاً طفيفاً مصحوباً بثبات سعري مؤقت، كما أنها قد ترتفع ارتفاعات محدودة في حال انتعاش سعر الدولار الأميركي بقدر كبير خلال الفترة المقبلة».

وأضافت أن «الاقتصاد العالمي بأكمله سيستفيد من ناحية أخرى، بما يعادل برنامج تيسير كمي، الأمر الذي سيساعده على دفع النمو الاقتصادي المتعثر، إذ إن تراجع الأسعار سيوفر عليه 1.8 مليار دولار يومياً أي نحو 660 مليار دولار سنوياً».

ولفتت إلى أن «آثار انخفاض أسعار النفط على دول وأقاليم العالم المختلفة تتباين، ويبقى على الدول دور كبير في التكيف مع هذا الحدث لتلافي سلبياته والاستفادة من إيجابياته»، مشددة على أن «دول الخليج تبقى مطالبة بمزيد من التنويع في اقتصاداتها، فتذبذب الأسعار صعوداً وهبوطاً سيستمر دائماً في تباين وفقاً لمتغيرات الأوضاع اقتصادياً وسياسياً».

وأوضحت رضوان أن «من أبرز أسباب انخفاض أسعار النفط، تراجع الطلب على النفط، خصوصاً من ألمانيا والولايات المتحدة والصين واليابان، مع وفرة العرض، نتيجة توسع أميركا في إنتاج النفط الصخري في السنوات الماضية»، مشيرة إلى أن «إنتاج النفط الأميركي شهد زيادة بنسبة 70% منذ عام 2008».

وأفادت بأن «تراجع أسعار النفط عن مستوى 60 دولاراً أميركياً، من شأنه تقليل الحماس الغربي والأميركي نحو إنتاج النفط من خلال الاستثمار في مجال النفط الصخري، في الوقت الذي تنادي أصوات بتحجيم استخراجات النفط الصخري لآثارها السلبية في البيئة»، لافتة إلى «حالة التردي السياسي الحالية، وتأثر الأسواق العالمية بها، فضلاً عن موجة الركود في الوقت الراهن».

فرصة للمنتجين

وحسب محلل اقتصادي، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن «انخفاض أسعار النفط يمنح فرصة للمنتجين بشكل عام لزيادة مستوى جودة السلع، إذ إنه يساعد على تحويل المنافسة في الأسواق من سعرية إلى منافسة على أسس الجودة، وبالتالي فإن المستهلك هو الرابح أيضاً من حصوله على سلع أفضل بأسعار أقل».

واعتبر أن «الصين تعد رابحاً من تراجع أسعار النفط على المديين القصير والمتوسط»، موضحاً أنه «على المدى القصير ستتمكن من تخزين احتياجاتها من الطاقة بسعر أقل، أما على المدى المتوسط، فإنها ستدخل في قطاع إنتاج النفط الصخري مثل الولايات المتحدة».

وبالنسبة لأميركا قال «إن كفاءة منتجي النفط، سترتفع مع تراجع الأسعار على المدى الطويل لأن الإنتاج سيتركز بين المنتجين الكبار، الأمر الذي سيؤدي إلى خروج المنافسين الصغار من السوق، وهو ما يعني تحسين جودة الإنتاج وزيادة الإنفاق على الأبحاث العلمية وزيادة الاستثمارات في مجال الاستكشافات الجديدة، لكنه على المديين القصير والمتوسط سيُحدث انتعاشاً للاقتصاد العالمي، وبالتالي أميركا هي الرابح الأكبر».

إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي، جمال الفخري، إن «انخفاضاً بمقدار دولار واحد في سعر برميل النفط، يوفر للصين، ثاني أكبر مستورد صافٍ للنفط في العالم بناء على أرقام عام 2013، ما يقدر بنحو 2.1 مليار دولار سنوياً».

وأشار إلى أن «أميركا مستورد صافٍ للنفط أيضاً، وبالتالي فإن انخفاض الأسعار يعني أن يحتفظ الأميركيون بمزيد من أموالهم».

وذكر أن «من الدول المعرضة لخسارة كبيرة، إيران صاحبة الاحتياطات المالية المحدودة، إذ إنها ستكون مضطرة إلى البدء سريعا بإجراءات تقشفية تطال قطاعات خدمية واقتصادية متعددة»، لافتاً إلى أنها «بدأت اتخاذ إجراءات ملموسة للسحب من احتياطيها، وتعويض خسائر النفط».

استقرار الأسواق

بدوره، قال خبير التصدير المدير التنفيذي لمؤسسة دبي لتنمية الصادرات، ساعد العوضي، إنه لا يتوقع تأثيراً مباشراً لانخفاض أسعار النفط في صادرات دبي، مشيراً إلى أنه «بحكم عمله في الأسواق فإنه يرى أن الأسواق ليست مستقرة بصورة دائمة، فالسوق تتلاءم مع هذه التغيرات، خصوصاً في مجال صادرات الأغذية».

وأضاف أن «تراجع أسعار عملة ما يؤدي إلى زيادة قدرة صادرات الدولة إلى الأسواق الخارجية، فأسعار السلع الأقل ترفع الطلب على التجارة»، مؤكداً أن «أسواق الإمارات من أكثر أسواق العالم مرونة وقدرة على التكيف مع ظروف السوق العالمية».

وأشار إلى أن «صادرات الإمارات تستفيد إذا انخفض سعر الدولار، فانخفاض الدولار يخفض الدرهم المرتبط به، وبالتالي يزيد من تنافسية الصادرات الإماراتية».

واعتبر أن «قطاع الصناعة من أكثر القطاعات ربحاً من انخفاض أسعار النفط، فهو رابح على المدى القصير لأنه يستطيع الحصول على مواد خام بسعر أقل، وبالتالي فإنه على المدى الطويل أيضاً سيربح».

أهم القطاعات الرابحة والخاسرة جرّاء التراجع

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/8ae6c6c54a58663f014a820e10651089c%20(1).jpg

أفاد المحللون والخبراء الذين استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم، بأن أهم القطاعات الرابحة والخاسرة جراء تراجع أسعار النفط هي:

■ القطاع الصناعي رابح، خصوصاً في مجال الصناعات كثيفة الطاقة، مثل الألومنيوم والزجاج والحديد.

■ قطاع السياحة والسفر رابح، لأنه يعتمد بصورة كبيرة على النقل الذي ستنخفض كلفته بسبب تراجع الأسعار، كما أن الصادرات ستتراجع كلفتها بسبب انخفاض كلفة التصنيع والشحن المعتمدة على النفط.

■ القطاعات المتضررة، هي الخدمية، خصوصاً المرتبطة بقطاعات النفط، مثل الاستخراج والبيع والتوزيع.

■ من أكبر الخاسرين قطاع الطاقة المتجددة في العالم، لأن الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة ستنخفض مع منافسة شديدة من الطاقة التقليدية.

■ القطاع العقاري وأسوق المال سيتراجعان على المدى القصير، بسبب تراجع الفوائض النفطية التي عادة ما تتجه إلى العقار أو أسواق المال، لكنهما سيشهدان استقراراً على المدى المتوسط.

■ الأسواق الناشئة أكثر المتضررين، بسبب تأثر عملتها جراء انخفاض الأسعار.

■ لن يؤثر تراجع النفط في سعر الدولار، بل سيقوى، ومعه الدرهم، أمام العملات الأخرى.

■ عام 2015 سيصبح عام حرب عملات، إذ سيشهد حرباً كبيرة بين اليورو والين واليوان، وسيكون الدولار مستفيداً على كل الأصعدة.

■ في العلاقة بين الذهب والنفط والدولار، نجد أن الذهب والنفط ينخفضان عندما يرتفع الدولار، ولذلك فإن الذهب يعد خاسراً في تلك المعركة، لكن البنوك عادة تتدخل لإنقاذه بتعليمات شفهية من المصارف المركزية لحفظ قيمته.

أبرز الدول الرابحة والخاسرة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/12/8ae6c6c54a58663f014a820e10651089c%20(2).jpg

ذكر المحللون والخبراء الذين استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم، أن من أبرز الدول الرابحة والخاسرة جراء تراجع أسعار النفط هي:

■ البحرين، إذ ستعاني من التراجع، لكنّ دعماً خليجياً لها سيساعدها على تجاوز تلك المعاناة على المدى القصير.

■ مصر رابحة، إذ ستستفيد من خفض الدعم في الموازنة، لأنها ستشتري الطاقة بأسعار أقل.

■ الدول الأوروبية رابحة على المديين القصير والطويل، لأنها مستهلك صافٍ للنفط.

■ الولايات المتحدة الرابح الأكبر رغم أنها منتج ومستهلك في الوقت نفسه.

■ الصين خاسرة على المدى الطويل، لكنها رابح على المدى القصير.

 

تويتر